للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(تَظْلِيلُ مَقْعَدِهِ) أَيْ مَوْضِعِ قُعُودِهِ فِي الشَّارِعِ (بِبَارِيَّةٍ) بِتَشْدِيدِ التَّحْتِيَّةِ كَمَا فِي الدَّقَائِقِ، وَحُكِيَ تَخْفِيفُهَا: نَوْعٌ يُنْسَجُ مِنْ قَصَبٍ كَالْحَصِيرِ (وَغَيْرُهَا) مِمَّا لَا يَضُرُّ الْمَارَّةَ عُرْفًا فِيمَا يَظْهَرُ كَثَوْبٍ وَعَبَاءَةٍ لِجَرَيَانِ الْعَادَةِ بِهِ، فَلَوْ كَانَ مُثَبَّتًا بِبِنَاءٍ كَالدِّكَّةِ امْتَنَعَ، وَلَهُ وَضْعُ سَرِيرٍ اُعْتِيدَ وَضْعُهُ فِيهِ فِيمَا يَظْهَرُ مِنْ تَرَدُّدٍ فِيهِ، وَيَخْتَصُّ الْجَالِسُ بِمَحِلِّهِ وَمَحِلِّ أَمْتِعَتِهِ وَمُعَامِلِيهِ، وَلَيْسَ لِغَيْرِهِ أَنْ يُضَيِّقَ عَلَيْهِ فِيهِ بِحَيْثُ يَضُرُّ بِهِ فِي الْكَيْلِ أَوْ الْوَزْنِ وَالْعَطَاءِ، وَلَهُ مَنْعُ وَاقِفٍ بِقُرْبِهِ إنْ مَنَعَ رُؤْيَةً أَوْ وُصُولَ مُعَامِلِيهِ إلَيْهِ لَا مَنْ قَعَدَ لِبَيْعٍ مِثْلَ مَتَاعِهِ وَلَمْ يُزَاحِمْهُ فِيمَا يَخْتَصُّ بِهِ مِنْ الْمَرَافِقِ الْمَذْكُورَةِ، وَلِلْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ أَنْ يَقْطَعَ بُقْعَةً مِنْ الشَّارِع لِمَنْ يَرْتَفِقُ فِيهَا بِالْمُعَامَلَةِ لِأَنَّ لَهُ نَظَرًا وَاجْتِهَادَهُ فِي أَنَّ الْجُلُوسَ فِيهَا مُضِرٌّ أَوْ لَا وَهَذَا يُزْعِجُ مَنْ يَرَى جُلُوسَهُ مُضِرًّا.

(وَلَوْ) (سَبَقَ إلَيْهِ) أَيْ مَوْضِعٍ مِنْ الشَّارِعِ (اثْنَانِ) وَتَنَازَعَا وَلَمْ يَسْعَهُمَا مَعًا كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ (أُقْرِعَ) بَيْنَهُمَا وُجُوبًا لِانْتِفَاءِ الْمُرَجِّحِ، وَلِهَذَا لَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا مُسْلِمًا قُدِّمَ قَالَهُ الدَّارِمِيُّ، لِأَنَّ انْتِفَاعَ الذِّمِّيِّ بِدَارِنَا إنَّمَا هُوَ بِطَرِيقِ التَّبَعِ لَنَا، وَإِنْ تَرَتَّبَا قُدِّمَ السَّابِقُ (وَقِيلَ يُقَدِّمُ الْإِمَامُ) أَحَدَهُمَا (بِرَأْيِهِ) أَيْ اجْتِهَادِهِ كَمَالِ بَيْتِ الْمَالِ (وَلَوْ جَلَسَ) فِي الشَّارِعِ لِنَحْوِ اسْتِرَاحَةٍ بَطَلَ حَقُّهُ بِمُجَرَّدِ مُفَارَقَتِهِ وَإِنْ نَوَى الْعَوْدَ أَوْ (لِمُعَامَلَةٍ) أَوْ صِنَاعَةِ مَحِلٍّ وَإِنْ أَلِفَهُ (ثُمَّ فَارَقَهُ تَارِكًا الْحِرْفَةَ أَوْ مُنْتَقِلًا إلَى غَيْرِهِ بَطَلَ حَقُّهُ) مِنْهُ وَلَوْ مُقْطَعًا كَمَا بَحَثَهُ الْأَذْرَعِيُّ (وَإِنْ فَارَقَهُ) أَيْ مَحِلَّ جُلُوسِهِ الَّذِي أَلِفَهُ وَلَوْ بِلَا عُذْرٍ (لِيَعُودَ) إلَيْهِ، وَيَلْحَقَ بِهِ مَا لَوْ فَارَقَهُ لَا بِقَصْدِ الْعَوْدِ (لَمْ يَبْطُلْ حَقُّهُ) لِخَبَرِ مُسْلِمٍ «إذَا قَامَ أَحَدُكُمْ مِنْ مَجْلِسِهِ ثُمَّ رَجَعَ إلَيْهِ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ» وَيَجْرِي هَذَا فِي السُّوقِ الَّذِي يُقَامُ فِي كُلِّ شَهْرٍ أَوْ سَنَةٍ مَرَّةً مَثَلًا (إلَّا أَنْ تَطُولَ مُفَارَقَتُهُ) وَلَوْ لِعُذْرٍ، وَإِنْ تَرَكَ فِيهِ مَتَاعَهُ (بِحَيْثُ يَنْقَطِعُ مُعَامِلُوهُ عَنْهُ وَيَأْلَفُونَ غَيْرَهُ)

ــ

[حاشية الشبراملسي]

ثُمَّ قَالَ: وَهَذَا إنَّمَا يَأْتِي إنْ عُلِمَ الْحَرِيمُ.

أَمَّا فِي وَقْتِنَا هَذَا فِي الْأَمْصَارِ وَنَحْوِهَا الَّتِي لَا يَدْرِي كَيْفَ صَارَ الشَّارِعُ فِيهَا شَارِعًا فَيَجِبُ الْجَزْمُ بِجَوَازِ الْقُعُودِ فِي أَفْنِيَتِهَا، وَأَنَّهُ لَا اعْتِرَاضَ لِأَرْبَابِهَا إذَا لَمْ يَضُرَّ بِهِمْ وَعَلَيْهِ الْإِجْمَاعُ الْفِعْلِيُّ انْتَهَى وَاعْتَمَدُوهُ.

بَلْ قَالَ شَيْخُنَا: إنَّهُ فِي الْحَقِيقَةِ كَلَامُ أَئِمَّتِنَا، وَلَا إشْكَالَ فِي أَنَّ خَرْقَ الْإِجْمَاعِ الْفِعْلِيِّ كَالْقَوْلِيِّ، وَهُوَ الْوَجْهُ انْتَهَى.

وَإِنَّمَا يَتَّجِهُ ذَلِكَ فِي إجْمَاعٍ فَعَلِيٍّ عُلِمَ صُدُورُهُ مِنْ مُجْتَهِدِي عَصْرٍ فَلَا عِبْرَةَ بِإِجْمَاعِ غَيْرِهِمْ، وَإِنَّمَا ذَكَرْت هَذَا لِأَنَّ الْأَذْرَعِيَّ وَغَيْرَهُ كَثِيرًا مَا يَعْتَرِضُونَ الشَّيْخَيْنِ وَالْأَصْحَابَ بِأَنَّ الْإِجْمَاعَ الْفِعْلِيَّ عَلَى خِلَافِ مَا ذَكَرُوهُ، فَإِذَا عَلِمْت ضَابِطَهُ الَّذِي ذَكَرْته لَمْ يَرِدْ عَلَيْهِمْ الِاعْتِرَاضُ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا يُعْلَمُ أَنَّ ذَلِكَ إجْمَاعُ مُجْتَهِدِي عَصْرٍ أَمْ لَا.

نَعَمْ مَا ثَبَتَ فِيهِ أَنَّ الْعَامَّةَ تَفْعَلُهُ وَجَرَتْ أَعْصَارُ الْمُجْتَهِدِينَ عَلَيْهِ مَعَ عِلْمِهِمْ بِهِ وَعَدَمِ إنْكَارِهِمْ لَهُ يُعْطِي حُكْمَ فِعْلِهِمْ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ فَتَأَمَّلْهُ اهـ جج (قَوْلُهُ: تَظْلِيلُ مَقْعَدِهِ) قَدْ يَشْمَلُ إطْلَاقُهُ الذِّمِّيَّ، وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يُفْصَلَ بَيْنَ التَّظْلِيلِ بِمُثَبِّتٍ فَيَمْتَنِعُ كَالْجَنَاحِ وَغَيْرِهِ كَثَوْبٍ مَعَ إزَالَتِهَا عِنْدَ انْتِهَاءِ الْحَاجَةِ بِلَا تَضْيِيقٍ فَلَا يَمْتَنِعُ م ر اهـ سم عَلَى حَجّ.

أَقُولُ: قَدْ يُفَرَّقُ بَيْنَ الْجَنَاحِ وَمَا هُنَا بِأَنَّ فِي الْجَنَاحِ اسْتِعْلَاءً عَلَى مَنْ يَمُرُّ تَحْتَهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَمُنِعَ مِنْهُ، وَمَا يُظَلَّلُ بِهِ لَا يَتِمُّ انْتِفَاعُهُ إلَّا بِهِ، فَحَيْثُ جَازَ لَهُ الِانْتِفَاعُ بِهِ فَالْقِيَاسُ جَوَازُ التَّظْلِيلِ مُطْلَقًا بِالْمُثَبِّتِ وَغَيْرِهِ.

وَأَمَّا مَحِلُّ الْجَنَاحِ فَمِلْكٌ فَيَدُومُ حَتَّى بَعْدَ مَوْتِ الْمُخْرِجِ لَهُ لِانْتِقَالِ الْحَقِّ فِي الْمِلْكِ لِوَرَثَتِهِ وَلَا كَذَلِكَ مَا هُنَا (قَوْلُهُ: فَلَوْ كَانَ مُثَبَّتًا بِبِنَاءٍ) مَفْهُومُهُ أَنَّهُ إذَا كَانَ بِغَيْرِ بِنَاءٍ جَازَ لِكُلٍّ مِنْ الْمُسْلِمِ وَالذِّمِّيِّ فِعْلُهُ وَفِيهِ مَا ذَكَرْنَاهُ، ثُمَّ مَا ذَكَرَ مِنْ امْتِنَاعِ الْإِثْبَاتِ بِبِنَاءٍ صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ إثْبَاتِهِ لِلتَّمَلُّكِ أَوْ الِارْتِفَاقِ، وَفِي كَلَامِ سم عَلَى حَجّ اسْتِنْبَاطٌ مِنْ كَلَامِ الرَّوْضِ أَنَّ بِنَاءَ الْبُيُوتِ فِي حَرِيمِ الْأَنْهَارِ، وَفِي مِنًى إذَا كَانَ لِلِارْتِفَاقِ لَا يَمْتَنِعُ، وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا اقْتَضَاهُ هَذَا الْكَلَامُ، بَلْ يَقْتَضِي جَوَازَ بِنَاءِ الْمَسَاجِدِ فِي حَرِيمِ الْأَنْهَارِ لِأَنَّهَا لَمْ تُفْعَلْ لِلتَّمَلُّكِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ التَّصْرِيحُ بِامْتِنَاعِهِ فَلْيُرَاجِعْ (قَوْلُهُ: اُعْتِيدَ وَضْعُهُ فِيهِ) أَيْ الشَّارِعِ (قَوْلُهُ: وَالْعَطَاءُ) أَيْ الْأَخْذُ.

(قَوْلُهُ: وَإِنْ تَرَتَّبَا قُدِّمَ السَّابِقُ) وَلَوْ ذِمِّيًّا كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ لِوُجُودِ الْمُرَجِّحِ وَهُوَ السَّبْقُ، وَنُقِلَ مِثْلُهُ عَنْ شَيْخِنَا الزِّيَادِيِّ (قَوْلُهُ: لَا بِقَصْدِ الْعَوْدِ) أَيْ وَيُصَدَّقُ فِي ذَلِكَ بِيَمِينِهِ مَا لَمْ تَدُلَّ قَرِينَةٌ عَلَى خِلَافِهِ (قَوْلُهُ بِحَيْثُ يَنْقَطِعُ إلَخْ)

ــ

[حاشية الرشيدي]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

<<  <  ج: ص:  >  >>