للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَا لِغَيْرِهِ الْمَفْهُومِ بِالْأَوْلَى تَصَرُّفٌ فِيهِ بِمَا يَضُرُّ مُطْلَقًا فَيَحْرُمُ عَلَيْهِ (وَضْعُ الْجُذُوعِ) أَيْ الْأَخْشَابِ، وَضْعُ جِذْعٍ وَاحِدٍ (عَلَيْهِ بِغَيْرِ إذْنِ) مَالِكِهِ وَلَا ظَنِّ رِضَاهُ (فِي الْجَدِيدِ، وَلَا يُجْبَرُ الْمَالِكُ عَلَيْهِ) لِخَبَرِ «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ فِي الْإِسْلَامِ» وَخَبَرِ ابْنِ عَبَّاسٍ «لَا يَحِلُّ لِامْرِئٍ مِنْ مَالِ أَخِيهِ إلَّا مَا أَعْطَاهُ عَنْ طِيبِ نَفْسٍ» وَقِيَاسًا عَلَى سَائِرِ أَمْوَالِهِ وَأَمَّا خَبَرُ الصَّحِيحَيْنِ الَّذِي اسْتَدَلَّ بِظَاهِرِهِ الْقَدِيمُ الْقَائِلُ بِجَوَازِ الْوَضْعِ مِنْ غَيْرِ إذْنِهِ وَأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ مَنْعُهُ وَهُوَ «لَا يَمْنَعَنَّ أَحَدُكُمْ جَارَهُ أَنْ يَضَعَ خَشَبَهُ فِي جِدَارِهِ» .

فَأُجِيبُ عَنْهُ بِأَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى النَّدْبِ لِقُوَّةِ الْعُمُومَاتِ الْمُعَارِضَةِ لَهُ، وَيُؤَيِّدُهُ إعْرَاضُ مَنْ أَعْرَضَ فِي زَمَنِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَبِأَنَّ الضَّمِيرَ فِي جِدَارِهِ لِجَارِهِ لِقُرْبِهِ: أَيْ لَا يَمْنَعُهُ أَنْ يَضَعَ خَشَبَهُ فِي جِدَارِ نَفْسِهِ وَإِنْ تَضَرَّرَ بِهِ مِنْ جِهَةِ مَنْعِ الضَّوْءِ وَالْهَوَاءِ وَرُؤْيَةِ الْأَمَاكِنِ الْمُسْتَطْرَفَةِ وَنَحْوِهَا وَيَتَأَيَّدُ بِأَنَّهُ الْقِيَاسُ الْفِقْهِيُّ وَالْقَاعِدَةُ النَّحْوِيَّةُ فَإِنَّهُ أَقْرَبُ مِنْ الْأَوْلَى فَوَجَبَ عَوْدُ الضَّمِيرِ إلَيْهِ، وَلِلْقَدِيمِ شُرُوطٌ:

أَنْ لَا يَحْتَاجَ مَالِكُهُ إلَى وَضْعِ جُذُوعِهِ عَلَيْهِ، وَأَنْ لَا يَزِيدَ الْجَارُ فِي ارْتِفَاعِ الْجُدْرَانِ، وَلَا يَبْنِيَ عَلَيْهِ أَزَجًا، وَلَا يَضَعَ عَلَيْهِ مَا يَضُرُّهُ، وَأَنْ تَكُونَ الْأَرْضُ لَهُ نَصَّ عَلَيْهِ، وَأَنْ لَا يَمْلِكَ شَيْئًا مِنْ جُدْرَانِ الْبُقْعَةِ الَّتِي يُرِيدُ أَنْ يَسْقُفَهَا أَوْ لَا يَمْلِكَ إلَّا جِدَارًا وَاحِدًا وَلَا فَرْقَ عَلَى الْقَدِيمِ بَيْنَ أَنْ يَحْتَاجَ إلَى فَتْحِ شَيْءٍ فِي الْحَائِطِ لِتَدْخُلَ فِيهِ الْجُذُوعُ أَمْ لَا، صَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَغَيْرُهُمَا؛ لِأَنَّ رَأْسَ الْجِذْعِ يَسُدُّ الْمُنْفَتِحَ وَيُقَوِّيَ الْجِدَارَ، بِخِلَافِ فَتْحِ الْكَوَّةِ وَنَحْوِهَا فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ، وَقَوْلُهُ وَلَا يُجْبَرُ الْمَالِكُ مُفَرَّعٌ عَلَى الْجَدِيدِ كَمَا قَالَهُ الْمُنَكِّتُ مُجِيبَهَا بِهِ عَنْ قَوْلِ الْمُعْتَرِضِ: إنَّهُ يَفْهَمُ أَنَّهُ مَجْزُومٌ بِهِ، وَأَنَّ الْقَوْلَيْنِ إنَّمَا هُمَا فِي الْجَوَازِ ابْتِدَاءً وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَلَوْ حَذَفَهُ كَانَ أَوْلَى، وَفَرْضُ الْمُصَنِّفِ الْخِلَافَ فِي الْجِدَارِ بَيْنَ الْمَالِكَيْنِ قَدْ يُخْرِجُ السَّابَاطَ إذَا أَرَادَ بِنَاءَهُ عَلَى شَارِعٍ أَوْ دَرْبٍ غَيْرِ نَافِذٍ، وَأَنْ يَضَعَ طَرَفَ الْجُذُوعِ عَلَى حَائِطِ جَارِهِ الْمُقَابِلِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ إلَّا بِالرِّضَا قَطْعًا كَمَا قَالَهُ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ؛ لِأَنَّ هَذَا الْجِدَارَ لَيْسَ بَيْنَ مَالِكَيْنِ بَلْ بَيْنَ مَالِكٍ وَشَارِعٍ (فَلَوْ رَضِيَ) الْمَالِكُ بِوَضْعِ جُذُوعٍ أَوْ بِنَاءٍ عَلَى جِدَارِهِ (بِلَا عِوَضٍ) وَقُلْنَا بِعَدَمِ الْإِجْبَارِ (فَهُوَ إعَارَةٌ)

ــ

[حاشية الشبراملسي]

مَثَلًا (قَوْلُهُ: لِخَبَرِ «لَا ضَرَرَ» ) قَدَّمَهُ لِعُمُومِهِ

(قَوْلُهُ: مَالِ أَخِيهِ) هُوَ جَرَى عَلَى الْغَالِبِ وَإِلَّا فَالذِّمِّيُّ كَذَلِكَ

(قَوْلُهُ: عَنْ طِيبِ نَفْسٍ) رَوَاهُ الْحَاكِمُ بِإِسْنَادٍ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ فِي مُعْظَمِهِ، وَكُلٌّ مِنْهُمَا مُنْفَرِدًا فِي بَعْضِهِ.

أَقُولُ: الْمُرَادُ بِشَرْطِهِمَا الرِّجَالُ الَّذِينَ اتَّفَقَا فِي الرِّوَايَةِ عَنْهُمْ وَشَرْطُ الْبُخَارِيِّ مَنْ انْفَرَدَ بِالرِّوَايَةِ عَنْهُمْ عَنْ مُسْلِمٍ وَشَرْطُ مُسْلِمٍ مَنْ انْفَرَدَ بِالرِّوَايَةِ عَنْهُمْ عَنْ الْبُخَارِيِّ اهـ شَيْخُ الْإِسْلَامِ فِي شَرْحِ الْأَلْفِيَّةِ بِالْمَعْنَى فَلْيُرَاجَعْ وَأَمَّا مَنْ اُشْتُهِرَ مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ بِشَرْطِ الْبُخَارِيِّ مَا هُوَ مَعْرُوفٌ عَنْهُ مِنْ اللُّقَى وَالْمُعَاصَرَةِ وَبِشَرْطِ مُسْلِمٍ الْمُعَاصَرَةَ دُونَ اللُّقَى فَلَا تَصِحُّ إرَادَتُهُ هُنَا؛ لِأَنَّ شَرْطَهُمَا حِينَئِذٍ مُتَبَايِنَانِ فَيَفُوتُ قَوْلُهُمْ فِي بَعْضِ الْأَحَادِيثِ إنَّهُ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ وَبَعْضِهَا إنَّهُ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ وَبَعْضِهَا إنَّهُ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ (قَوْلُهُ وَهُوَ) أَيْ الْخَبَرُ

(قَوْلُهُ: أَنْ يَضَعَ خَشَبَهُ) رُوِيَ بِالْإِفْرَادِ وَمُنَوَّنًا، وَالْأَكْثَرُ بِالْجَمْعِ مُضَافًا اهـ مَحَلِّيٌّ

(قَوْلُهُ: مَنْ أَعْرَضَ) أَيْ عَنْ الْعَمَلِ بِهَذَا الْحَدِيثِ الْمُسْتَدِلِّ بِهِ الْقَدِيمُ

(قَوْلُهُ: إنْ تَضَرَّرَ بِهِ) أَيْ جَارُهُ

(قَوْلُهُ: الْمُسْتَطْرَفَةِ) بِالطَّاءِ الْمُهْمَلَةِ: أَيْ الْحَسَنَةِ، وَعِبَارَةُ الْمِصْبَاحِ: وَالطُّرْفَةُ مَا يُسْتَطْرَفُ: أَيْ مَا يُسْتَمْلَحُ، وَالْجَمْعُ طُرَفٌ مِثْلَ غُرْفَةٌ وَغُرَفٌ، وَأَطْرَفَ إطْرَافًا جَاءَ بِطُرْفَةٍ اهـ.

وَيَجُوزُ كَوْنُهُ بِالظَّاءِ الْمُعْجَمَةِ مِنْ الظُّرْفِ بِمَعْنَى الْحُسْنِ (قَوْلُهُ: وَيَتَأَيَّدُ) أَيْ قَوْلُهُ وَبِأَنَّ الضَّمِيرَ إلَخْ

(قَوْلُهُ: أَزَجًا) قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ الْبَيْتُ يُبْنَى طُولًا وَأَزَّجْتُهُ تَأْزِيجًا إذَا بَنَيْته كَذَلِكَ، وَيُقَالُ الْأَزَجُ السَّقْفُ وَسَيَأْتِي فِي كَلَامِ الشَّارِحِ أَنَّهُ يُطْلَقُ عَلَى كَيْفِيَّةِ السَّقْفِ وَالْمُرَادُ بِهَا الْعَقْدُ

(قَوْلُهُ: وَلَا يَضَعُ عَلَيْهِ مَا يَضُرُّهُ) هَذَا قَدْ يُغْنِي عَنْ قَوْلِهِ وَلَا يَبْنِي عَلَيْهِ أَزَجًا؛ لِأَنَّ وَجْهَ الْمَنْعِ مِنْ الْأَزَجِ ضَرَرُهُ

(قَوْلُهُ: وَأَنْ تَكُونَ الْأَرْضُ) أَيْ تَكُونَ الْأَرْضُ

ــ

[حاشية الرشيدي]

قَوْلُهُ: وَلِلْقَدِيمِ شُرُوطٌ إلَخْ) يَنْبَغِي أَنْ تُحَرَّرَ هَذِهِ الشُّرُوطُ فَإِنَّ فِي فَهْمِهَا صُعُوبَةً وَمُخَالَفَةً لِمَا فِي الْقُوتِ فَلْيُرَاجَعْ

<<  <  ج: ص:  >  >>