الخلافة، واسترعى عليه الإشهاد باستمرار مولانا السلطان المشار إليه في سلطنته على عادته، ثم كُتب له بذلك عهد شريف، ونزل أميرُ المؤمنين، والناسُ في خدمته إلى دار الخلافة، وكان يوماً مشهوداً، ولعل ذلك في أحد الربيعين، سنة أربع وثمانين وثمان مئة، بعد وفاة المستنجد بأيام قلائل.
وكان قد امتنع من قبول الخلافة، وقال: أنا لي عادة بزيارة الصالحين، ولا أقدر على الحصر، فقال له السلطان - نصره الله تعالى -: أنا لا أمنعك من زيارة الصالحين، ولكن لا تَبِتْ في غير القلعة، فقُلِّد الخلافة، وأقام بداخل القلعة، بالمنزل الذي كان فيه المستنجد بالله، واستمر به معظَّماً مبجَّلاً من السلطان - نصره الله تعالى -، والناس يترددون إليه.
وفي كل أول شهر يدخل إليه قضاة القضاة، والعلماء والفقهاء يهمئونه بالشهر بعد تهنئة السلطان، وإذا ولَّى السلطان - نصره الله تعالى - قاضياً من القضاة، يأمره بالتوجه لأمير المؤمنين، وهو لابسٌ لتشريف الولاية، وغير ذلك من أنواع التعظيم والتبجيل.
وأمّا أمير المؤمنين المشار إليه - أفاض الله نعمه عليه -، فلا شكَّ أنه من الخلفاء الراشدين، والأئمة المهديين، وهو من أهل العلم والعمل، والدين والصلاح، والزهد والتواضع، عليه جلالة ووقار، ولديه بر وإحسان إلى الناس، بشوشاً، شكلاً حسناً، ومحاسنه أكثر من أن تحصر، وأشهر من أن تذكر.