بالكرك، وفراقِه الديار المصرية، اشتوروا فيما بينهم، واتفقوا على أن تكون السلطنة لبيبرس الجاشنكير، ومعناه: مشد الشربخانة، وأن يكون سلار مستمرًا على نيابة السلطنة كما كان عليه، وحلفوا على ذلك، وركب بيبرس الجاشنكير من داره بشعار السلطنة إلى الإيوان الكبير بِقُلَّة قلعة الجبل، وجلس على سرير الملك في يوم السبت، الثالث والعشرين من شوال، سنة ثمان وسبع مئة، وتلقب بالملك المظفر ركن الدين بيبرس المنصوري، وأرسل إلى نواب السلطنة بالشام، فحلفوا لهُ عن آخرهم، وكتب تقليدًا للملك الناصر محمد بن قلاوون، بالكرك، ومنشورًا بما عينه له من الإقطاع بزعمه، وأرسلهما إليه، واستقر الحال على ذلك.
[ ... ] المنصوري نائب حلب، شرع في الباطن يستميل الناس إلى طاعة الملك الناصر محمد بن قلاوون، ويفسخ عندهم طاعة بيبرس الجاشنكير.
وفي سنة تسع وسبع مئة: سار جماعة من المماليك من الديار المصرية مفارقين طاعة بيبرس، ووصلوا إلى الملك الناصر بالكرك، وأعلموه بما الناس عليه من طاعته ومحبته، فأعاد الملك الناصر خطبته بالكرك، ووصلت إليه مكاتبات عسكر دمشق يستدعونه، وأنهم باقون على طاعته، ووصل إليه - أيضًا - مكاتبات من حلب، فسار الملك الناصر بمن معه من الكرك في جمادى الآخرة، ثم بلغه كلام، فرجع إلى الكرك، واستمرت العساكر على طاعته واستدعائه ثانيًا، وانحلت دولة بيبرس الجاشنكير، وجاهره الناس بالخلاف، فلما تحقق الناصر صدق طاعة