وُضُوءِ الرَّفَاهِيَةِ، وَلَوْ نَوَى قَطْعَ وُضُوئِهِ انْقَطَعَتْ نِيَّتُهُ فَيُعِيدُهَا لِلْبَاقِي، وَحَيْثُ بَطَلَ وُضُوءُهُ فِي أَثْنَائِهِ بِحَدَثٍ أَوْ غَيْرِهِ أُثِيبَ عَلَى مَا مَضَى إنْ بَطَلَ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ وَإِلَّا فَلَا، وَيَجْرِي ذَلِكَ فِي الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ (أَوْ) نَوَى بِوُضُوئِهِ (مَا يُنْدَبُ لَهُ وُضُوءٌ كَقِرَاءَةٍ فَلَا) يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ: أَيْ لَا يَصِحُّ (فِي الْأَصَحِّ) لِأَنَّهُ يَسْتَبِيحُهُ مَعَ الْحَدَثِ فَلَمْ يَتَضَمَّنْ قَصْدُهُ قَصْدَ رَفْعِ الْحَدَثِ، وَحَمْلِ كُتُبِ عِلْمٍ شَرْعِيٍّ وَسَمَاعِ حَدِيثٍ وَفِقْهٍ وَغَضَبٍ وَقَبِيحِ كَلَامٍ وَحَمْلِ مَيِّتٍ وَمَسِّهِ،
ــ
[حاشية الشبراملسي]
صَاحِبَ ضَرُورَةٍ أَمْ لَا (قَوْلُهُ: وُضُوءِ الرَّفَاهِيَةِ) هُوَ وُضُوءُ السَّلِيمِ (قَوْلُهُ: وَلَوْ نَوَى قَطْعَ وُضُوئِهِ انْقَطَعَتْ نِيَّتُهُ) وَهَلْ مِنْ قَطْعِهَا مَا لَوْ عَزَمَ عَلَى الْحَدَثِ وَلَمْ يُوجَدْ مِنْهُ؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَقِيَاسُ مَا صَرَّحُوا بِهِ فِي الصَّلَاةِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ عَزَمَ عَلَى أَنْ يَأْتِيَ بِمُبْطِلٍ كَالْعَمَلِ الْكَثِيرِ لَمْ تَبْطُلْ إلَّا بِالشُّرُوعِ فِيهِ أَنَّهَا لَا تَنْقَطِعُ هُنَا بِمُجَرَّدِ الْعَزْمِ الْمَذْكُورِ فَلَا يَحْتَاجُ لِإِعَادَةِ مَا غَسَلَهُ بَعْدَ الْعَزْمِ (قَوْلُهُ: فَيُعِيدُهَا لِلْبَاقِي) أَيْ دُونَ مَا مَضَى (قَوْلُهُ أَوْ غَيْرِهِ) كَشِفَاءِ نَحْوَ الْمُسْتَحَاضَةِ (قَوْلُهُ: وَإِلَّا فَلَا) ظَاهِرُهُ وَإِنْ احْتَاجَ إلَى ذَلِكَ كَتَفْرِيغِ نَفْسِهِ لِتَحْصِيلِ الْخُشُوعِ فِي الصَّلَاةِ.
وَعِبَارَةُ حَجّ: إنْ كَانَ لِعُذْرٍ اهـ، وَهِيَ تَقْتَضِي حُصُولَ الثَّوَابِ فِي هَذِهِ (قَوْلُهُ: وَيَجْرِي ذَلِكَ فِي الصَّلَاةِ) أَيْ فَلَوْ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ لِعُذْرٍ بَعْدَ رَكْعَتَيْنِ مَثَلًا أُثِيبَ عَلَيْهِمَا ثَوَابَ الصَّلَاةِ لَا عَلَى مُجَرَّدِ الْقِرَاءَةِ وَالذِّكْرِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ أَحْرَمَ ظَانَّ الطَّهَارَةِ فَبَانَ خِلَافُهُ فَلَا يُثَابُ عَلَى الْأَفْعَالِ وَيُثَابُ عَلَى الْقِرَاءَةِ وَالذِّكْرِ (قَوْلُهُ: فِي الْأَصَحِّ) وَصُورَةُ ذَلِكَ أَنَّهُ نَوَى اسْتِبَاحَةَ ذَلِكَ كَأَنْ قَالَ: نَوَيْت اسْتِبَاحَةَ الْقِرَاءَةِ، أَمَّا لَوْ نَوَى الْوُضُوءَ لِلْقِرَاءَةِ فَقَالَ حَجّ فِيهِ إنَّهُ لَا تَبْطُلُ إلَّا إذَا نَوَى التَّعْلِيقَ أَوَّلًا، بِخِلَافِ مَا لَوْ لَمْ يَقْصِدْهُ إلَّا بَعْدَ ذِكْرِهِ الْوُضُوءَ مَثَلًا لِصِحَّةِ النِّيَّةِ حِينَئِذٍ فَلَا يُبْطِلُهَا مَا وَقَعَ بَعْدُ.
قَالَ سم عَلَى مَنْهَجٍ: وَيَتَرَدَّدُ النَّظَرُ فِي حَالِ الْإِطْلَاقِ وَإِلْحَاقُهُ بِالْأَوَّلِ: أَيْ التَّعْلِيقِ أَقْرَبُ وَفِيهِ نَظَرٌ اهـ.
وَلَعَلَّ وَجْهَ النَّظَرِ أَنَّهُ إذَا قَالَ نَوَيْت الْوُضُوءَ حُمِلَ عَلَى مَا يَقْتَضِيهِ لَفْظُهُ وَهُوَ رَفْعُ الْمَنْعِ مِنْ الصَّلَاةِ وَنَحْوِهَا، فَذِكْرُ الْقِرَاءَةِ طَارِئٌ بَعْدَهُ وَهُوَ لَا يَضُرُّ، وَالتَّعْلِيقُ إنَّمَا يَضُرُّ حَيْثُ قَارَنَ قَصْدُهُ اللَّفْظَ، وَنَظِيرُ ذَلِكَ مَا لَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ بِلَا قَصْدٍ ثُمَّ ذَكَرَ اسْتِثْنَاءً أَوْ شَرْطًا، فَإِنَّهُ لَغْوٌ حَمْلًا لِلصِّيغَةِ عَلَى مَا تَقْتَضِيهِ مِنْ التَّنْجِيزِ.
وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ عَنْهُ بِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ النِّيَّةِ الْجَزْمُ بِالِاسْتِبَاحَةِ فَذِكْرُ مَا هُوَ مُبَاحٌ بَعْدَهَا مُخِلٌّ لِلْجَزْمِ بِهَا فَأَشْبَهَ مَا لَوْ قَالَ: نَوَيْت الْوُضُوءَ إنْ شَاءَ اللَّهُ وَأَطْلَقَ، (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ يَسْتَبِيحُهُ) يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهُ لَوْ نَوَى الصَّبِيُّ اسْتِبَاحَةَ مَسِّ الْمُصْحَفِ لِحَاجَةِ التَّعَلُّمِ لَمْ يَصِحَّ وُضُوءُهُ لِأَنَّهُ مُبَاحٌ لَهُ بِغَيْرِ وُضُوءٍ، وَأَنَّهُ لَوْ نَوَاهُ لَا لِخُصُوصِ ذَلِكَ بِأَنْ نَوَى الِاسْتِبَاحَةَ مُطْلَقًا صَحَّ لِأَنَّهُ كَانَ يُمْنَعُ مِنْ الْمَسِّ لِغَيْرِ حَاجَةِ التَّعَلُّمِ فَأَشْبَهَ مَا لَوْ نَوَى اسْتِبَاحَةَ الصَّلَاةِ أَوْ الطَّوَافِ (قَوْلُهُ: وَحَمْلِ كُتُبِ عِلْمٍ شَرْعِيٍّ) يَنْبَغِي إنْ مَسَّهَا كَذَلِكَ لِأَنَّ الْعِلَّةَ فِي اسْتِحْبَابِ الْوُضُوءِ لِحَمْلِهَا تَعْظِيمُ الْعِلْمِ وَهِيَ مَوْجُودَةٌ فِي الْمَسِّ (قَوْلُهُ: وَسَمَاعِ حَدِيثٍ) هُوَ وَإِنْ كَانَ الْوُضُوءُ لَهُ سُنَّةً كَالْقِرَاءَةِ لَكِنَّهُ لَا ثَوَابَ فِي مُجَرَّدِ قِرَاءَتِهِ وَسَمَاعِهَا، بَلْ لَا بُدَّ فِي حُصُولِ ذَلِكَ مِنْ قَصْدِ حِفْظِ أَلْفَاظِهِ وَتَعَلُّمِ الْأَحْكَامِ، وَكَذَا الصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَاتِّصَالُ السَّنَدِ عَلَى مَا نَقَلَهُ ابْنُ الْعِمَادِ فِي كِتَابِ الْمَسَاجِدِ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي إِسْحَاقَ فِي شَرْحِ اللُّمَعِ، وَرَدَّ بِهِ عَلَى مَنْ قَالَ بِحُصُولِ الثَّوَابِ مُطْلَقًا بِأَنَّهُ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَى كَلَامِ الشَّيْخِ أَبِي إِسْحَاقَ، وَفِي فَتَاوَى حَجّ خِلَافُهُ وَنَصَّهَا بَعْدَ نَقْلِ كَلَامِ ابْنِ الْعِمَادِ وَاسْتِظْهَارِهِ لِكَلَامِ الشَّيْخِ أَبِي إِسْحَاقَ: وَنَقْلُ إفْتَاءِ بَعْضِهِمْ بِالثَّوَابِ مُطْلَقًا هُوَ الْأَوْجَهُ عِنْدِي، لِأَنَّ سَمَاعَهَا لَا يَخْلُو عَنْ فَائِدَةٍ لَوْ لَمْ يَكُنْ إلَّا عَوْدُ بَرَكَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الْقَارِئِ وَالْمُسْتَمِعِ، فَلَا يُنَافِي ذَلِكَ قَوْلَ بَعْضِهِمْ إنَّ سَمَاعَ الْأَذْكَارِ مُبَاحٌ لَا سُنَّةٌ انْتَهَى.
وَمَا اسْتَوْجَهَهُ حَجّ يُوَافِقُهُ ظَاهِرُ إطْلَاقِ الشَّارِحِ وَلَهُ وَجْهٌ وَجِيهٌ (قَوْلُهُ وَحِمْلِ مَيِّتٍ وَمَسِّهِ) عِبَارَتُهُ فِي الْأَغْسَالِ الْمَسْنُونَةِ بَعْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَالْغُسْلُ لِغَاسِلِ الْمَيِّتِ مَا نَصُّهُ: وَقَوْلُهُ
[حاشية الرشيدي]
صَرَّحُوا بِهِ، فَمُرَادُهُ بِالْبُطْلَانِ مَا يَعُمُّ الْقَطْعَ (قَوْلُهُ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ) وَعِبَارَةُ التُّحْفَةِ بِغَيْرِ عُذْرٍ (قَوْلُهُ: مَعَ الْمَتْنِ أَوْ نَوَى بِوُضُوئِهِ مَا يُنْدَبُ إلَخْ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ عَامٌّ فِي جَمِيعِ النِّيَّاتِ فَيَشْمَلُ مَا لَوْ قَالَ نَوَيْت الْوُضُوءَ لِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ مَثَلًا،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute