الْغَاصِبُ إذْ الْأَصْلُ بَرَاءَةُ ذِمَّتِهِ مِمَّا يَزِيدُ عَلَى تِلْكَ الصِّفَةِ، وَمَا قِيلَ مِنْ عَدَمِ تَقْيِيدِ ذَلِكَ بِرَدِّ الْمَغْصُوبِ إذْ لَوْ تَلِفَ فَالْحُكْمُ كَذَلِكَ أَخْذًا مِنْ التَّعْلِيلِ الْمَذْكُورِ وَمِنْ مَسْأَلَةِ الطَّعَامِ الْآتِيَةِ رُدَّ بِأَنَّ الْغَاصِبَ فِي التَّلَفِ قَدْ لَزِمَهُ الْغُرْمُ فَضَعُفَ جَانِبُهُ بِخِلَافِهِ بَعْدَ الرَّدِّ، وَلَوْ غَصَبَ ثَوْبًا ثُمَّ أَحْضَرَ لِلْمَالِكِ ذَلِكَ وَقَالَ هَذَا الَّذِي غَصَبْته مِنْك وَقَالَ الْمَالِكُ بَلْ غَيْرُهُ جُعِلَ الْمَغْصُوبُ كَالتَّالِفِ عَلَى مَا اعْتَمَدَهُ الْبُلْقِينِيُّ فَيَلْزَمُ الْغَاصِبَ الْقِيمَةُ، فَإِذَا قَالَ الْمَالِكُ غَصَبْت مِنِّي ثَوْبًا قِيمَتُهُ عَشَرَةٌ وَقَالَ الْغَاصِبُ هُوَ هَذَا الثَّوْبُ وَقِيمَتُهُ خَمْسَةٌ لَزِمَ الْغَاصِبَ لِلْمَالِكِ خَمْسَةٌ، هَذَا. وَالْأَوْجَهُ أَنَّهُ مُقِرٌّ بِثَوْبٍ لِمَنْ يُنْكِرُهُ فَيَبْقَى فِي يَدِ الْمُقِرِّ وَيَحْلِفُ أَنَّهُ لَمْ يَأْخُذْ سِوَاهُ.
(وَلَوْ) (رَدَّهُ) أَيْ الْمَغْصُوبَ (نَاقِصَ الْقِيمَةِ) بِسَبَبِ الرُّخْصِ (لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ) لِبَقَائِهِ بِحَالِهِ وَالْفَائِتُ رَغَبَاتُ النَّاسِ (وَلَوْ) (غَصَبَ ثَوْبًا) مَثَلًا (قِيمَتُهُ عَشَرَةٌ) مَثَلًا (فَصَارَتْ بِالرُّخْصِ دِرْهَمًا ثُمَّ لَبِسَهُ) مَثَلًا (فَأَبْلَاهُ فَصَارَتْ نِصْفَ دِرْهَمٍ فَرَدَّهُ) (لَزِمَهُ خَمْسَةٌ وَهِيَ قِسْطُ التَّالِفِ مِنْ أَقْصَى الْقِيَمِ) لِأَنَّ النَّاقِصَ بِاللُّبْسِ نِصْفُ الثَّوْبِ فَيَلْزَمُهُ قِيمَتُهُ أَكْثَرَ مَا كَانَتْ مِنْ الْغَصْبِ إلَى التَّلَفِ، وَهُوَ فِي الْمِثَالِ الْمَذْكُورِ خَمْسَةٌ وَالنُّقْصَانُ الْبَاقِي وَهُوَ أَرْبَعَةٌ وَنِصْفٌ سَبَبُهُ الرُّخْصُ وَهُوَ غَيْرُ مَضْمُونٍ، وَيَجِبُ مَعَ الْخَمْسَةِ أُجْرَةُ اللُّبْسِ كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ، وَلَوْ عَادَتْ الْعَشَرَةُ بِاللُّبْسِ إلَى خَمْسَةٍ ثُمَّ بِالْغَلَاءِ إلَى عِشْرِينَ لَزِمَهُ رَدُّ خَمْسَةٍ فَقَطْ، وَهِيَ الْفَائِتَةُ بِاللُّبْسِ لِامْتِنَاعِ تَأْثِيرِ الزِّيَادَةِ الْحَاصِلَةِ بَعْدَ التَّلَفِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ تَلِفَ الثَّوْبُ كُلُّهُ ثُمَّ زَادَتْ الْقِيمَةُ لَمْ يَغْرَمْ الزِّيَادَةَ، وَلَوْ اخْتَلَفَ الْمَالِكُ وَالْغَاصِبُ فِي حُدُوثِ الْغَلَاءِ قَبْلَ التَّلَفِ بِاللُّبْسِ فَقَالَ الْمَالِكُ حَدَثَ قَبْلَهُ وَقَالَ الْغَاصِبُ بَلْ بَعْدَهُ صُدِّقَ الْغَاصِبُ بِيَمِينِهِ لِأَنَّهُ الْغَارِمُ (قُلْت: وَلَوْ غَصَبَ خُفَّيْنِ) أَيْ فَرْدَى خُفٍّ فَكُلُّ وَاحِدٍ يُسَمَّى خُفًّا (قِيمَتُهُمَا عَشَرَةٌ فَتَلِفَ أَحَدُهُمَا وَرَدَّ الْآخَرَ وَقِيمَتُهُ دِرْهَمَانِ أَوْ أَتْلَفَ أَحَدَهُمَا) فِي يَدِهِ (غَصْبًا) لَهُ فَقَطْ فَأَتْلَفَ مَعْطُوفٌ عَلَى غَصَبَ (أَوْ فِي يَدِ مَالِكِهِ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
[فَرْعٌ] لَوْ حُمَّ الْعَبْدُ عِنْدَهُ فَرَدَّهُ مَحْمُومًا فَمَاتَ بِيَدِ الْمَالِكِ غَرِمَ جَمِيعَ قِيمَتِهِ، بِخِلَافِ الْمُسْتَعِيرِ إذَا حُمَّ الْعَبْدُ فِي يَدِهِ كَذَلِكَ فَمَاتَ بِيَدِ الْمَالِكِ فَإِنَّهُ يَغْرَمُ مَا نَقَصَ فَقَطْ م ر اهـ سم عَلَى مَنْهَجٍ. أَقُولُ: وَلَعَلَّ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا التَّغْلِيظُ عَلَى الْغَاصِبِ وَمِنْ ثَمَّ ضَمِنَ بِأَقْصَى الْقِيَمِ، بِخِلَافِ الْمُسْتَعِيرِ فَإِنَّهُ إنَّمَا يَضْمَنُ بِقِيمَتِهِ يَوْمَ التَّلَفِ وَلَا نَظَرَ إلَى مَا قَبْلَهُ، فَكَمَا أَنَّهُمْ لَمْ يَنْظُرُوا لِمَا قَبْلَ وَقْتِ التَّلَفِ لَمْ يَنْظُرُوا إلَى مَا بَعْدَ الرَّدِّ (قَوْلُهُ: وَمَا قِيلَ مِنْ عَدَمِ تَقْيِيدِ ذَلِكَ) أَيْ تَصْدِيقُ الْغَاصِبِ (قَوْلُهُ: ثُمَّ أَحْضَرَ لِلْمَالِكِ ذَلِكَ) أَيْ ثَوْبًا، وَلَوْ عَبَّرَ بِهِ كَانَ أَوْلَى (قَوْلُهُ: فَيَلْزَمُ الْغَاصِبَ الْقِيمَةُ) أَيْ الَّتِي يَدَّعِيهَا وَهُوَ تَفْرِيعٌ عَلَى مَا اعْتَمَدَهُ الْبُلْقِينِيُّ (قَوْلُهُ: وَيَحْلِفُ أَنَّهُ لَمْ يَأْخُذْ إلَخْ) أَيْ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِلْمُقَرِّ لَهُ، وَقَدْ يَتَوَقَّفُ فِيهِ بِأَنَّ الْغَصْبَ ثَابِتٌ بِاتِّفَاقِهِمَا، وَدَعْوَى الْمَالِكِ أَنَّهُ ثَوْبٌ آخَرُ لَا تُسْقِطُ حَقَّ الْمَالِكِ. قَالَ سم بِبَعْضِ الْهَوَامِشِ: وَهُوَ فَاسِدٌ لِأَنَّهُ بِإِنْكَارِ الْمَالِكِ وَحَلِفِهِ سَقَطَ حَقُّهُ مِنْ هَذَا الثَّوْبِ وَيَحْلِفُ الْغَاصِبُ أَنَّهُ لَمْ يَأْخُذْ غَيْرَهُ انْتَفَى لُزُومُ غَيْرِهِ فَلَمْ يَبْقَ فِي جِهَةِ الْغَاصِبِ شَيْءٌ لَا مِنْ الْمُدَّعَى بِهِ لِحَلِفِ الْمَالِكِ أَنَّ الثَّوْبَ الْمَدْفُوعَ لَهُ لَيْسَ مِلْكَهُ وَلَا مِنْ غَيْرِهِ لِحَلِفِ الْغَاصِبِ عَلَى نَفْيِهِ.
(قَوْلُهُ: ثُمَّ لَبِسَهُ) خَرَجَ بِهِ مَا لَوْ لَبِسَهُ قَبْلَ الرُّخْصِ فَأَبْلَاهُ ثُمَّ رَخُصَ سِعْرُهُ فَأَرْشُهُ مَا نَقَصَ مِنْ أَقْصَى قِيَمِهِ وَهُوَ الْعَشَرَةُ (قَوْلُهُ: فَصَارَتْ نِصْفَ دِرْهَمٍ) لَوْ صَارَتْ قِيمَتُهُ بِالرُّخْصِ خَمْسَةً ثُمَّ لَبِسَهُ فَصَارَتْ قِيمَتُهُ دِرْهَمَيْنِ لَزِمَهُ سِتَّةُ دَرَاهِمَ لِأَنَّهَا ثَلَاثَةُ أَخْمَاسِ التَّالِفِ مِنْ أَقْصَى قِيَمِهِ (قَوْلُهُ الْحَاصِلَةِ بَعْدَ التَّلَفِ) أَيْ التَّلَفِ لِمَا ذَهَبَ مِنْ أَجْزَائِهِ بِسَبَبِ اللُّبْسِ كَأَنْ صَارَ وَالرِّبْع بَعْدَ أَنْ كَانَ جَدِيدًا (قَوْلُهُ: فَكُلُّ وَاحِدٍ يُسَمَّى خُفًّا) لَا يَظْهَرُ هَذَا التَّفْرِيعُ، بَلْ الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ الْخُفَّ اسْمٌ لِمَجْمُوعِهِمَا وَأَنَّ الْوَاحِدَةَ فَرْدَةُ خُفٍّ لَا خُفٌّ (قَوْلُهُ: أَوْ أَتْلَفَ أَحَدَهُمَا) يَجُوزُ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: مِمَّا يَزِيدُ عَلَى تِلْكَ الصِّفَةِ) لَعَلَّ عَلَى هُنَا تَعْلِيلِيَّةٌ: أَيْ: مِمَّا يَزِيدُ مِنْ الْغُرْمِ لِأَجْلِ تِلْكَ الصِّفَةِ، وَعِبَارَةُ التُّحْفَةِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ ذِمَّتِهِ مِنْ الزِّيَادَةِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute