للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَنْسُوبٌ إلَيْهِ، بِخِلَافٍ نَحْوَ سَرِيرٍ يَحْمِلُهُ إنْسَانٌ، وَلَوْ دَخَلَ عَلَى عَزْمِ أَنَّهُ مَتَى وَصَلَ لِلْبَابِ الْآخَرِ رَجَعَ قَبْلَ مُجَاوَزَتِهِ لَمْ يَجُزْ لِأَنَّهُ يُشْبِهُ التَّرَدُّدَ، وَالسَّابِحُ فِي نَهْرٍ فِيهِ كَالْمَارِّ، وَمَنْ دَخَلَهُ فَنَزَلَ بِئْرَهُ وَلَمْ يَمْكُثْ حَتَّى اغْتَسَلَ لَمْ يَحْرُمُ فِيمَا يَظْهَرُ، وَيُحْتَمَلُ مَنْعُهُ لِأَنَّهُ حُصُولٌ لَا مُرُورٌ، وَعَلَى الْأَوَّلِ يُحْمَلُ كَلَامُ الْبَغَوِيّ أَنَّهُ لَوْ كَانَ بِهِ بِئْرٌ وَدَلَّى نَفْسَهُ فِيهَا بِحَبْلٍ حُرِّمَ عَلَى مَا إذَا تَرَتَّبَ عَلَيْهِ مُكْثٌ كَمَا يَظْهَرُ مِنْ كَلَامِهِ نَفْسِهِ، وَلَوْ لَمْ يَجِدْ مَاءً إلَّا فِيهِ جَازَ لَهُ الْمُكْثُ بِقَدْرِ حَاجَتِهِ وَتَيَمَّمَ لِذَلِكَ كَمَا لَا يَخْفَى، وَلَوْ جَامَعَ زَوْجَتَهُ فِيهِ وَهُمَا مَارَّانِ فَالْأَوْجَهُ الْحُرْمَةُ، كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ أَنَّهُ لَوْ مَكَثَ جُنُبٌ فِيهِ هُوَ وَزَوْجَتُهُ لِعُذْرٍ لَمْ يَجُزْ لَهُ مُجَامَعَتُهَا، وَمِنْ كَلَامِهِمْ فِي بَابِ الِاعْتِكَافِ فِي تَوْجِيهِ كَوْنِ الْمَسْجِدِ شَرْطًا لِصِحَّتِهِ حَيْثُ قَالُوا: لَا جَائِزَ أَنْ يَكُونَ ذَكَرَ بِالْمَسَاجِدِ شَرْطًا لِمَنْعِ مُبَاشَرَةِ الْمُعْتَكِفِ فِي الْمَسْجِدِ، لِأَنَّ مَنْعَهَا فِيهِ لَا يَخْتَصُّ بِهِ فَغَيْرُ الْمُعْتَكِفِ كَذَلِكَ، وَخَرَجَ بِالْمَسْجِدِ الْمَدْرَسَةُ وَالرِّبَاطُ وَمُصَلَّى الْعِيدِ وَنَحْوِهَا؛ وَهَلْ شَرْطُ الْحُرْمَةِ تَحَقُّقُ الْمَسْجِدِيَّةِ أَوْ يُكْتَفَى بِالْقَرِينَةِ؟ فِيهِ احْتِمَالٌ، وَالْأَقْرَبُ إلَى كَلَامِهِمْ الْأَوَّلُ، وَعَلَيْهِ فَالِاسْتِفَاضَةُ كَافِيَةٌ مَا لَمْ يُعْلَمْ أَصْلُهُ كَالْمَسَاجِدِ الْمُحْدَثَةِ بِمِنًى.

(وَالْقُرْآنُ) حَيْثُ تَلَفَّظَ بِهِ بِحَيْثُ أَسْمَعَ نَفْسَهُ مَعَ اعْتِدَالِ سَمْعِهِ وَلَمْ يَكُنْ ثَمَّ نَحْوُ لَغَطٍ وَلَوْ لِحَرْفٍ، لِأَنَّ نُطْقَهُ بِحَرْفٍ بِقَصْدِ الْقُرْآنِ شُرُوعٌ فِي الْمَعْصِيَةِ، فَالتَّحْرِيمُ لِذَلِكَ لَا لِكَوْنِهِ يُسَمَّى قَارِئًا.

وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَقْرَأُ الْجُنُبُ وَلَا الْحَائِضُ شَيْئًا مِنْ الْقُرْآنِ» وَهُوَ وَإِنْ كَانَ ضَعِيفًا لَهُ مُتَابَعَاتٌ تُجْبِرُ

ــ

[حاشية الشبراملسي]

مِنْ التَّرَدُّدِ مَا لَوْ دَخَلَ لِيَأْخُذَ حَاجَةً إلَخْ ضَعِيفٌ.

هَذَا، وَقَدْ يُقَالُ إنَّ كَلَامَ الْعِمَادِ هُوَ الظَّاهِرُ لِأَنَّ قَصْدَ الْإِقَامَةِ صَيَّرَ مُرُورَهُ كَالتَّرَدُّدِ وَهُوَ حَرَامٌ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْمُكْثِ فَكَذَا هَذَا (قَوْلُهُ: مَنْسُوبٌ إلَيْهِ) قَالُوا فِي نَظِيرِهِ مِنْ الْقِبْلَةِ إنَّمَا يَكُونُ مَنْسُوبًا إلَيْهِ لِتَبْطُلَ صَلَاتُهُ بِمَشْيِهَا ثَلَاثَ خُطُوَاتٍ إذَا كَانَ زِمَامُهَا بِيَدِهِ، فَإِنْ كَانَ بِيَدِ غَيْرِهِ أَوْ مُرْسَلًا لَمْ تَبْطُلْ لِأَنَّ سَيْرَهَا مَنْسُوبٌ إلَى غَيْرِهِ.

وَقِيَاسُهُ أَنْ يُقَالَ هُنَا كَذَلِكَ، فَيُقَالُ إنْ كَانَ زِمَامُهَا بِيَدِهِ لَمْ يَحْرُمْ الْمُرُورُ لِأَنَّهُ سَائِرٌ، وَإِنْ كَانَ بِيَدِ غَيْرِهِ حُرِّمَ لِاسْتِقْرَارِهِ فِي نَفْسِهِ وَنِسْبَةُ السَّيْرِ إلَى غَيْرِهِ (قَوْلُهُ: إنْسَانٌ) أَيْ عَاقِلٌ (قَوْلُهُ: كَالْمَارِّ) أَمَّا لَوْ كَانَ فِي سَفِينَةٍ فَيَنْبَغِي أَنْ يَأْتِيَ فِيهِ مَا فِي الدَّابَّةِ، فَإِنْ كَانَ هُوَ الْمُسَيِّرُ لَهَا لَمْ يَحْرُمْ لِأَنَّ سَيْرَهَا مَنْسُوبٌ إلَيْهِ فَكَأَنَّهُ مَارٌّ، وَإِلَّا حُرِّمَ لِاسْتِقْرَارِهِ كَمَنْ جَلَسَ عَلَى سَرِيرٍ يَحْمِلُهُ رِجَالٌ (قَوْلُهُ: إلَّا فِيهِ) أَيْ الْمَسْجِدِ (قَوْلُهُ: لَمْ يَجُزْ لَهُ مُجَامَعَتُهَا) أَيْ لِأَنَّ فِيهِ انْتِهَاكًا لِحُرْمَةِ الْمَسْجِدِ وَإِلَّا فَجِمَاعُهُ فِيهِ لَا يَزِيدُ عَلَى كَوْنِهِ جُنُبًا مَارًّا (قَوْلُهُ: وَالْأَقْرَبُ إلَى كَلَامِهِمْ الْأَوَّلُ) وَفِي كَلَامِ حَجّ مَا يُرَجِّحُ الثَّانِيَ، وَاسْتَشْهَدَ لَهُ بِكَلَامِ السُّبْكِيّ فَلْيُرَاجَعْ، وَالْأَقْرَبُ مَا قَالَهُ حَجّ.

(قَوْلُهُ: وَالْقُرْآنُ) أَيْ مِنْ مُسْلِمٍ بَالِغٍ، وَلَوْ نَذَرَ قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ فِي وَقْتٍ مُعَيَّنٍ فَأَجْنَبَ فِيهِ وَلَمْ يَجِدْ مَاءً يَغْتَسِلُ بِهِ وَلَا تُرَابًا يَتَيَمَّمُ بِهِ وَجَبَ عَلَيْهِ الْقِرَاءَةُ، فَالْمُمْتَنِعُ عَلَيْهِ إنَّمَا هُوَ التَّنَفُّلُ بِالْقِرَاءَةِ كَمَا فِي الْإِرْشَادِ اهـ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَيُثَابُ أَيْضًا عَلَى قِرَاءَتِهِ الْمَذْكُورَةِ، وَهَذَا كَفَاقِدِ الطَّهُورَيْنِ حَيْثُ أَوْجَبُوا عَلَيْهِ صَلَاةَ الْفَرْضِ وَقِرَاءَةَ الْفَاتِحَةِ فِيهِ، فَالْقِرَاءَةُ الْمَنْذُورَةُ هُنَا كَالْفَاتِحَةِ ثَمَّ، وَقَدْ يُفَرَّقُ بِأَنَّ الصَّلَاةَ إنَّمَا وَجَبَتْ لِحُرْمَةِ الْوَقْتِ، وَمِنْ ثَمَّ يَجِبُ إعَادَتُهَا وَالنَّذْرُ لَيْسَ لَهُ وَقْتٌ شَرْعِيٌّ أَصَالَةً حَتَّى يُرَاعَى هَذَا، وَقِيلَ الِاكْتِفَاءُ بِالْقِرَاءَةِ فِي حَقِّ فَاقِدِ الطَّهُورَيْنِ حَيْثُ قَصَدَ الْقِرَاءَةَ كَمَا قَالَهُ حَجّ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْجَنَابَةَ مَانِعَةٌ لَهُ مِنْ صَرْفِ مَا أَتَى بِهِ الْقُرْآنُ، وَلَمْ يَجْعَلُوا الْإِحْرَامَ بِالصَّلَاةِ مُوجِبًا لِحَمْلِ الْفَاتِحَةِ إذَا أَتَى بِمَا عَلَى الْقُرْآنِ: أَيْ بِنَاءً عَلَى هَذَا الْقِيلِ لِكَوْنِ الصَّلَاةِ لَا تَصِحُّ بِدُونِهَا، وَقِيَاسُ مَا ذَكَرَهُ فِي قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ فِي الصَّلَاةِ فِي حَقِّ فَاقِدِ الطَّهُورَيْنِ أَنَّهُ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ قَصْدِهَا بِالْأَوْلَى فِيمَا لَوْ نَذَرَ الْقِرَاءَةَ فِي وَقْتٍ مُعَيَّنٍ وَفَقَدَ الطَّهُورَيْنِ حَيْثُ قُلْنَا يَقْرَأُ (قَوْلُهُ: لَا يَقْرَأُ الْجُنُبُ) بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ نَهْيٌ، وَبِضَمِّهَا خَبَرٌ بِمَعْنَاهُ اهـ حَجّ (قَوْلُهُ: لَهُ مُتَابَعَاتٌ) أَيْ وَذَلِكَ بِأَنْ يُرَدَّ مَعْنَاهُ مِنْ طَرِيقٍ آخَرَ إمَّا

ــ

[حاشية الرشيدي]

حَتَّى يُسَمَّى تَرَدُّدًا.

وَأَمَّا حُرْمَةُ الْقَصْدِ فَأَمْرٌ آخَرُ بِقَرِينَةِ مَا يَأْتِي (قَوْلُهُ: عَلَى عَزْمِ أَنَّهُ مَتَى وَصَلَ لِلْآخَرِ رَجَعَ) أَيْ وَفَعَلَ ذَلِكَ بِقَرِينَةِ مَا مَرَّ قَبْلَهُ (قَوْلُهُ: الْمُحْدَثَةِ) خَرَجَ بِهِ مَسْجِدُ الْخَيْفِ كَنَمِرَةَ

(قَوْلُهُ وَلَوْ بِحَرْفٍ:) قَالَ الشِّهَابُ ابْنُ قَاسِمٍ: وَلَوْ بِقَصْدِ أَنْ لَا يَزِيدَ عَلَيْهِ، وَهُوَ الظَّاهِرُ انْتَهَى.

<<  <  ج: ص:  >  >>