وعثمان بن عفان يدخلون الجنة قبل كثير من الفقراء، وأنهم أفضل من أبي ذر وأبي هريرة. ولأن السبق إلى الجنة لا يدل على زيادة الدرجة فيها. وكذلك ما روي من كون الفقراء أكثر أهل الجنة؛ لأن الفقراء في الناس أكثر من الأغنياء، والمحمودون منهم أكثر من المحمودين من الأغنياء. وليس الكلام في أي الطائفتين أكثر، وإنما هو في أيهما أفضل أي أكثر ثوابا. وقد بينا وجه كثرة الثواب في ذلك.
وأقوى ما يحتج به من ذهب إلى أن الفقر أفضل من الغنى هو أن الفقير أيسر حسابا وأقل سؤالا، إذ لا بد من أن يسأل صاحب المال من أين كسبه وهل أدى الحق الواجب عليه فيه أم لا، ويسأل أيضا على تمتعه فيه بالمباح من المطعم والملبس بنص قول الله تعالى:{ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ}[التكاثر: ٨]«وقول النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لأصحابه: "لتسألن عن نعيم هذا اليوم» في طعام صنعه لهم أبو الهيثم بن التيهان خبز شعير ولحم وماء مستعذب. وهذا لا حجة لهم فيه أيضا ولا خفاء في أن من وجب عليه شيء فسئل هل عمله أو لم يعمله فوجد قد عمله أفضل ممن لم يجب عليه ولا يسأل عنه؛ لأنه يؤجر على ما عمل من الواجب كما يؤجر على ما عمل من التطوع. وإنما توقف عن المفاضلة بين الفقر والغنى من لم يفضل أحدهما على صاحبه، والله أعلم، من أن لكل طائفة منهما معنى تؤجر عليه دون الأخرى، والأجور في ذلك