للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فِي بَلَدِك، وَبَلَّغْتنِي بِنِعْمَتِك حَتَّى أَعَنْتَنِي عَلَى قَضَاءِ مَنَاسِكِك، فَإِنْ كُنْت رَضِيت عَنِّي فَازْدَدْ عَنِّي رِضًا، وَإِلَّا فَمُنَّ عَلَيَّ الْآنَ قَبْلَ أَنْ تَنْأَى عَنْ بَيْتِك دَارِي وَيَبْعُدَ عَنْهُ مَزَارِي، هَذَا أَوَانُ انْصِرَافِي إنْ أَذِنْت لِي غَيْرَ مُسْتَبْدِلٍ بِك وَلَا بَيْتِك وَلَا رَاغِبٍ عَنْك وَلَا عَنْ بَيْتِك، اللَّهُمَّ فَأَصْحِبْنِي الْعَافِيَةَ فِي بَدَنِي وَالْعِصْمَةَ فِي دِينِي وَأَحْسِنْ مُنْقَلَبِي وَارْزُقْنِي الْعَمَلَ بِطَاعَتِك مَا أَبْقَيْتنِي، وَمَا زَادَ فَحَسِّنْ فِيهِ، وَقَدْ زِيدَ: وَاجْمَعْ لِي خَيْرَيْ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ إنَّك قَادِرٌ عَلَى ذَلِكَ.

ثُمَّ يُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ وَلَوْ كَانَتْ حَائِضًا أَوْ نُفَسَاءَ اُسْتُحِبَّ لَهَا الْإِتْيَانُ بِجَمِيعِ ذَلِكَ بِبَابِ الْمَسْجِدِ ثُمَّ تَمْضِي، قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَلَمْ أَرَ لِأَصْحَابِنَا كَلَامًا فِي أَنَّ الْمُوَدِّعَ مِنْ أَيِّ أَبْوَابِ الْمَسْجِدِ يَخْرُجُ، وَقَالَ بَعْضُ الْعَصْرِيِّينَ: يُسْتَحَبُّ أَنْ يَخْرُجَ مِنْ بَابِ بَنِي سَهْمٍ وَيُسَنُّ الْإِكْثَارُ مِنْ الِاعْتِمَارُ وَالطَّوَافِ تَطَوُّعًا وَأَنْ يَزُورَ الْأَمَاكِنَ الْمَشْهُورَةَ بِالْفَضْلِ بِمَكَّةَ وَهِيَ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ مَوْضِعًا.

وَأَنْ يُكْثِرَ النَّظَرَ إلَى الْبَيْتِ إيمَانًا وَاحْتِسَابًا لِمَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي شُعَبِ الْإِيمَانِ: إنَّ لِلَّهِ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ عِشْرِينَ وَمِائَةَ رَحْمَةٍ تَنْزِلُ عَلَى هَذَا الْبَيْتِ سِتُّونَ لِلطَّائِفِينَ وَأَرْبَعُونَ لِلْمُصَلِّينَ وَعِشْرُونَ لِلنَّاظِرِينَ وَحِكْمَةُ ذَلِكَ كَمَا أَفَادَهَا السَّرَّاجُ الْبُلْقِينِيُّ ظَاهِرَةٌ، إذْ الطَّائِفُونَ جَمَعُوا بَيْنَ ثَلَاثٍ: طَوَافٍ وَصَلَاةٍ وَنَظَرٍ فَصَارَ لَهُمْ بِذَلِكَ سِتُّونَ، وَالْمُصَلُّونَ فَاتَهُمْ الطَّوَافُ فَصَارَ لَهُمْ أَرْبَعُونَ، وَالنَّاظِرُونَ فَاتَهُمْ الطَّوَافُ وَالصَّلَاةُ فَصَارَ لَهُمْ عِشْرُونَ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُكْثِرَ مِنْ الصَّدَقَةِ وَأَنْوَاعِ الْبِرِّ وَالْقُرُبَاتِ فَإِنَّ الْحَسَنَةَ هُنَاكَ بِمِائَةِ أَلْفِ حَسَنَةٍ، وَنُقِلَ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ يُسْتَجَابُ الدُّعَاءَ فِي خَمْسَةَ عَشَرَ مَوْضِعًا بِمَكَّةَ: فِي الطَّوَافِ وَالْمُلْتَزَمِ وَتَحْتَ الْمِيزَابِ وَفِي الْبَيْتِ وَعِنْدَ زَمْزَمَ وَعَلَى الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَفِي السَّعْيِ وَخَلْفَ الْمَقَامِ وَفِي عَرَفَاتٍ وَمُزْدَلِفَةَ وَمِنًى وَعِنْدَ الْجَمَرَاتِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الدَّاعِي فِي نُسُكٍ أَوْ لَا.

(وَيُسَنُّ شُرْبُ مَاءِ زَمْزَمَ) ؛ لِأَنَّهَا مُبَارَكَةٌ طَعَامُ طَعْمٍ وَشِفَاءُ سَقَمٍ وَيُسَنُّ أَنْ يَشْرَبَهُ لِمَطْلُوبِهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَأَنْ يَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ عِنْدَ شُرْغبِهِ، وَأَنْ يَتَضَلَّعَ مِنْهُ، وَأَنْ يَقُولَ عِنْدَ شُرْبِهِ: اللَّهُمَّ إنَّهُ قَدْ بَلَغَنِي عَنْ نَبِيِّك مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «مَاءُ زَمْزَمَ لِمَا شُرِبَ لَهُ» وَأَنَا أَشْرَبُهُ لِكَذَا، وَيَذْكُرُ مَا يُرِيدُ دِينًا وَدُنْيَا، اللَّهُمَّ فَافْعَلْ بِي، ثُمَّ يُسَمِّي اللَّهَ تَعَالَى وَيَشْرَبُ وَيَتَنَفَّسُ ثَلَاثًا

ــ

[حاشية الشبراملسي]

تُقَلِّدَ أَبَا حَنِيفَةَ فِي صِحَّتِهِ لِتَصِيرَ بِهِ حَلَالًا وَتَتَبَيَّنَ صِحَّةَ النِّكَاحِ، وَحِينَئِذٍ فَهَلْ يَصِحُّ ذَلِكَ وَتَتَضَمَّنُ صِحَّةَ التَّقْلِيدِ بَعْدَ الْعَمَلِ؟ فَأَفْتَى بِالصِّحَّةِ وَأَنَّهُ لَا مَحْذُورَ فِي ذَلِكَ، وَلَمَّا سَمِعْتُ عَنْهُ ذَلِكَ اجْتَمَعْتُ بِهِ فَإِنِّي كُنْت أَحْفَظُ عَنْهُ خِلَافَهُ فِي الْعَامِ الَّذِي قَبْلَهُ فَقَالَ: هَذَا هُوَ الَّذِي أَعْتَقِدُهُ مِنْ الصِّحَّةِ، وَأَفْتَى بِهِ بَعْضُ الْأَفَاضِلِ أَيْضًا تَبَعًا لَهُ وَهُوَ مَسْأَلَةٌ مُهِمَّةٌ كَثِيرَةُ الْوُقُوعِ وَأَشْبَاهُهَا، وَمُرَادُهُ بِأَشْبَاهِهَا كُلُّ مَا كَانَ مُخَالِفًا لِمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ مَثَلًا وَهُوَ صَحِيحٌ عَلَى بَعْضِ الْمَذَاهِبِ الْمُعْتَبَرَةِ، فَإِذَا فَعَلَهُ عَلَى وَجْهٍ فَاسِدٍ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَصَحِيحٍ عِنْدَ غَيْرِهِ ثُمَّ عَلِمَ بِالْحَالِ جَازَ لَهُ أَنْ يُقَلِّدَ الْقَائِلَ بِصِحَّتِهِ فِيمَا مَضَى وَفِيمَا يَأْتِي فَتَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ أَحْكَامُهُ فَتَنَبَّهْ لَهُ فَإِنَّهُ مُهِمٌّ جِدًّا، وَيَنْبَغِي أَنَّ إثْمَ الْإِقْدَامِ بَاقٍ حَيْثُ فَعَلَهُ عَالِمًا (قَوْلُهُ: قَبْلَ أَنْ تَنْأَى) أَيْ تَبْعُدَ (قَوْلُهُ: يُسْتَحَبُّ أَنْ يَخْرُجَ مِنْ بَابِ إلَخْ) مُعْتَمَدٌ

(قَوْلُهُ: وَأَرْبَعُونَ لِلْمُصَلِّينَ إلَخْ) هَذَا الْحَدِيثُ يَقْتَضِي أَنَّ الطَّوَافَ أَفْضَلُ مِنْ الصَّلَاةِ وَتَقَدَّمَ لِلشَّارِحِ خِلَافُهُ (قَوْلُهُ: بِمِائَةِ أَلْفِ حَسَنَةٍ) هَذَا رَأْيٌ وَالثَّانِي أَنَّ الْمُضَاعَفَةَ خَاصَّةٌ بِالصَّلَاةِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ (قَوْلُهُ: خَمْسَةَ عَشَرَ مَوْضِعًا بِمَكَّةَ) وَتَوَابِعِهَا لِمَا يَأْتِي مِنْ عَدِّ عَرَفَاتٍ وَمَا بَعْدَهَا (قَوْلُهُ: وَعِنْدَ الْجَمَرَاتِ) أَيْ الثَّلَاثِ

(قَوْلُهُ: مَاءُ زَمْزَمَ لِمَا شُرِبَ لَهُ) هُوَ شَامِلٌ لِمَا لَوْ شَرِبَهُ بِغَيْرِ

ــ

[حاشية الرشيدي]

قَوْلُهُ: وَقَالَ بَعْضُ الْعَصْرِيِّينَ) مِنْ جُمْلَةِ كَلَامِ الْأَذْرَعِيِّ (قَوْلُهُ: بِمَكَّةَ) أَيْ غَالِبًا، وَإِلَّا فَسَيَأْتِي أَنَّ مِنْ تِلْكَ الْمَوَاضِعِ عَرَفَاتٌ وَمَا بَعْدَهَا.

<<  <  ج: ص:  >  >>