للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إتْلَافُ مَالٍ قَبْلَ وُجُودِ الْمُقْتَضَى؛ لِأَنَّهُ قَدْ لَا يَحْرُمُ لِأَنَّ إرْسَالَ الصَّيْدِ بِغَيْرِ سَبَبٍ يَقْتَضِيهِ حَرَامٌ، بِخِلَافِ التَّجَرُّدِ فَإِنَّهُ مُقَدِّمَةُ الْعِبَادَةِ، وَشَأْنُهَا التَّقَدُّمُ عَلَيْهَا كَالطَّهَارَةِ لِلصَّلَاةِ. نَعَمْ قَدْ يُقَالُ بِعَدَمِ وُجُوبِهِ أَخْذًا مِمَّا لَوْ حَلَفَ لَا يَلْبِسُ ثَوْبًا وَهُوَ لَابِسُهُ فَنَزَعَ فِي الْحَالِ لَمْ يَحْنَثْ، وَمِمَّا لَوْ وَطِئَ أَوْ أَكَلَ لَيْلًا مَنْ أَرَادَ الصَّوْمَ لَا يَلْزَمُهُ تَرْكُهُمَا قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ. وَأَجَابَ الشَّيْخُ بِأَنَّ الْإِحْرَامَ عِبَادَةٌ طُلِبَ فِيهَا أَنْ يَكُونَ الْمُحْرِمُ أَشْعَثَ أَغْبَرَ وَلَا يَكُونَ كَذَلِكَ إلَّا إذَا نَزَعَ قَبْلَهُ، بِخِلَافِ الْحَلِفِ وَتَرْكِ الْمُفْطِرِ بِطُلُوعِ الْفَجْرِ فَاحْتِيطَ لَهُ مَا لَمْ يُحْتَطْ لَهُمَا وَيُسَنُّ أَنْ يَكُونَ النَّزْعُ بَعْدَ التَّطَيُّبِ.

(وَ) يُسَنُّ (أَنْ) (يَلْبِسَ) الرَّجُلُ قَبْلَ إحْرَامِهِ (إزَارًا وَرِدَاءً) لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ (أَبْيَضَيْنِ) لِخَبَرِ «الْبَسُوا مِنْ ثِيَابِكُمْ الْبَيَاضَ» وَيُسَنُّ كَوْنُهُمَا جَدِيدَيْنِ وَإِلَّا فَمَغْسُولَيْنِ.

قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَالْأَحْوَطُ أَنْ يَغْسِلَ الْجَدِيدَ الْمَقْصُورَ لِنَشْرِ الْقَصَّارِينَ لَهُ عَلَى الْأَرْضِ.

وَقَدْ اسْتَحَبَّ الشَّافِعِيُّ غَسْلَ حَصَى الْجِمَارِ احْتِيَاطًا، وَهَذَا أَوْلَى بِهِ، وَقَضِيَّةُ تَعْلِيلِهِ أَنَّ غَيْرَ الْمَقْصُودِ كَذَلِكَ: أَيْ إذَا تُوُهِّمَتْ نَجَاسَتُهُ لَا مُطْلَقًا لِأَنَّهُ بِدْعَةٌ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ، وَيُكْرَهُ كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ الْمَصْبُوغُ وَلَوْ بِنِيلَةٍ سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ أَوْ بَعْضِهِ وَإِنْ قَلَّ فِيمَا يَظْهَرُ إلَّا الْمُزَعْفَرَ فَيَحْرُمُ عَلَى الرَّجُلِ كَمَا مَرَّ، وَإِنَّمَا كُرِهَ الْمَصْبُوغُ هُنَا بِخِلَافِ مَا قَالُوهُ ثَمَّ؛ لِأَنَّ الْمُحْرِمَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ فَلَا يُنَاسِبُهُ الْمَصْبُوغُ مُطْلَقًا، وَمِنْهُ يُؤْخَذُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمَصْبُوغِ قَبْلَ النَّسْجِ وَبَعْدَهُ خِلَافًا لِلْمَاوَرْدِيِّ فِي تَقْيِيدِهِ بِمَا صُبِغَ بَعْد النَّسْجِ وَإِنْ تَبِعَهُ الرُّويَانِيُّ.

(وَ) يُسَنُّ لُبْسُ (نَعْلَيْنِ) لِخَبَرِ «لِيُحْرِمَ أَحَدُكُمْ فِي إزَارٍ وَرِدَاءٍ وَنَعْلَيْنِ» (وَ) يُسَنُّ (أَنْ) (يُصَلِّيَ) لِلْإِحْرَامِ قَبْلَهُ (رَكْعَتَيْنِ) لِمَا رَوَاهُ الشَّيْخَانِ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى بِذِي الْحُلَيْفَةِ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ أَحْرَمَ» وَيُحْرِمَانِ فِي وَقْتِ الْكَرَاهَةِ فِي غَيْرِ حَرَمِ مَكَّةَ وَتُغْنِي عَنْهُمَا فَرِيضَةٌ أَوْ نَافِلَةٌ كَالتَّحِيَّةِ، وَمَا نَظَرَ بِهِ فِي الْمَجْمُوعِ مِنْ كَوْنِهَا مَقْصُودَةً فَلَا تَنْدَرِجُ كَسُنَّةِ الظُّهْرِ رَدَّهُ السُّبْكِيُّ وَتَبِعَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ بِأَنَّهُ إنَّمَا يَتِمُّ إذَا أَثْبَتْنَا «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى رَكْعَتَيْنِ لِلْإِحْرَامِ خَاصَّةً» وَلَمْ يَثْبُتْ، بَلْ الَّذِي ثَبَتَ وَدَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُ الشَّافِعِيِّ وُقُوعُ الْإِحْرَامِ إثْرَ صَلَاةٍ.

وَيُنْدَبُ أَنْ يَقْرَأَ فِيهِمَا بَعْدَ الْفَاتِحَةِ سُورَتَيْ الْكَافِرُونَ وَالْإِخْلَاصُ وَأَنْ يُصَلِّيَهُمَا فِي مَسْجِدِ الْمِيقَاتِ إنْ كَانَ ثَمَّ مَسْجِدٌ وَلَا فَرْقَ فِي صَلَاتِهِمَا بَيْنَ الذَّكَرِ وَغَيْرِهِ.

(ثُمَّ الْأَفْضَلُ أَنْ) (يُحْرِمَ) الشَّخْصُ إنْ كَانَ رَاكِبًا (إذَا انْبَعَثَتْ) أَيْ اسْتَوَتْ (بِهِ رَاحِلَتُهُ) أَيْ دَابَّتُهُ قَائِمَةً إلَى طَرِيقِ مَكَّةَ (أَوْ) يُحْرِمُ إذَا (تَوَجَّهَ لِطَرِيقِهِ) حَالَ كَوْنِهِ (مَاشِيًا) لِلِاتِّبَاعِ فِي الْأَوَّلِ وَقِيَاسًا عَلَيْهِ فِي الثَّانِي، رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ جَابِرٍ «أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

ــ

[حاشية الشبراملسي]

وَرَاجَعَ عَقِبَ الْإِيلَاءِ لَا يُغْنِي عَنْ وُجُوبِ النَّزْعِ لِأَنَّهُ مُسْتَدِيمٌ زَمَنَ الْمُرَاجَعَةِ وَهُوَ ظَاهِرٌ

(قَوْله فَيَحْرُمُ عَلَى الرَّجُلِ) أَيْ حَيْثُ كَثُرَ عَلَى مَا مَرَّ فِي اللِّبَاسِ

(قَوْلُهُ وَأَنْ يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ إلَخْ) وَقَعَ السُّؤَالُ عَمَّنْ نَذَرَ رَكْعَتَيْنِ فِي وَقْتِ الْكَرَاهَةِ فِي الْحَرَمِ هَلْ يَنْعَقِدُ نَذْرُهُ أَوْ لَا لِأَنَّ النَّافِلَةَ فِي ذَلِكَ خِلَافَ الْأَوْلَى، وَأَفْتَى بَعْضُهُمْ بِالِانْعِقَادِ لِأَنَّ النَّافِلَةَ قُرْبَةٌ فِي نَفْسِهَا وَكَوْنِهَا خِلَافَ الْأَوْلَى أَمْرٌ عَارِضٌ فَلَا يَمْنَعُ الِانْعِقَادَ فَلْيَتَأَمَّلْ اهـ سم عَلَى حَجّ.

أَقُولُ: الْأَقْرَبُ عَدَمُ الِانْعِقَادِ لِأَنَّ شَرْطَ صِحَّةِ النَّذْرِ كَوْنُ الْمَنْذُورِ قُرْبَةً، وَخِلَافَ الْأَوْلَى مَنْهِيٌّ عَنْهُ فِي حَدِّ ذَاتِهِ وَهُوَ كَالْمَكْرُوهِ غَايَتُهُ أَنَّ الْكَرَاهَةَ فِيهِ خَفِيفَةٌ، فَالْقَائِلُ بِانْعِقَادِ النَّذْرِ فِيهِ يَلْزَمُهُ الْقَوْلُ بِانْعِقَادِ نَذْرِ الصَّلَاةِ فِي الْحَمَّامِ وَأَعْطَانِ الْإِبِلِ وَنَحْوِهِمَا وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَقُولُ بِهِ فَلْيَتَأَمَّلْ، وَلَا يَرِدُ انْعِقَادُ نَذْرِ صَوْمِ يَوْمِ جُمُعَةٍ مَعَ كَرَاهَتِهِ لِأَنَّا نَقُولُ: الْمَكْرُوهُ إفْرَادُهُ لَا صَوْمُهُ (قَوْلُهُ: وَيُنْدَبُ أَنْ يَقْرَأَ فِيهِمَا) أَيْ سِرًّا وَلَوْ لَيْلًا إلْحَاقًا بِالنَّوَافِلِ، بِخِلَافِ رَكْعَتِي الطَّوَافِ فَإِنَّهُ يَجْهَرُ بِهِمَا لَيْلًا كَمَا

ــ

[حاشية الرشيدي]

قَوْلُهُ: بِخِلَافِ مَا قَالُوهُ ثَمَّ) هُوَ تَابِعٌ فِي هَذَا التَّعْبِيرِ لِشَرْحِ الرَّوْضِ، لَكِنَّ ذَاكَ قَدَّمَ مَا يُسَوِّغُ لَهُ هَذِهِ الْإِحَالَةَ بِخِلَافِ الشَّارِحِ وَعِبَارَتُهُ: وَمَحَلُّهُ أَيْ كَرَاهَةِ الْمَصْبُوغِ فِيمَا صُبِغَ بِغَيْرِ زَعْفَرَانٍ أَوْ عُصْفُرٍ لِمَا مَرَّ فِي بَابِ مَا لَا يَجُوزُ لُبْسُهُ أَنَّهُ يَحْرُمُ لُبْسُ الْمَصْبُوغِ بِهِمَا.

وَإِنَّمَا كَرِهُوا هُنَا الْمَصْبُوغَ بِغَيْرِهِمَا خِلَافَ مَا قَالُوهُ ثَمَّ إلَخْ

(قَوْلُهُ رَوَى مُسْلِمٌ) عِبَارَةُ شَرْحِ الرَّوْضِ: وَرَوَى مُسْلِمٌ بِوَاوِ الْعَطْفِ، وَلَعَلَّهَا سَقَطَتْ مِنْ نُسَخِ الشَّارِحِ مِنْ الْكَتَبَةِ، وَخَبَرُ مُسْلِمٍ هَذَا دَلِيلٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>