نتمنى من الله عز وجل أن يوفق طلاب العلم في كل بقاع الدنيا، ليكونوا كما كان علماء الحديث الأوائل، أصولًا ثابتة، وفروعًا في السماء، ينتفع المسلمون بما جمعوه وتركوه للأجيال اللاحقة.
أما والله، لقد يسر الله لنا الكتب مطبوعة، ومفهرسة، وصار البعض يملك في بيته، وعلى أرففٍ قليلة جهد أجيال كاملة من السابقين. ومع هذا تموت الهمم يومًا بعد يوم، ونسي حتى طلبة العلم، وما يسميهم العامة بالعلماء، نسي هؤلاء وهؤلاء علماءَ الحديث من القرون الأولى، وأهملوا كتبهم، وصارت مجرد زينة توضع في مكتبات كبار القوم من المؤلفين والمحققين ولجأ هؤلاء بعد ذلك إلى الحكم على الحديث بالصحة والضعف اعتمادًا على كتب مختصرة ظهرت في القرن السابع الهجري وما تلاه، فصرنا نقرأ "ضعيف يهم من الثالثة" وفي التقريب: "مقبول" هذا ما فعله المحققون، فما بالك بمن عداهم.
ودعوتنا إلى العودة إلى عصر جمع الحديث وروايته، والنظر المباشر في أقوال علماء هذا العصر، والمقارنة والدراسة، فلعل هذه الهمم تعود إلى سابق عهدها علمًا ينشر نوره على العالمين.
لقد أدى هذا المواتُ إلى ما هو أسوأ، حتى وجدنا من الشباب من يعتمد في صحة الحديث وضعفه على بعض الكتب التي ظهرت في هذين القرنين الرابع والخامس عشر، ونسي الجميع كتب البخاري ومسلم والنسائي والدارقطني وغيرها، وتمسكوا بسلاسل لا تسمن ولا تغني من جهل، وصرنا نسمع ضعفه الألباني، وصححه الألباني، أو ضعفه أحمد شاكر. وإنا لله وإنا إليه راجعون.
ما أحوج هذه الأمة إلى أن تعود إلى خير القرون، ما أحوجنا إلى الأخذ بمصادر الحديث الأولى، وهي كما قلنا صارت في كل مكتبة، وعلى أحدث الطبعات. ولكن أين الأيدي التي تمتد وتُقَلِّب، وأين الأعين التي تقرأ وتمحص، وأين وأين.