وَشَرَابَهُ»
وَلِخَبَرِ الْحَاكِمِ فِي صَحِيحِهِ «لَيْسَ الصِّيَامُ مِنْ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ فَقَطْ الصِّيَامُ مِنْ اللَّغْوِ وَالرَّفَثِ» وَلِأَنَّهُ يُحْبِطُ الثَّوَابَ، فَالْمُرَادُ أَنَّ كَمَالَ الصَّوْمِ إنَّمَا يَكُونُ بِصِيَانَتِهِ عَنْ اللَّغْوِ وَالْكَلَامِ الرَّدِيءِ لَا أَنَّ الصَّوْمَ يَبْطُلُ بِهِمَا فَإِنْ شَتَمَهُ أَحَدٌ فَلْيَقُلْ إنِّي صَائِمٌ لِخَبَرِ «الصِّيَامُ جُنَّةٌ، فَإِذَا كَانَ أَحَدُكُمْ صَائِمًا فَلَا يَرْفُثُ وَلَا يَجْهَلُ، فَإِنْ امْرُؤٌ قَاتَلَهُ أَوْ شَاتَمَهُ فَلْيَقُلْ إنِّي صَائِمٌ إنِّي صَائِمٌ مَرَّتَيْنِ» يَقُولُهُ بِلِسَانِهِ بِنِيَّةِ وَعْظِ الشَّاتِمِ وَدَفْعِهِ بِاَلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ كَمَا نَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ عَنْ جَمْعٍ وَصَحَّحَهُ، ثُمَّ قَالَ: فَإِنَّ جَمَعَ فِيهِ بَيْنَ لِسَانِهِ وَقَلْبِهِ فَحَسَنٌ.
وَقَالَ: إنَّهُ يُسَنُّ تَكْرَارُهُ مَرَّتَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى إمْسَاكِ صَاحِبِهِ.
عَنْهُ وَقَوْلُ الزَّرْكَشِيّ وَلَا أَظُنُّ أَحَدًا يَقُولُهُ مَرْدُودٌ بِالْخَبَرِ الْمَارِّ (وَنَفْسُهُ عَنْ الشَّهَوَاتِ) مِنْ الْمَسْمُوعَاتِ وَالْمُبْصَرَاتِ وَالْمَشْمُومَاتِ وَالْمَلَابِسِ إذْ ذَلِكَ سِرُّ الصَّوْمِ وَمَقْصُودُهُ الْأَعْظَمُ لِتَنْكَسِرَ نَفْسُهُ عَنْ الْهَوَى وَتَقْوَى عَلَى التَّقْوَى بِكَفِّ جَوَارِحِهِ عَنْ تَعَاطِي مَا يَشْتَهِيهِ.
قَالَ فِي الدَّقَائِقِ: وَلَا يَمْتَنِعُ هَذَا الْعَطْفُ لِأَنَّ النَّوْعَيْنِ اشْتَرَكَا فِي الْأَمْرِ بِهِمَا، لَكِنَّ الْأَوَّلَ أَمْرُ إيجَابٍ، وَالثَّانِي اسْتِحْبَابٌ اهـ.
وَالْأَوْجَهُ مَا جَرَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ وَمَا تَمَحَّلَهُ الشَّارِحُ لِعِبَارَةِ الرَّافِعِيِّ بَعِيدٌ.
قَالَهُ فِي الْأَنْوَارِ، وَيُكْرَهُ أَنْ يَقُولَ بِحَقِّ الْخَتْمِ الَّذِي عَلَى فَمِي.
(وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَغْتَسِلَ مِنْ الْجَنَابَةِ) وَالْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ (قَبْلَ الْفَجْرِ) لِيُؤَدِّيَ الْعِبَادَةَ عَلَى الطَّهَارَةِ وَلِيَخْرُجَ مِنْ خِلَافِ أَبِي هُرَيْرَةَ الْقَائِلِ بِوُجُوبِهِ، لَكِنْ نُقِلَ عَنْهُ الرُّجُوعُ عَنْ ذَلِكَ، وَخَشْيَةً مِنْ وُصُولِ الْمَاءِ إلَى بَاطِنِ الْأُذُنِ أَوْ الدُّبُرِ أَوْ غَيْرِهِمَا، وَيَنْبَغِي أَنْ يَغْسِلَ هَذِهِ الْمَوَاضِعَ إنْ لَمْ يَتَهَيَّأْ لَهُ الْغُسْلُ الْكَامِلُ.
قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَقِيَاسُ الْمَعْنَى الْأَوَّلِ اسْتِحْبَابُ الْمُبَادَرَةِ إلَى الِاغْتِسَالِ عَقِبَ الِاحْتِلَامِ نَهَارًا.
قَالَ الْمَحَامِلِيُّ وَالْجُرْجَانِيُّ: يُكْرَهُ لِلصَّائِمِ دُخُولُ الْحَمَّامِ: يَعْنِي مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ لِجَوَازِ أَنْ يَضُرَّهُ فَيُفْطِرُ.
قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَهَذَا لِمَنْ يَتَأَذَّى بِهِ دُونَ مَنْ اعْتَادَهُ، وَهُوَ ظَاهِرٌ مِنْ حَيْثُ انْتِفَاءِ الضَّرَرِ أَمَّا مِنْ حَيْثُ إنَّهُ تَرَفُّهٌ لَا يُنَاسِبُ الصَّائِمَ فَمَرْدُودٌ (وَأَنْ يَحْتَرِزَ عَنْ الْحِجَامَةِ) وَالْفَصْدِ لِلِاخْتِلَافِ فِيهِمَا كَمَا مَرَّ (وَالْقُبْلَةِ) وَلَيْسَ مُكَرَّرًا مَعَ مَا مَرَّ إذْ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
اهـ عَمِيرَةَ (قَوْلُهُ: لَيْسَ الصِّيَامُ مِنْ الْأَكْلِ) أَيْ بِأَنْ يَتْرُكَهُ (قَوْلُهُ: فَإِنْ جَمَعَ فِيهِ بَيْنَ قَلْبِهِ وَلِسَانِهِ فَحَسَنٌ) .
[فَائِدَةٌ] قَالَ حَجّ فِي فَتَاوِيهِ الْحَدِيثِيَّةِ: هَلْ الذِّكْرُ اللِّسَانِيُّ أَفْضَلُ أَوْ غَيْرُهُ؟ وَعِبَارَتُهُ: وَالذِّكْرُ الْخَفِيُّ قَدْ يُطْلَقُ وَيُرَادُ بِهِ مَا هُوَ بِالْقَلْبِ فَقَطْ وَمَا هُوَ بِالْقَلْبِ وَاللِّسَانِ بِحَيْثُ يُسْمِعُ نَفْسَهُ وَلَا يَسْمَعُهُ غَيْرُهُ وَمِنْهُ «خَيْرُ الذِّكْرِ الْخَفِيُّ» أَيْ لِأَنَّهُ لَا يَتَطَرَّقُ إلَيْهِ الرِّيَاءُ، وَأَمَّا حَيْثُ لَمْ يُسْمِعْ نَفْسَهُ فَلَا يُعَدُّ بِحَرَكَةِ لِسَانِهِ وَإِنَّمَا الْعِبْرَةُ بِمَا فِي قَلْبِهِ عَلَى أَنَّ جَمَاعَةً مِنْ أَئِمَّتِنَا وَغَيْرِهِمْ يَقُولُونَ: لَا ثَوَابَ فِي ذِكْرِ الْقَلْبِ وَحْدَهُ وَلَا مَعَ اللِّسَانِ حَيْثُ لَمْ يُسْمِعْ نَفْسَهُ، وَيَنْبَغِي حَمْلُهُ عَلَى أَنَّهُ لَا ثَوَابَ عَلَيْهِ مِنْ حَيْثُ الذِّكْرِ الْمَخْصُوصِ، أَمَّا اشْتِغَالُ الْقَلْبِ بِذَلِكَ وَتَأَمَّلْهُ لِمَعَانِيهِ وَاسْتِغْرَاقِهِ فِي شُهُودِهِ فَلَا شَكَّ أَنَّهُ بِمُقْتَضَى الْأَدِلَّةِ يُثَابُ عَلَيْهِ مِنْ هَذِهِ الْحَيْثِيَّةِ الثَّوَابَ الْجَزِيلَ، وَيُؤَيِّدُهُ خَبَرُ الْبَيْهَقِيّ «الذِّكْرُ الَّذِي لَا تَسْمَعُهُ الْحَفَظَةُ يَزِيدُ عَلَى الذِّكْرِ الَّذِي تَسْمَعُهُ الْحَفَظَةُ سَبْعِينَ ضِعْفًا» اهـ بِحُرُوفِهِ (قَوْلُهُ: عَنْ الْهَوَى) بِالْقَصْرِ (قَوْلُهُ: وَيُكْرَهُ أَنْ يَقُولَ بِحَقِّ الْخَتْمِ إلَخْ) وَمِثْلُهُ الْخَاتَمُ الَّذِي عَلَى فَمِ الْعِبَادِ وَوَجْهُ الْكَرَاهَةِ أَنَّهُ حَلَفَ بِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَصِفَاتِهِ
(قَوْلُهُ: وَيَنْبَغِي أَنْ يَغْسِلَ هَذِهِ الْمَوَاضِعَ) أَيْ قَبْلَ الْفَجْرِ بِنِيَّةِ رَفْعِ الْجَنَابَةِ (قَوْلُهُ: وَقِيَاسُ الْمَعْنَى الْأَوَّلِ) هُوَ قَوْلُهُ لِيُؤَدِّيَ الْعِبَادَةَ عَلَى
ــ
[حاشية الرشيدي]
الْفَاءِ وَلَا غُبَارَ عَلَيْهَا (قَوْلُهُ: وَالْأَوْجَهُ مَا جَرَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ إلَخْ) هَذَا لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِمَا قَبْلَهُ وَإِنْ أَوْهَمَهُ كَلَامُهُ وَحَاصِلُ الْمُرَادِ مِنْهُ أَنَّ الْمُصَنِّفَ عَدَلَ إلَى قَوْلِهِ وَلْيَصُنْ لِسَانَهُ فَاللَّامُ الْأَمْرِ عَنْ عِبَارَةِ الْمُحَرَّرِ الْمُفِيدَةِ لِاسْتِحْبَابِ ذَلِكَ لِمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ فِي الدَّقَائِقِ مِنْ أَنَّ ذَلِكَ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ لَا مَسْنُونٌ.
وَأَجَابَ عَنْهُ الشَّارِحُ الْجَلَالُ بِمَا حَاصِلُهُ أَنَّ الِاسْتِحْبَابَ مِنْ حَيْثُ الصَّوْمُ فَلَا يُنَافِي أَنَّهُ وَاجِبٌ فِي حَدِّ ذَاتِهِ، قَالَ: فَلَا حَاجَةَ إلَى عُدُولِ الْمِنْهَاجِ عَمَّا فِي الْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِ، وَاسْتَبْعَدَهُ الشَّارِحُ هُنَا بِمَا تَرَى
(قَوْلُهُ: أَمَّا مِنْ حَيْثُ إنَّهُ تَرَفُّهٌ لَا يُنَاسِبُ الصَّائِمَ فَمَرْدُودٌ) فِي هَذَا الرَّدِّ نَظَرٌ لَا يَخْفَى لِأَنَّ التَّرَفُّهَ إنَّمَا هُوَ