للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَابْنٍ أَقَرَّ لَهَا بِدَيْنٍ عَلَى أَبِيهِ وَهِيَ مُصَدِّقَةٌ لَهُ ضَارَبَتْ بِسَبْعَةِ أَثْمَانِ الدَّيْنِ مَعَ أَصْحَابِ الدُّيُونِ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ صَدَرَ مِمَّنْ عِبَارَتُهُ نَافِذَةٌ فِي سَبْعَةِ أَثْمَانٍ فَعَمِلَتْ عِبَارَتُهُ فِيهَا كَعَمَلِ عِبَارَةِ الْجَائِزِ فِي الْكُلِّ، قَالَهُ الْبُلْقِينِيُّ.

وَلَوْ ادَّعَى إنْسَانٌ عَلَى الْوَارِثِ أَنَّ مُوَرِّثَهُ أَوْصَى لَهُ بِثُلُثِ مَالِهِ مَثَلًا وَآخَرُ بِأَنَّ لَهُ عَلَيْهِ دَيْنًا مُسْتَغْرِقًا وَصَدَّقَ الْوَارِثُ مُدَّعِيَ الْوَصِيَّةِ ثُمَّ مُدَّعِيَ الدَّيْنِ الْمُسْتَغْرِقِ أَوْ بِالْعَكْسِ أَوْ صَدَّقَهُمَا مَعًا قُدِّمَ الدَّيْنُ كَمَا لَوْ ثَبَتَا بِالْبَيِّنَةِ وَلَوْ أَقَرَّ الْمَرِيضُ لِإِنْسَانٍ بِدَيْنٍ وَلَوْ مُسْتَغْرِقًا ثُمَّ أَقَرَّ لِآخَرَ بِعَيْنٍ قُدِّمَ صَاحِبُهَا كَعَكْسِهِ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ بِالدَّيْنِ لَا يَتَضَمَّنُ حَجْرًا فِي الْعَيْنِ بِدَلِيلِ نُفُوذِ تَصَرُّفِهِ فِيهَا بِغَيْرِ تَبَرُّعٍ، وَلَوْ أَقَرَّ بِإِعْتَاقِ أَخِيهِ فِي الصِّحَّةِ عَتَقَ وَوَرِثَ إنْ لَمْ يَحْجُبْهُ غَيْرُهُ، أَوْ بِإِعْتَاقِ عَبْدٍ فِي الصِّحَّةِ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ لِتَرِكَتِهِ عَتَقَ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ إخْبَارٌ لَا تَبَرُّعٌ.

(وَلَا يَصِحُّ إقْرَارُ مُكْرَهٍ) بِمَا أُكْرِهَ عَلَيْهِ بِغَيْرِ حَقٍّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِلا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ} [النحل: ١٠٦] جَعَلَ الْإِكْرَاهَ مُسْقِطًا لِحُكْمِ الْكُفْرِ فَبِالْأَوْلَى مَا سِوَاهُ كَأَنْ ضُرِبَ لِيُقِرَّ أَمَّا مُكْرَهٌ عَلَى الصِّدْقِ كَأَنْ ضُرِبَ لِيَصْدُقَ فِي قَضِيَّةٍ اُتُّهِمَ فِيهَا فَيَصِحُّ حَالَ الضَّرْبِ وَبَعْدَهُ وَيَلْزَمُهُ مَا أَقَرَّ بِهِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُكْرَهٍ، إذْ الْمُكْرَهُ مَنْ أُكْرِهَ عَلَى شَيْءٍ وَاحِدٍ وَهَذَا إنَّمَا ضُرِبَ لِيَصْدُقَ، وَلَمْ يَنْحَصِرْ الصِّدْقُ فِي الْإِقْرَارِ لَكِنْ يُكْرَهُ إلْزَامُهُ حَتَّى يَرْجِعَ وَيُقِرَّ ثَانِيًا، وَاسْتَشْكَلَ الْمُصَنِّفُ قَبُولَ إقْرَارِهِ حَالَ الضَّرْبِ بِأَنَّهُ قَرِيبٌ مِنْ الْمُكْرَهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُكْرَهًا.

وَعَلَّلَهُ بِمَا مَرَّ ثُمَّ قَالَ: وَقَبُولُ إقْرَارِهِ بَعْدَ الضَّرْبِ فِيهِ نَظَرٌ إنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ إعَادَةُ الضَّرْبِ إنْ لَمْ يُقِرَّ وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ: الصَّوَابُ فِيمَا لَوْ ضُرِبَ لِيُقِرَّ بِالْحَقِّ وَيُرَادُ بِذَلِكَ الْإِقْرَارُ بِمَا ادَّعَاهُ خَصْمُهُ أَنَّهُ إكْرَاهٌ سَوَاءٌ أَقَرَّ فِي حَالِ ضَرْبِهِ أَمْ بَعْدَهُ وَعَلِمَ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يُقِرَّ بِذَلِكَ لَضُرِبَ ثَانِيًا، وَمَا ذَكَرَهُ ظَاهِرٌ جَلِيٌّ، وَلَوْ ادَّعَى أَنَّهُ بَاعَ كَذَا مُكْرَهًا لَمْ تُسْمَعْ دَعْوَى الْإِكْرَاهِ وَالشَّهَادَةِ بِهِ إلَّا مُفَصَّلَةً، وَإِذَا فَصَّلَا وَكَانَ أَقَرَّ فِي كِتَابِ التَّبَايُعِ بِالطَّوَاعِيَةِ لَمْ تُسْمَعْ دَعْوَاهُ حَتَّى تَقُومَ بَيِّنَةٌ بِأَنَّهُ أُكْرِهَ عَلَى الْإِقْرَارِ بِالطَّوَاعِيَةِ، قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فِي فَتَاوِيهِ.

وَإِذَا فَصَّلَ دَعْوَى الْإِكْرَاهِ صُدِّقَ فِيهَا إنْ ثَبَتَتْ قَرِينَةٌ تَدُلُّ عَلَيْهِ كَحَبْسٍ بِدَارِ ظَالِمٍ لَا عَلَى دَيْنٍ وَكَتَقْيِيدٍ وَتَوَكُّلٍ بِهِ. قَالَ الْقَفَّالُ: وَيُسَنُّ أَنْ لَا تَشْهَدَ حَيْثُ دَلَّتْ قَرِينَةٌ عَلَى الْإِكْرَاهِ، فَإِنْ شَهِدَتْ كَتَبَ صُورَةَ الْحَالِ لِيَنْتَفِعَ الْمُكْرَهُ بِذِكْرِ الْقَرِينَةِ، وَأَخَذَ السُّبْكِيُّ مِنْ كَلَامِ الْجُرْجَانِيِّ حُرْمَةَ الشَّهَادَةِ عَلَى مُقَيَّدٍ أَوْ مَحْبُوسٍ، وَبِهِ جَزَمَ الْعَلَائِيُّ.

ثُمَّ شَرَعَ فِي الرُّكْنِ الثَّانِي فَقَالَ (وَيُشْتَرَطُ فِي الْمُقَرِّ لَهُ) تَعْيِينُهُ

ــ

[حاشية الشبراملسي]

وَدِيعَةً مَثَلًا وَغُصِبَتْ فِي حَيَاةِ الْمُوَرِّثِ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُ الْوَارِثَ إعْطَاءُ بَدَلِهَا مِنْ التَّرِكَةِ (قَوْلُهُ: ضَارَبَتْ بِسَبْعَةِ أَثْمَانِ الدَّيْنِ) أَيْ دُونَ مَا يَسْتَحِقُّهُ مِنْ ثُمَّ الدَّيْنُ فَلَا يُضَارَبُ بِهِ لِعَدَمِ صِحَّةِ إقْرَارِ غَيْرِهَا بِالنِّسْبَةِ لَهُ، وَهِيَ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهَا فِيهِ بِمُجَرَّدِهِ عَلَى الْغُرَمَاءِ فَتُوَفَّى الدُّيُونُ مَعَ السَّبْعَةِ أَثْمَانِ الْمَذْكُورَةِ مِنْ التَّرِكَةِ، فَإِنْ بَقِيَ شَيْءٌ قُسِمَ عَلَى الْوَرَثَةِ فَمَا يَخُصُّهَا مِنْ بَاقِي الثُّمُنِ الَّذِي كَانَتْ تَأْخُذُهُ لَوْلَا الدُّيُونُ يُؤَاخَذُ بِهِ الْمُقِرُّ حَيْثُ كَانَ جَائِزًا كَمَا هُوَ الْغَرَضُ فَيَدْفَعُ لِلزَّوْجَةِ إنْ بَقِيَ بَعْدَ الدُّيُونِ مَا بَقِيَ بِهِ (قَوْلُهُ: كَعَكْسِهِ) أَيْ كَمَا لَوْ أَقَرَّ بِعَيْنٍ لِشَخْصٍ ثُمَّ بِدَيْنٍ لِآخَرَ (قَوْلُهُ: وَلَوْ أَقَرَّ) أَيْ فِي الْمَرَضِ وَقَوْلُهُ إنْ لَمْ يَحْجُبْهُ غَيْرُهُ أَيْ بِأَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ يَحْجُبُ الْأَخَ كَالِابْنِ، وَقَوْلُهُ عَتَقَ: أَيْ وَبَقِيَ الدَّيْنُ فِي ذِمَّتِهِ.

(قَوْلُهُ: بِغَيْرِ حَقٍّ) أَيْ أَمَّا بِحَقٍّ كَأَنْ أَقَرَّ بِشَيْءٍ مَجْهُولٍ وَلَمْ يُبَيِّنْهُ وَطُولِبَ بِبَيَانِهِ فَامْتَنَعَ فَأُكْرِهَ عَلَى بَيَانِهِ فَيَصِحُّ (قَوْلُهُ: كَأَنْ ضُرِبَ لَيَصْدُقَ) وَظَاهِرٌ جِدًّا أَنَّ الضَّرْبَ حَرَامٌ فِي الشِّقَّيْنِ خِلَافًا لِمَنْ تَوَهَّمَ حِلَّهُ إذَا ضُرِبَ لِيَصْدُق وَظَاهِرُهُ وَإِنْ كَانَ الضَّرْبُ خَفِيفًا وَهُوَ ظَاهِرٌ (قَوْلُهُ: وَعَلَّلَهُ) أَيْ وَعَلَّلَ كَوْنَهُ قَرِيبًا مِنْ الْمُكْرَهِ لَا مُكْرَهًا، وَقَوْلُهُ بِمَا مَرَّ: أَيْ فِي قَوْلِهِ إذْ الْمُكْرَهُ مَنْ أُكْرِهَ عَلَى شَيْءٍ وَاحِدٍ (قَوْلُهُ: أَمْ بَعْدَهُ) أَيْ وَسَوَاءٌ كَانَ الضَّارِبُ لَهُ حَاكِمَ الشَّرْعِ أَمْ السِّيَاسَةِ أَمْ غَيْرِهِمَا كَمَشَايِخِ الْعَرَبِ (قَوْلُهُ: وَمَا ذَكَرَهُ) أَيْ الأذرعي وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَقَوْلُهُ وَأَخَذَ السُّبْكِيُّ إلَخْ مُعْتَمَدٌ أَيْضًا (قَوْلُهُ أَوْ مَحْبُوسٌ) عَلَى الْإِقْرَارِ مِنْ مُقَيَّدٍ أَوْ مَحْبُوسٍ حَالَ إقْرَارِهِ (قَوْلُهُ: وَبِهِ جَزَمَ الْعَلَائِيُّ) فَقَالَ: إنْ ظَهَرَتْ قَرَائِنُ

ــ

[حاشية الرشيدي]

قَوْلُهُ: وَعَلَّلَهُ بِمَا مَرَّ) أَيْ عَلَّلَ كَوْنَهُ غَيْرَ مُكْرَهٍ بِمَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ الْمُكْرَهُ مَنْ أُكْرِهَ إلَخْ كَمَا يُعْلَمُ بِمُرَاجَعَةِ كَلَامِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>