ذَلِكَ وَيَغْرَمَ أَرْشَ نَفْسِهِ) وَهُوَ مَا بَيْنَ قِيمَتِهِ قَائِمًا وَمَقْلُوعًا كَمَا فِي إعَارَةِ الْأَرْضِ لِلْبِنَاءِ، قَالَا: وَلَا تَجِيءُ الْخَصْلَةُ الثَّالِثَةُ وَهِيَ التَّمَلُّكُ بِالْقِيمَةِ؛ لِأَنَّ الْأَرْضَ أَصْلٌ فَجَازَ أَنْ يَسْتَتْبِعَ الْبِنَاءَ، وَالْجِدَارُ تَابِعٌ فَلَا يَسْتَتْبِعُ، كَذَا قَالَهُ الْبَغَوِيّ هُنَا، وَلَا يُخَالِفُ مَا ذُكِرَ هُنَا مَا يَأْتِي فِي الْعَارِيَّةِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ أَعَارَ الشَّرِيكُ حِصَّتَهُ مِنْ أَرْضِ الْبِنَاءِ ثُمَّ رَجَعَ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الْقَلْعِ مَعَ الْأَرْشِ لِمَا فِيهِ مِنْ إلْزَامِ الْمُسْتَعِيرِ تَفْرِيغَ مِلْكِهِ عَنْ مِلْكِهِ؛ لِأَنَّ الْمُطَالَبَةَ بِالْقَلْعِ هُنَا تَوَجَّهَتْ إلَى مَا هُوَ بِمِلْكِ الْمُعِيرِ بِجُمْلَتِهِ، وَإِزَالَةُ الطَّرَفِ عَنْ مِلْكِ الْمُسْتَعِيرِ جَاءَتْ بِطَرِيقِ اللَّازِمِ، بِخِلَافِ الْحِصَّةِ مِنْ الْأَرْضِ فَنَظِيرُ مَا هُنَاكَ إعَارَةُ الْجِدَارِ الْمُشْتَرَكِ (وَقِيلَ فَائِدَتُهُ طَلَبُ الْأُجْرَةِ فَقَطْ) فِي الْمُسْتَقْبَلِ؛ لِأَنَّ ضَرَرَ الْقَلْعِ يَتَعَدَّى إلَى خَالِصِ مِلْكِ الْمُسْتَعِيرِ؛ إذْ الْجُذُوعُ إذَا ارْتَفَعَتْ أَطْرَافُهَا عَنْ جِدَارٍ لَا تُسْتَمْلَكُ عَلَى الْجِدَارِ الْآخَرِ وَالضَّرَرُ لَا يُزَالُ بِالضَّرَرِ.
(وَلَوْ) (رَضِيَ بِوَضْعِ الْجُذُوعِ وَالْبِنَاءِ عَلَيْهَا بِعِوَضٍ) وَقُلْنَا بِمَنْعِ الْإِجْبَارِ (فَإِنْ) (أَجَّرَ رَأْسَ الْجِدَارِ لِلْبِنَاءِ) عَلَيْهِ (فَهُوَ إجَارَةٌ) كَسَائِرِ الْأَعْيَانِ الَّتِي تُسْتَأْجَرُ لِلْمَنَافِعِ لَكِنْ لَا يُشْتَرَطُ فِيهَا بَيَانُ الْمُدَّةِ؛ لِأَنَّهُ عَقْدٌ يَرِدُ عَلَى الْمَنْفَعَةِ وَتَدْعُو الْحَاجَةُ إلَى دَوَامِهِ فَلَمْ يُشْتَرَطْ فِيهِ التَّأْقِيتُ كَالنِّكَاحِ.
قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: نَعَمْ لَوْ كَانَتْ الدَّارُ وَقْفًا عَلَيْهِ مَثَلًا وَأَجَّرَهُ فَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ الْمُدَّةِ قَطْعًا، ذَكَرَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَاعْتَمَدَهُ الزَّرْكَشِيُّ لِامْتِنَاعِ شَائِبَةِ الْبَيْعِ فِيهِ (وَإِنْ قَالَ بِعْته لِلْبِنَاءِ عَلَيْهِ أَوْ بِعْت حَقَّ الْبِنَاءِ عَلَيْهِ فَالْأَصَحُّ أَنَّ هَذَا الْعَقْدَ فِيهِ شَوْبُ بَيْعٍ) لِكَوْنِهِ مُؤَبَّدًا (وَإِجَارَةٌ) ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَحَقَّ بِهِ مَنْفَعَةٌ فَقَطْ؛ إذْ لَا يَمْلِكُ الْمُشْتَرِي فِيهَا عَيْنًا، وَلَوْ كَانَ إجَارَةً مَحْضَةً لَاشْتُرِطَ تَأْقِيتُهَا أَوْ بَيْعًا مَحْضًا لَمَلَكَ رَأْسَ الْجِدَارِ صَاحِبُ الْجُذُوعِ.
وَالثَّانِي: أَنَّهُ إجَارَةٌ مَحْضَةٌ، وَاغْتُفِرَ فِيهَا التَّأْبِيدُ لِلْحَاجَةِ كَسَوَادِ الْعِرَاقِ، وَرُدَّ بِأَنَّهَا لَا تَنْفَسِخُ بِتَلَفِ الْجِدَارِ فَإِنَّهُ يَعُودُ حَقُّهُ بِإِعَادَةِ الْجِدَارِ وِفَاقًا.
وَالثَّالِثُ أَنَّهُ بَيْعٌ يَمْلِكُ بِهِ الْمُشْتَرِي رَأْسَ الْجِدَارِ، هَذَا إذَا لَمْ يُقَدِّرْ مُدَّةً، فَإِنْ قَدَّرَ انْعَقَدَ إجَارَةً قَطْعًا، قَالَهُ شَارِحُ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
الرُّجُوعُ عَنْهُ، وَيَجُوزُ فِي الْأُجْرَةِ أَنْ تُقَدَّرَ دَفْعَةً كَأَنْ يُقَالَ أُجْرَةُ مِثْلِ هَذَا غَيْرُ مُقَدَّرَةٍ بِمُدَّةِ كَذَا، وَأَنْ تُجْعَلَ مُقَسَّطَةً عَلَى الشُّهُورِ أَخْذًا مِمَّا يَأْتِي عَنْ بِرّ فِي أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ تُجْعَلَ الْأُجْرَةُ كُلَّ شَهْرٍ كَذَا كَمَا فِي الْخَرَاجِ (قَوْلُهُ: وَهُوَ مَا بَيْنَ قِيمَتِهِ قَائِمًا) أَيْ مُسْتَحِقِّ الْقَلْعِ لَا مَجَّانًا كَمَا ذَكَرَهُ فِي بَابِ الْعَارِيَّةِ
(قَوْلُهُ: وَلَا يُخَالِفُ مَا ذُكِرَ هُنَا) أَيْ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ أَوْ يُقْلَعُ وَيَغْرَمُ أَرْشَ نَقْصِهِ
(قَوْلُهُ: وَإِزَالَةُ الطَّرَفِ) أَيْ طَرَفِ الْجُذُوعِ
(قَوْلُهُ: إعَارَةُ الْجِدَارِ) أَيْ لَا الْمُخْتَصُّ بِهِ أَحَدُهُمَا.
(قَوْلُهُ: بَيَانُ الْمُدَّةِ) أَيْ وَلَا بَيَانُ تَقْدِيرِ أُجْرَةِ دَفْعِهِ فَيَكْفِي أَنْ يَقُولَ آجَرْتُك كُلَّ شَهْرٍ بِكَذَا، وَيُغْتَفَرُ الْغَرَرُ فِي الْإِجَارَةِ كَمَا اُغْتُفِرَ فِي الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَيَصِيرُ كَالْخَرَاجِ الْمَضْرُوبِ، قَالَهُ شَيْخُنَا بِرّ اهـ سم عَلَى مَنْهَجٍ. وَمِنْ ذَلِكَ الْأَحْكَارُ الْمَوْجُودَةُ بِمِصْرِنَا فَيُغْتَفَرُ الْغَرَرُ فِيهَا (قَوْلُهُ: وَقْفًا عَلَيْهِ مَثَلًا) كَمُوصَى لَهُ بِمَنْفَعَتِهَا وَمُسْتَأْجَرَةٍ
(قَوْلُهُ: فَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ الْمُدَّةِ) أَيْ وَبَعْدَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ يُخَيَّرُ الْآذِنُ بَيْنَ تَبْقِيَتِهِ بِالْأُجْرَةِ وَالْقَلْعِ مَعَ غَرَامَةِ أَرْشِ النَّقْصِ إنْ أُخْرِجَ مِنْ خَالِصِ مِلْكِهِ أَمَّا إنْ كَانَ مَا يَدْفَعُهُ مِنْ غَلَّةِ الْوَقْفِ فَلَا يَجُوزُ بَلْ يَتَعَيَّنُ التَّبْقِيَةُ بِالْأُجْرَةِ، وَكَذَا لَوْ انْتَقَلَ الْحَقُّ لِمَنْ بَعْدَ الْآذِنِ يَتَعَيَّنُ التَّبْقِيَةُ بِالْأُجْرَةِ
(قَوْلُهُ: انْعَقَدَ إجَارَةً) وَلَا يُنَافِيهِ قَوْلُهُ بِعْتُك؛ لِأَنَّهُ لَمَّا عَقَّبَهُ بِقَوْلِهِ: لِحَقِّ الْبِنَاءِ عَلَيْهِ دَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِهِ
ــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْمُطَالَبَةَ بِالْقَلْعِ هُنَا إلَخْ) كَانَ الْأَوْلَى تَأْخِيرَ هَذَا عَنْ الْقِيلِ الْآتِي بِتَعْلِيلِهِ؛ لِأَنَّهُ جَوَابٌ عَنْهُ
. (قَوْلُهُ: وَاعْتَمَدَهُ الزَّرْكَشِيُّ) إنَّمَا لَمْ يُضْمَرْ لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ رُجُوعُ الضَّمِيرِ لِلْقَاضِي. (قَوْلُهُ: لِامْتِنَاعِ شَائِبَةِ الْبَيْعِ) صَرِيحٌ فِي أَنَّ هَذِهِ الْإِجَارَةَ فِيهَا شَائِبَةُ بَيْعٍ وَإِنْ اقْتَضَتْ مُقَابَلَةُ الْمَتْنِ خِلَافَهُ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ كَانَ إجَارَةً مَحْضَةً لَاشْتُرِطَ تَأْقِيتُهَا) يَرُدُّ عَلَيْهِ أَنَّهُ فِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي قَبْلَ هَذِهِ إجَارَةٌ مَحْضَةٌ وَلَمْ يُشْتَرَطْ تَأْقِيتُهَا. (قَوْلُهُ: انْعَقَدَ إجَارَةً قَطْعًا) اعْلَمْ أَنَّ مَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الشَّارِحِ كَالشِّهَابِ حَجّ مِنْ الصِّحَّةِ بِلَفْظِ الْبَيْعِ غَيْرُ مُرَادٍ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ الشِّهَابُ سم، وَإِلَّا لَنَافَى مَا قَالُوهُ مِنْ أَنَّ الْإِجَارَةَ لَا تَصِحُّ بِلَفْظِ الْبَيْعِ، وَعِبَارَةُ شَرْحِ الرَّوْضِ: وَإِلَّا أَيْ: وَإِنْ أَقَّتَ بِوَقْتٍ فَلَا يَتَأَبَّدُ وَيَتَعَيَّنُ