سَوَاءٌ اتَّصَلَ ذَلِكَ بِالْحَلِّ أَمْ لَا، لِأَنَّ انْتِفَاءَ الضَّمَانِ فِي تِلْكَ لِعَدَمِ تَصَرُّفِهِ فِي التَّالِفِ بَلْ الْمُتْلَفُ عَكْسُ مَا هُنَا، وَلَوْ خَرَجَتْ الْبَهِيمَةُ عَقِبَ فَتْحِ الْبَابِ لَيْلًا فَأَتْلَفَتْ زَرْعًا أَوْ غَيْرَهُ لَمْ يَضْمَنْهُ الْفَاتِحُ كَمَا جَزَمَ بِهِ ابْنُ الْمُقْرِي، وَإِنْ جَزَمَ فِي الْأَنْوَارِ بِخِلَافِهِ إذْ لَا يَلْزَمُهُ حِفْظُ بَهِيمَةِ غَيْرِهِ عَنْ ذَلِكَ، وَلَوْ وَقَفَ عَلَى جِدَارِهِ طَائِرٌ فَنَفَّرَهُ لَمْ يَضْمَنْهُ لِأَنَّ لَهُ مَنْعَهُ مِنْ جِدَارِهِ، وَإِنْ رَمَاهُ فِي الْهَوَاءِ وَلَوْ فِي هَوَاءِ دَارِهِ فَقَتَلَهُ ضَمِنَهُ إذْ لَيْسَ لَهُ مَنْعُهُ مِنْ هَوَاءِ دَارِهِ، وَلَوْ فَتَحَ حِرْزًا فَأَخَذَ غَيْرُهُ مَا فِيهِ أَوْ دَلَّ عَلَيْهِ اللُّصُوصَ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ لِعَدَمِ ثُبُوتِ يَدِهِ عَلَى الْمَالِ وَتَسَبُّبُهُ بِالْفَتْحِ فِي الْأَوْلَى قَدْ انْقَطَعَ بِالْمُبَاشَرَةِ. نَعَمْ لَوْ أَخَذَ غَيْرُهُ بِأَمْرِهِ وَهُوَ غَيْرُ مُمَيِّزٍ أَوْ أَعْجَمِيٌّ يَرَى طَاعَةَ أَمْرِهِ ضَمِنَهُ دُونَ الْآخِذِ، وَلَوْ بَنَى دَارًا فَأَلْقَتْ الرِّيحُ فِيهَا ثَوْبًا وَضَاعَ لَمْ يَضْمَنْهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْتَوْلِ عَلَيْهِ.
(وَالْأَيْدِي الْمُتَرَتِّبَةُ) بِغَيْرِ تَزَوُّجٍ (عَلَى يَدِ الْغَاصِبِ) الضَّامِنِ وَإِنْ كَانَتْ فِي أَصْلِهَا أَمَانَةً كَوَكَالَةٍ بِأَنْ وَكَّلَهُ فِي الرَّدِّ الْوَدِيعَةٍ (أَيْدِي ضَمَانٍ وَإِنْ جَهِلَ صَاحِبُهَا الْغَصْبَ) لِوَضْعِ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
صَاحِبِهَا إذَا أَرْسَلَهَا فِي وَقْتٍ جَرَتْ فِيهِ الْعَادَةُ بِحِفْظِهَا فِيهِ أَنَّ الْمُطْلِقَ لَهَا هُنَا لَا يَدُلُّهُ عَلَيْهَا، وَلَا اسْتِيلَاءَ حَتَّى يَضْمَنَ مَا تَوَلَّدَ مِنْ فِعْلِهَا، بِخِلَافِ الْمَالِكِ فَإِنَّ عَلَيْهِ حِفْظَ مَا فِي يَدِهِ فَإِرْسَالُهُ لَهَا تَقْصِيرٌ، وَيُؤْخَذُ مِمَّا ذَكَرَ فِي إتْلَافِ الدَّوَابِّ أَنَّ الْكَلَامَ فِيمَا لَوْ جَرَتْ الْعَادَةُ بِحِفْظِ الْمَالِكِ لِدَابَّتِهِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ جَرَتْ بِعَدَمِ حِفْظِهَا وَإِرْسَالِهَا لَيْلًا وَنَهَارًا فَلَا ضَمَانَ لِمُتْلِفِ مَا أَرْسَلَهُ لِعَدَمِ تَقْصِيرِهِ، وَمِنْ ذَلِكَ الْإِوَزُّ إذَا كَانَ فِي بَلْدَةٍ جَرَتْ عَادَةُ أَهْلِهَا بِأَنَّهُمْ لَا يَحْفَظُونَهُ، فَإِذَا خَرَجَ مِنْ دُورِ أَهْلِهِ عَلَى عَادَتِهِمْ وَأَتْلَفَ زَرْعًا لَا يَضْمَنُهُ مَالِكُ الْإِوَزِّ لِأَنَّ صَاحِبَ الزَّرْعِ مُقَصِّرٌ بِعَدَمِ حِرَاسَتِهِ وَمَنْعِ الْإِوَزِّ عَنْهُ (قَوْلُهُ: بَلْ فِي الْمُتْلَفِ عَكْسُ مَا هُنَا) قَدْ يُشْكِلُ عَلَيْهِ مَا قَدَّمْنَاهُ فِيمَا لَوْ فَتَحَ قَفَصًا عَنْ طَائِرٍ فَخَرَجَ وَكَسَرَ فِي خُرُوجِهِ قَارُورَةً، ثُمَّ رَأَيْت فِي سم عَلَى مَنْهَجٍ بَعْدُ مِثْلَ مَا ذَكَرَ: إلَّا أَنْ يُقَالَ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا فِي الْحَقِيقَةِ لِأَنَّ التَّلَفَ حَيْثُ كَانَ مِنْ ضَرُورَةِ الْحَلِّ أَوْ الْفَتْحِ عَادَةً ضَمِنَ وَإِلَّا فَلَا اهـ مُلَخَّصًا. وَفِيهِ أَنَّهُ لَا يُوَافِقُ مَا فَرَّقَ بِهِ الشَّارِحُ هُنَا مِنْ أَنَّ التَّصَرُّفَ فِي التَّالِفِ لَا فِي الْمُتْلَفِ، إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّ كَسْرَ الطَّائِرِ لِنَحْوِ الْقَارُورَةِ فِي خُرُوجِهِ يُعَدُّ مِنْ فِعْلِ الْمُتْلِفِ لِنِسْبَةِ الْخُرُوجِ الَّذِي حَصَلَ بِهِ التَّلَفُ لِلْفَاتِحِ، وَلَا كَذَلِكَ أَكْلُ الدَّابَّةِ لِلْعَلَفِ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِالْخُرُوجِ بَلْ بِأَمْرٍ حَصَلَ بَعْدَ الْخُرُوجِ وَهُوَ قَرِيبٌ (قَوْلُهُ: لَمْ يَضْمَنْهُ الْفَاتِحُ) أَيْ وَلَا صَاحِبُ الْبَهِيمَةِ أَيْضًا لِعَدَمِ تَقْصِيرِهِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ لَهُ مَنْعَهُ مِنْ جِدَارِهِ) أَيْ فَلَوْ اعْتَادَ الطَّائِرُ النُّزُولَ عَلَى جِدَارِ غَيْرِهِ وَشَقَّ مَنْعُهُ كُلِّفَ صَاحِبُهُ مَنْعَهُ بِحَبْسِهِ أَوْ قَصِّ جَنَاحٍ لَهُ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ يَتَوَلَّدْ مِنْ الطَّائِرِ ضَرَرٌ بِجُلُوسِهِ عَلَى الْجِدَارِ لِأَنَّ مِنْ شَأْنِ الطَّيْرِ تَوَلُّدُ النَّجَاسَةِ مِنْهُ بِرَوْثِهِ، وَيَتَرَتَّبُ عَلَى جُلُوسِهِ مَنْعُ صَاحِبِ الْجِدَارِ مِنْهُ لَوْ أَرَادَ الِانْتِفَاعَ بِهِ (قَوْلُهُ: وَلَوْ بَنَى دَارًا) هُوَ مُجَرَّدُ تَصْوِيرٍ وَإِلَّا فَالْحُكْمُ كَذَلِكَ فِي كُلِّ دَارٍ فِي يَدِهِ (قَوْلُهُ: لَمْ يَضْمَنْهُ) أَيْ حَيْثُ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ إعْلَامِ صَاحِبِهِ وَلَمْ يُعْلِمْهُ وَإِلَّا ضَمِنَ.
(قَوْلُهُ: وَإِنْ جَهِلَ صَاحِبُهَا الْغَصْبَ) أَيْ أَوْ أُكْرِهَ عَلَى الِاسْتِيلَاءِ عَلَى الْمَغْصُوبِ، فَإِذَا تَلِفَ فِي يَدِهِ كَانَ طَرِيقًا فِي الضَّمَانِ، وَقَرَارُ
[حاشية الرشيدي]
كَانَ الْأَوْلَى تَأْخِيرَ حِكَايَةِ الْقَوْلَيْنِ عَنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَإِنْ وَقَفَ ثُمَّ طَارَ فَلَا (قَوْلُهُ: فِي تِلْكَ) يَعْنِي فِي مَسْأَلَةِ الْمَاوَرْدِيِّ وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ فِي هَذِهِ وَيَقُولَ فِيمَا يَأْتِي عَكْسَ مَا هُنَاكَ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ جَزَمَ فِي الْأَنْوَارِ بِخِلَافِهِ) الَّذِي فِي الْأَنْوَارِ وَنَقَلَهُ عَنْهُ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ فَهُوَ مُوَافِقٌ لِابْنِ الْمُقْرِي لَا مُخَالِفٌ لَهُ (قَوْلُهُ: فَنَفَّرَهُ لَمْ يَضْمَنْهُ) هَلْ الْمُرَادُ أَنَّهُ إذَا نَفَّرَهُ فَتَلِفَ بَعْدَ التَّنْفِيرِ بِحَادِثٍ أَوْ أَنَّهُ أَتْلَفَهُ بِتَنْفِيرِهِ كَأَنْ رَمَاهُ بِمَا يَقْتُلُهُ فَإِنْ كَانَ الثَّانِيَ فَهَلْ هُوَ كَذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ يَنْدَفِعُ بِأَخَفَّ مِمَّا رَمَاهُ بِهِ يُرَاجَعُ.
(قَوْلُهُ: وَلَوْ بَنَى دَارًا) الْبِنَاءُ لَيْسَ بِقَيْدٍ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ (قَوْلُهُ: فَأَلْقَتْ الرِّيحُ فِيهَا ثَوْبًا وَضَاعَ لَمْ يَضْمَنْهُ) أَيْ إذَا لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ إعْلَامِ صَاحِبِهِ حَتَّى لَا يُنَافِيَ مَا سَيَأْتِي فِي بَابِ الْوَدِيعَةِ، وَقَدْ قَيَّدَ بِذَلِكَ هُنَا فِي الْأَنْوَارِ
(قَوْلُهُ: الضَّامِنِ) أَخْرَجَ بِهِ مَا لَوْ كَانَ غَاصِبًا الِاخْتِصَاصَ فَلَا يَتَأَتَّى فِيهِ مَا سَيَأْتِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute