فَغَرِقَتْ بِحَلِّهِ ضَمِنَهَا أَوْ بِعَارِضِ رِيحٍ أَوْ نَحْوِهِ فَلَا لِمَا مَرَّ، فَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ حَادِثٌ فَوَجْهَانِ أَوْجَهُهُمَا كَمَا أَفَادَهُ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - الضَّمَانُ، إذْ الْمَاءُ أَحَدُ الْمُتْلِفَاتِ وَحَلُّ رِبَاطِهَا وَلَا رِيحَ فِي اللُّجَّةِ سَبَبٌ ظَاهِرٌ فِي إحَالَةِ الْغَرَقِ عَلَى الْفِعْلِ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ فَتَحَ قَفَصًا عَنْ طَائِرٍ وَطَارَ فِي الْحَالِ، بِخِلَافِ الزِّقِّ فَلَيْسَ فَتْحُهُ سَبَبًا ظَاهِرًا لِسُقُوطِهِ خِلَافًا لِلزَّرْكَشِيِّ وَمَنْ تَبِعَهُ.
(وَلَوْ) (فَتَحَ قَفَصًا عَنْ طَائِرٍ) أَيِّ طَيْرٍ، فَقَدْ قَالَ جُمْهُورُ اللُّغَوِيِّينَ إنَّ الطَّائِرَ مُفْرَدٌ وَالطَّيْرَ جَمْعُهُ فَانْدَفَعَ قَوْلُ مَنْ قَالَ إنَّ الْأَوْلَى طَيْرٌ لَا طَائِرٌ لِأَنَّهُ فِي الْقَفَصِ لَا يَطِيرُ (وَهَيَّجَهُ فَطَارَ) حَالًا (ضَمِنَ) هـ بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّ إلْجَاءَهُ إلَى الْفِرَارِ كَإِكْرَاهِ الْآدَمِيِّ (وَإِنْ اقْتَصَرَ عَلَى الْفَتْحِ فَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ إنْ طَارَ فِي الْحَالِ) أَوْ كَانَ آخِرُ الْقَفَصِ مَفْتُوحًا فَمَشَى عَقِبَ الْفَتْحِ قَلِيلًا قَلِيلًا حَتَّى طَارَ كَمَا قَالَهُ الْقَاضِي، قَالَ أَوْ كَانَ الْقَفَصُ مَفْتُوحًا فَمَشَى إنْسَانٌ عَلَى بَابِهِ فَفَزِعَ الطَّائِرُ وَخَرَجَ، أَوْ وَثَبَتَ هِرَّةٌ عَقِبَ الْفَتْحِ فَقَتَلَتْهُ وَهُوَ مُقَيَّدٌ كَمَا قَالَهُ السُّبْكِيُّ بِمَا إذَا عَلِمَ بِحُضُورِهَا حِينَ الْفَتْحِ وَإِلَّا كَانَتْ كَرِيحٍ طَرَأَتْ بَعْدَهُ (ضَمِنَ) هـ لِإِشْعَارِهِ بِتَنْفِيرِهِ، وَمَحَلُّ قَوْلِهِمْ تَقَدُّمُ الْمُبَاشَرَةِ عَلَى السَّبَبِ مَا لَمْ يَكُنْ السَّبَبُ مُلْجِئًا؛ وَالثَّانِي يَضْمَنُهُ مُطْلَقًا لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَفْتَحْ لَمْ يَطِرْ، وَالثَّالِثُ لَا يَضْمَنُ مُطْلَقًا لِأَنَّ لَهُ قَصْدًا وَاخْتِيَارًا (وَإِنْ وَقَفَ ثُمَّ طَارَ فَلَا) يَضْمَنُهُ لِأَنَّ طَيَرَانَهُ بَعْدَ الْوُقُوفِ يُشْعِرُ بِاخْتِيَارِهِ، وَيَجْرِي ذَلِكَ فِيمَا لَوْ حَلَّ رِبَاطَ بَهِيمَةٍ أَوْ فَتَحَ الْبَابَ فَخَرَجَتْ، وَمِثْلُهَا قِنٌّ غَيْرُ مُمَيِّزٍ وَمَجْنُونٌ لَا عَاقِلٌ وَلَوْ آبِقًا لِأَنَّهُ صَحِيحُ الِاخْتِيَارِ فَخُرُوجُهُ عَقِبَ مَا ذَكَرَ يُحَالُ عَلَيْهِ، وَأَلْحَقَ جَمْعٌ بِفَتْحِ الْقَفَصِ مَا لَوْ كَانَ بِيَدِ صَبِيٍّ أَوْ مَجْنُونٍ طَائِرٌ فَأَمَرَهُ إنْسَانٌ بِإِطْلَاقِهِ مِنْ يَدِهِ.
قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَهَذَا حَيْثُ لَا تَمْيِيزَ وَإِلَّا فَفِيهِ نَظَرٌ، إذْ عَمْدُ الْمُمَيِّزِ عَمْدٌ وَمِثْلُ غَيْرِ الْمُمَيِّزِ مَنْ يَرَى طَاعَةَ أَمْرِهِ، وَلَوْ حَلَّ رِبَاطًا عَنْ عَلَفٍ فِي وِعَاءٍ فَأَكَلَتْهُ فِي الْحَالِ بَهِيمَةٌ ضَمِنَ، وَلَا يُنَافِيهِ تَصْرِيحُ الْمَاوَرْدِيِّ بِأَنَّهُ لَوْ حَلَّ رِبَاطَ بَهِيمَةٍ فَأَكَلَتْ عَلَفًا أَوْ كَسَرَتْ إنَاءً لَمْ يَضْمَنْ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
عَلَى وَلَدِ الشَّاةِ تَغْلِيبٌ فَإِنَّ الْفَرْخَ وَلَدُ الطَّائِرِ وَالْأُنْثَى فَرْخَةٌ كَمَا فِي مُخْتَارِ الصِّحَاحِ (قَوْلُهُ: لِمَا مَرَّ) أَيْ مِنْ أَنَّ التَّلَفَ لَمْ يَحْصُلْ بِفِعْلِهِ مَعَ عَدَمِ تَحَقُّقِ هُبُوبِهَا (قَوْلُهُ: فَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ حَادِثٌ) أَيْ يُحَالُ عَلَيْهِ الْغَرَقُ (قَوْلُهُ: فَلَيْسَ فَتْحُهُ سَبَبًا إلَخْ) أَيْ فَلَوْ شَكَّ بَعْدَ خُرُوجِ مَا فِيهِ فِي أَنَّ الْخُرُوجَ بِسَبَبِ الْفَتْحِ أَوْ عُرُوضِ حَادِثٍ فَلَا ضَمَانَ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ، وَقَدْ يُقَالُ بِالضَّمَانِ لِأَنَّ فَتْحَ رَأْسِ الزِّقِّ سَبَبٌ ظَاهِرٌ فِي تَرَتُّبِ خُرُوجِ مَا فِيهِ عَلَى الْفَتْحِ. وَالْأَصْلُ عَدَمُ عُرُوضِ الْحَادِثُ.
(قَوْلُهُ: وَالطَّيْرُ جَمْعُهُ) وَقِيلَ الطَّيْرُ اسْمُ جِنْسٍ يَقَعُ عَلَى الْوَاحِدِ وَالْجَمْعِ. وَقِيلَ اسْمُ جَمْعٍ لَا يُطْلَقُ عَلَى الْوَاحِدِ، وَعِبَارَةُ الْمِصْبَاحِ: الطَّائِرُ عَلَى صِيغَةِ اسْمِ فَاعِلٍ مِنْ طَارَ يَطِيرُ طَيَرَانًا وَهُوَ لَهُ فِي الْجَوِّ كَمَشْيِ الْحَيَوَانِ فِي الْأَرْضِ، وَيُعَدَّى بِالْهَمْزَةِ وَالتَّضْعِيفِ فَيُقَالُ طَيَّرْتُهُ وَأَطَرْتُهُ، وَجَمْعُ الطَّائِرِ طَيْرٌ مِثْلُ صَاحِبٍ وَصَحْبٍ وَرَاكِبٍ وَرَكْبٍ، وَجَمْعُ الطَّيْرِ طُيُورٌ وَأَطْيَارٌ. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ وَقُطْرُبٌ: وَيَقَعُ الطَّيْرُ عَلَى الْوَاحِدِ وَالْجَمْعِ، وَقَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ: الطَّيْرُ جَمَاعَةٌ وَتَأْنِيثُهَا أَكْثَرُ مِنْ التَّذْكِيرِ، وَلَا يُقَالُ لِلْوَاحِدِ طَيْرٌ بَلْ طَائِرٌ قَلَّمَا مَا يُقَالُ لِلْأُنْثَى طَائِرَةٌ اهـ (قَوْلُهُ: وَهَيَّجَهُ فَطَارَ) قَالَ فِي الرَّوْضِ: أَوْ طَارَ فَصَدَمَهُ جِدَارٌ أَوْ كَسَرَ قَارُورَةَ الْقَفَصِ ضَمِنَ اهـ سم عَلَى مَنْهَجٍ (قَوْلُهُ: بِمَا إذَا عَلِمَ بِحُضُورِهَا) قَالَ حَجّ: وَيَتَّجِهُ أَنَّ عِلْمَهُ بِوُجُودِ نَحْوِ هِرَّةٍ ضَارِيَةٍ بِذَلِكَ الْمَكَانِ غَالِبًا كَحُضُورِهَا حَالَ الْفَتْحِ (قَوْلُهُ: فِيمَا لَوْ حَلَّ رِبَاطَ) أَيْ أَوْ حَلَّ قَيْدَهَا اهـ مَتْنُ الرَّوْضِ (قَوْلُهُ: وَمِثْلُهَا قِنٌّ) أَيْ فِي فَتْحِ الْبَابِ وَحَلِّ الْقَيْدِ (قَوْلُهُ: يُحَالُ عَلَيْهِ) أَيْ فَلَوْ اخْتَلَفَ الْمَالِكُ وَالْفَاتِحُ فِي أَنَّهُ خَرَجَ عَقِبَ الْفَتْحِ أَوْ تَرَاخَى عَنْهُ فَيَنْبَغِي تَصْدِيقُ الْفَاتِحِ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الضَّمَانِ (قَوْلُهُ: قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَهَذَا إلَخْ) مُعْتَمَدٌ (قَوْلُهُ بِأَنَّهُ لَوْ حَلَّ رِبَاطَ بَهِيمَةٍ) أَيْ لِغَيْرِهِ، وَلَعَلَّ عَدَمَ الضَّمَانِ هُنَا مَعَ ضَمَانِ
[حاشية الرشيدي]
(قَوْلُهُ: بِخِلَافِ الزِّقِّ فَلَيْسَ فَتْحُهُ سَبَبًا إلَخْ) أَيْ: وَالصُّورَةُ فِيهِ أَنَّهُ شَكَّ فِي مُسْقِطِهِ كَمَا هُوَ قَضِيَّةُ الْمُقَايَسَةِ وَإِنْ لَمْ يَتَقَدَّمْ هَذَا فِي كَلَامِهِ، وَالْقَوْلُ بِعَدَمِ ضَمَانِ الزِّقِّ حِينَئِذٍ نَقَلَهُ فِي التُّحْفَةِ عَنْ الشَّامِلِ وَالْبَحْرِ
(قَوْلُهُ: إنَّ الطَّائِرَ مُفْرَدٌ، وَالطَّيْرُ جَمْعُهُ) يُقَالُ عَلَيْهِ وَحِينَئِذٍ فَلَا يَصِحُّ تَفْسِيرُهُ بِهِ كَمَا صَنَعَ، فَلَوْ قَالَ بَدَلَ التَّفْسِيرِ مُفْرَدُ طَيْرٍ لَصَحَّ. (قَوْلُهُ: وَالثَّانِي يَضْمَنُهُ مُطْلَقًا إلَخْ)
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute