خِلَافًا لِأَحْمَدَ وَاللَّيْثِ فِي كَوْنِهِ يَمْلِكُهُ وَلِمَالِكٍ فِي الرُّجُوعِ بِمَا صَرَفَهُ، وَمَنْ أَخْرَجَ مَتَاعًا غَرِقَ لَمْ يَمْلِكْهُ، وَمَا نُقِلَ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ مِنْ مِلْكِهِ لَهُ رُدَّ بِأَنَّ الْإِجْمَاعَ عَلَى خِلَافِهِ (فَإِنْ أَخَذَهُ مِنْ الْعُمْرَانِ) أَوْ لَمْ يَكُنْ مَأْكُولًا (فَلَهُ الْخَصْلَتَانِ الْأُولَيَانِ لَا الثَّالِثَةُ) وَهِيَ الْأَكْلُ (فِي الْأَصَحِّ) لِسُهُولَةِ الْبَيْعِ هُنَا لَا ثَمَّ وَالْمَشَقَّةُ نَقْلُهَا إلَى الْعُمْرَانِ، وَقَضِيَّتُهُ امْتِنَاعُ الْأَكْلِ فِيمَا مَرَّ لَوْ نَقَلَهَا إلَى الْعُمْرَانِ. وَالثَّانِي لَهُ الْأَكْلُ أَيْضًا كَمَا فِي الصَّحْرَاءِ.
وَأَجَابَ الْأَوَّلَ بِأَنَّهُ إنَّمَا أُبِيحَ لَهُ الْأَكْلُ فِي الصَّحْرَاءِ لِأَنَّهُ قَدْ لَا يَجِدُ فِيهَا مَنْ يَشْتَرِيهِ بِخِلَافِ الْعُمْرَانِ، وَمُرَادُهُ بِالْعِمْرَانِ الشَّارِعُ وَالْمَسَاجِدُ وَنَحْوُهَا لِأَنَّهَا مَعَ الْمَوَاتِ مُحَالُ اللُّقَطَةِ.
(وَيَجُوزُ أَنْ يَلْتَقِطَ) فِي زَمَنِ الْأَمْنِ وَالْخَوْفِ وَلَوْ لِلتَّمَلُّكِ (عَبْدًا) أَيْ قِنًّا (لَا يُمَيِّزُ) وَمُمَيِّزًا فِي زَمَنِ الْخَوْفِ لَا الْأَمْنِ لِأَنَّهُ يَسْتَدِلُّ عَلَى سَيِّدِهِ.
نَعَمْ لَوْ كَانَتْ أَمَةً يَحِلُّ لَهُ التَّمَتُّعُ بِهَا امْتَنَعَ الْتِقَاطُهَا لِلتَّمَلُّكِ وَيَجُوزُ لِلْحِفْظِ، فَإِنْ لَمْ تَحِلَّ لَهُ لِنَحْوِ تَمَجُّسٍ أَوْ مَحْرَمِيَّةٍ جَازَ مُطْلَقًا، وَحَيْثُ جَازَ الْتِقَاطُ الْقِنِّ فَفِيهِ الْخَصْلَتَانِ الْأُولَيَانِ، وَيُنْفِقُ مِنْ كَسْبِهِ إنْ كَانَ وَإِلَّا فَكَمَا مَرَّ وَصَوَّرَ الْفَارِقِيُّ مَعْرِفَةَ رِقِّهِ دُونَ مَالِكِهِ بِأَنْ يَكُونَ بِهِ عَلَامَةٌ دَالَّةٌ عَلَى الرِّقِّ كَعَلَامَةِ الْحَبَشَةِ وَالزِّنْجِ، وَنَظَرَ فِيهِ غَيْرُهُ ثُمَّ صَوَّرَهُ بِمَا إذَا عَرَفَ رِقَّهُ أَوَّلًا وَجَهِلَ مَالِكُهُ ثُمَّ وَجَدَهُ ضَالًّا، وَلَوْ تَمَلَّكَهُ ثُمَّ تَصَرَّفَ فِيهِ فَظَهَرَ مَالِكُهُ وَادَّعَى عِتْقَهُ أَوْ نَحْوَ بَيْعِهِ قَبْلَهُ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ وَبَطَلَ التَّصَرُّفُ.
(وَيُلْتَقَطُ غَيْرُ الْحَيَوَانِ) مِنْ الْجَمَادِ كَالنَّقْدِ وَغَيْرِهِ حَتَّى الِاخْتِصَاصِ كَمَا مَرَّ (فَإِنْ كَانَ يُسْرِعُ فَسَادُهُ كَهَرِيسَةٍ) وَرُطَبٍ لَا يَتَتَمَّرُ وَعِنَبٍ لَا يَتَزَبَّبُ تَخَيَّرَ بَيْنَ خَصْلَتَيْنِ فَقَطْ (فَإِنْ شَاءَ بَاعَهُ) بِإِذْنِ الْحَاكِمِ إنْ وَجَدَهُ وَلَمْ يَخَفْ مِنْهُ وَإِلَّا اسْتَقَلَّ بِهِ فِيمَا يَظْهَرُ (وَعَرَّفَهُ) بَعْدَ بَيْعِهِ لَا ثَمَنَهُ (لِيَتَمَلَّكَ الثَّمَنَ) وَهَذِهِ أَوْلَى مِمَّا ذَكَرَهُ فِي قَوْلِهِ (وَإِنْ شَاءَ تَمَلَّكَهُ) بِاللَّفْظِ لَا النِّيَّةِ هُنَا وَفِيمَا مَرَّ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي (فِي الْحَالِ وَأَكَلَهُ) لِأَنَّهُ مُعَرَّضٌ لِلْهَلَاكِ، وَتَعَيَّنَ فِعْلُ الْأَحَظِّ مِنْهُمَا نَظِيرَ مَا يَأْتِي، وَالْأَقْرَبُ كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
وَإِلَّا فَهَلْ يَكُونُ مِنْ الْأَمْوَالِ الضَّائِعَةِ أَمْ لَا؟ فِيهِ نَظَرٌ.
وَقِيَاسُ مَا مَرَّ أَوَّلَ الْبَابِ فِيمَا لَوْ أَلْقَتْ الرِّيحُ ثَوْبًا فِي حِجْرِهِ إلَى آخِرِ مَا مَرَّ الْأَوَّلُ.
(قَوْلُهُ: وَمَنْ أَخْرَجَ مَتَاعًا غَرِقَ لَمْ يَتَمَلَّكْهُ) أَيْ وَيَكُونُ لِمَالِكِهِ إنْ رُجِيَتْ مَعْرِفَتُهُ وَإِلَّا فَلُقَطَةٌ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا تَقَدَّمَ فِي اللُّؤْلُؤِ وَقِطْعَةِ الْعَنْبَرِ.
وَفِي سم عَلَى حَجّ: فَرْعٌ: هَلْ يَلْتَقِطُ الْمُبَعَّضُ الَّذِي لَا يُمَيِّزُ وَلَا يَبْعُدُ الْجَوَازُ (قَوْلُهُ وَقَضِيَّتُهُ امْتِنَاعُ الْأَكْلِ إلَخْ) وَعَلَيْهِ فَلَعَلَّ الْفَرْقَ بَيْنَ الْمَفَازَةِ وَالْعُمْرَانِ أَنَّ الْعُمْرَانَ مَظِنَّةٌ لِلِاتِّهَامِ فِي حَدِّ ذَاتِهِ بِخِلَافِ الْمَفَازَةِ.
(قَوْلُهُ: وَالْمَسَاجِدُ وَنَحْوُهَا) أَيْ كَالْمَقْبَرَةِ وَالْمَدْرَسَةِ وَالرِّبَاطِ.
(قَوْلُهُ: جَازَ مُطْلَقًا) أَيْ لِلتَّمَلُّكِ وَالْحِفْظِ، ثُمَّ لَوْ أَسْلَمَتْ بَعْدَ ذَلِكَ فَهَلْ يَجُوزُ لَهُ وَطْؤُهَا لِمِلْكِهِ لَهَا أَوْ يَتَبَيَّنُ بُطْلَانُ الْتِقَاطِهِ فَلَا يَجُوزُ لَهُ وَطْؤُهَا؟ فِيهِ نَظَرٌ فَلْيُرَاجَعْ مِنْ بَابِ الْقَرْضِ.
ثُمَّ رَأَيْت فِي سم عَلَى حَجّ فِي بَابِ الْقَرْضِ مَا نَصُّهُ: قَوْلُهُ وَنَحْوُ مَجُوسِيَّةٍ إلَخْ لَوْ أَسْلَمَتْ نَحْوُ الْمَجُوسِيَّةِ بَعْدَ اقْتِرَاضِهَا فَهَلْ يَجُوزُ وَطْؤُهَا أَمْ يَمْتَنِعُ لِوُجُودِ الْمَحْذُورِ وَهُوَ احْتِمَالُ رَدِّهَا بَعْدَ الْوَطْءِ فَيُشْبِهُ إعَارَتَهَا لِلْوَطْءِ؟ فِيهِ نَظَرٌ اهـ.
وَفِي حَوَاشِي الرَّوْضِ لِوَالِدِ الشَّارِحِ: لَوْ أَسْلَمَتْ نَحْوُ الْمَجُوسِيَّةِ لَمْ يَبْطُلْ الْعَقْدُ وَيَمْتَنِعُ الْوَطْءُ (قَوْلُهُ: وَيُنْفِقُ) أَيْ عَلَيْهِ، وَقَوْلُهُ مِنْ كَسْبِهِ إنْ كَانَ، هَلَّا ذَكَرُوا ذَلِكَ فِي الْحَيَوَانِ أَيْضًا بِأَنْ يُؤَجَّرَ وَيُنْفَقَ عَلَيْهِ مِنْ أُجْرَتِهِ اهـ سم عَلَى حَجّ.
أَقُولُ: يُمْكِنُ أَنَّهُمْ إنَّمَا تَرَكُوهُ لِأَنَّ الْغَالِبَ فِي الْحَيَوَانِ الَّذِي يُلْتَقَطُ عَدَمُ تَأَتِّي إيجَارِهِ فَلَوْ فُرِضَ إمْكَانُ إيجَارِهِ كَانَ كَالْعَبْدِ.
(قَوْلُهُ: بِمَا إذَا عَرَفَ رِقَّهُ) أَيْ أَوْ أُخْبِرَ بِأَنَّهُ رَقِيقٌ لِأَنَّهُ يُقْبَلُ فِي حَقِّ نَفْسِهِ إذَا كَانَ بَالِغًا (قَوْلُهُ: وَبَطَلَ التَّصَرُّفُ) هُوَ وَاضِحٌ فِيمَا لَوْ ادَّعَى عِتْقَهُ أَوْ وَقَفَهُ.
أَمَّا إذَا ادَّعَى بَيْعَهُ فَقَدْ يُقَالُ يَصِحُّ تَصَرُّفُ الْمُلْتَقِطِ فِيهِ وَتَلْزَمُهُ قِيمَتُهُ لِمُشْتَرِيهِ مِنْ الْمَالِكِ وَقْتَ الْبَيْعِ وَإِنْ كَانَتْ فَوْقَ ثَمَنِهِ.
(قَوْلُهُ فِيمَا يَظْهَرُ) أَيْ وَلَا يَجِبُ الْإِشْهَادُ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ قَرِيبًا (قَوْلُهُ: وَأَكْلُهُ) قِيَاسُ مَا مَرَّ عَنْ الْمَاوَرْدِيِّ أَنَّهُ إذَا تَمَلَّكَهُ لَا يَتَعَيَّنُ أَكْلُهُ بَلْ إنْ شَاءَ أَكَلَهُ وَإِنْ شَاءَ جَفَّفَهُ وَادَّخَرَهُ
ــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: أَوْ نَحْوَ بَيْعِهِ) كَذَا فِي شَرْحِ الرَّوْضِ، وَانْظُرْ مَا الصُّورَةُ مَعَ أَنَّ بَيْعَهُ لَا يَمْنَعُ بَيْعَ الْمُلْتَقَطِ؛ لِأَنَّهُ يَبِيعُهُ عَلَى مَالِكِهِ مُطْلَقًا سَوَاءٌ أَكَانَ الْبَائِعَ أَمْ الْمُشْتَرِي
(قَوْلُهُ:: كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ) أَيْ: فِي الْمَسْأَلَةِ الْآتِيَةِ فَهُوَ هُنَا مَأْخُوذٌ مِنْ كَلَامِ