مَا لَمْ يَأْتِ بِمَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لِلتَّعَبُّدِ وَحْدَهُ أَوْ مَعَ نُزُولِ الْمَارَّةِ عَلَى أَوْجَهِ الْوَجْهَيْنِ خِلَافًا لِبَعْضِهِمْ. أَمَّا إذَا كَانَتْ مَعْصِيَةً فَلَا تَصِحُّ مِنْ مُسْلِمٍ وَلَا كَافِرٍ (كَعِمَارَةِ) أَوْ تَرْمِيمِ (كَنِيسَةٍ) لِلتَّعَبُّدِ أَوْ إسْرَاجِهَا تَعْظِيمًا أَوْ بِكِتَابَةِ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَقِرَاءَتِهِمَا أَوْ أَحْكَامِ شَرِيعَةِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَكُتُبِ النُّجُومِ وَالْفَلْسَفَةِ وَسَائِرِ الْعُلُومِ الْمُحَرَّمَةِ، وَإِعْطَاءِ أَهْلِ رِدَّةٍ أَوْ حَرْبٍ وَشَمِلَ وَقُودَهَا مَا لَوْ انْتَفَعَ بِهِ مُقِيمٌ أَوْ مُجَاوِرٌ بِهَا بِضَوْئِهِ؛ لِأَنَّ فِيهِ إعَانَةً عَلَى تَعَبُّدِهِمْ وَتَعْظِيمِهَا كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُهُمْ وَاخْتَارَهُ جَمْعٌ فَإِنْ قَصَدَ بِهِ انْتِفَاعَهُمْ بِذَلِكَ لَا تَعْظِيمَهَا صَحَّتْ كَمَا لَوْ أَوْصَى بِشَيْءٍ لِأَهْلِ الذِّمَّةِ.
(أَوْ) أَوْصَى (لِشَخْصٍ) وَاحِدٍ أَوْ مُتَعَدِّدٍ (فَالشَّرْطُ أَنْ) يَكُونَ مُعَيَّنًا كَمَا فِي الْمُحَرَّرِ: أَيْ وَلَوْ بِوَجْهٍ لِمَا يَأْتِي فِي إنْ كَانَ بِبَطْنِهَا ذَكَرٌ. وَاكْتَفَى عَنْهُ بِمَا بَعْدَهُ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ الَّذِي الْكَلَامُ فِيهِ لَا يُتَصَوَّرُ لِلْمُبْهَمِ كَأَحَدِ الرَّجُلَيْنِ مَا دَامَ عَلَى إبْهَامِهِ وَهُوَ مَا يَحْصُلُ بِعَقْدٍ مَالِيٍّ. وَإِنَّمَا صَحَّ أَعْطُوا هَذَا أَحَدَهُمَا؛ لِأَنَّهُ تَفْوِيضٌ لِغَيْرِهِ وَهُوَ إنَّمَا يُعْطِي مُعَيَّنًا، وَمِنْ ثَمَّ صَحَّ قَوْلُهُ لِوَكِيلِهِ بِعْهُ لِأَحَدِهِمَا وَأَنْ يَكُونَ مِمَّنْ يُمْكِنُ أَنْ (يُتَصَوَّرَ لَهُ الْمِلْكُ) وَقْتَ الْوَصِيَّةِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْحَمْلِ وَلِهَذَا لَوْ أَوْصَى لِحَمْلٍ سَيَحْدُثُ لَمْ تَصِحَّ، وَإِنْ حَدَثَ قَبْلَ مَوْتِ الْمُوصِي؛ لِأَنَّهَا تَمْلِيكٌ، وَتَمْلِيكُ الْمَعْدُومِ مُمْتَنِعٌ، وَأَنَّهُ لَا مُتَعَلَّقَ لِلْعَقْدِ فِي الْحَالِ فَأَشْبَهَ الْوَقْفَ عَلَى مَنْ سَيُولَدُ لَهُ، وَقَدْ صَرَّحُوا بِذَلِكَ فِي الْمَسْجِدِ فَقَالُوا: لَوْ أَوْصَى لِمَسْجِدٍ سَيُبْنَى بَطَلَ: أَيْ وَإِنْ بُنِيَ قَبْلَ مَوْتِهِ فَقَوْلُ جَمْعٍ حَالَ مَوْتِ الْمُوصِي فِيهِ إبْهَامٌ فَخَرَجَ الْمَعْدُومُ وَالْمَيِّتُ وَالْبَهِيمَةُ فِي غَيْرِ مَا يَأْتِي.
نَعَمْ قِيَاسُ مَا مَرَّ فِي الْوَقْفِ أَنَّهُ لَوْ جُعِلَ الْمَعْدُومُ تَبَعًا لِلْمَوْجُودِ كَأَنْ أَوْصَى لِأَوْلَادِ زَيْدٍ الْمَوْجُودِينَ وَمَنْ سَيَحْدُثُ لَهُ مِنْ الْأَوْلَادِ صَحَّتْ تَبَعًا لَهُمْ، وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُ الرَّوْضَةِ: الْأَوْلَادُ وَالذُّرِّيَّةُ وَالنَّسْلُ وَالْعَقِبُ وَالْعِتْرَةُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا فِي الْوَقْفِ، وَاعْتَمَدَ جَمْعٌ الْفَرْقَ بِأَنَّ مِنْ شَأْنِ الْوَصِيَّةِ أَنْ يُقْصَدَ مَعَهَا مُعَيَّنٌ مَوْجُودٌ، وَلَا كَذَلِكَ الْوَقْفُ؛ لِأَنَّهُ لِلدَّوَامِ الْمُقْتَضِي لِشُمُولِهِ لِلْمَعْدُومِ ابْتِدَاءً، وَقَالَ إنَّهَا لِلتَّمْلِيكِ وَتَمْلِيكُ الْمَعْدُومِ مُمْتَنِعٌ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الرَّافِعِيُّ تَعْلِيلًا لِلْمَذْهَبِ مِنْ بُطْلَانِ الْوَصِيَّةِ لِمَا سَتَحْمِلُهُ هَذِهِ الْمَرْأَةُ. وَلَا يُرَدُّ عَلَى الْمُصَنِّفِ صِحَّتُهَا مَعَ عَدَمِ ذِكْرِ جِهَةٍ وَلَا شَخْصٍ كَأَوْصَيْتُ بِثُلُثِ مَالِي وَيُصْرَفُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ، أَوْ بِثُلُثِهِ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
بِفَكِّ أُسَارَى مُعَيَّنِينَ، وَنَقَلَهُ حَجّ عَنْ شَرْحِ الرَّوْضِ وَعِبَارَتُهُ بَعْدَ كَلَامٍ ذَكَرَهُ عَنْ شَرْحِ الرَّوْضِ وَالْكَلَامُ فِي الْمُعَيَّنِينَ فَلَا يَصِحُّ لِأَهْلِ الْحَرْبِ وَالرِّدَّةِ. اهـ: أَيْ بِفَكِّ أَهْلِ الْحَرْبِ إلَخْ (قَوْلُهُ: مَا لَمْ يَأْتِ بِمَا يَدُلُّ إلَخْ) أَيْ فَلَا تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ (قَوْلُهُ: أَوْ مَعَ نُزُولِ الْمَارَّةِ) وَمِنْهُ الْكَنَائِسُ الَّتِي فِي جِهَةِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ الَّتِي يَنْزِلُهَا الْمَارَّةُ فَإِنَّ الْمَقْصُودَ بِبِنَائِهَا التَّعَبُّدُ وَنُزُولُ الْمَارَّةِ طَارِئٌ (قَوْلُهُ: أَمَّا إذَا كَانَتْ مَعْصِيَةً إلَخْ) أَيْ أَوْ مُكْرَهَةً كَمَا عُلِمَ مِنْ قَوْلِهِ السَّابِقِ وَالْكَرَاهَةُ أَيْضًا (قَوْلُهُ: أَوْ تَرْمِيمُ كَنِيسَةٍ) هَذَا فِي الْكَنَائِسِ الَّذِي حَدَثَتْ بَعْدَ بَعْثَةِ نَبِيِّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. أَمَّا مَا وُقِفَ مِنْهَا قَبْلَ نَسْخِ شَرِيعَةِ عِيسَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَحُكْمُهَا حُكْمُ مَسَاجِدِنَا، وَلَا تُمَكَّنُ النَّصَارَى مِنْ دُخُولِهَا إلَّا لِحَاجَةٍ بِإِذْنِ مُسْلِمٍ كَمَسَاجِدِنَا، كَذَا نُقِلَ عَنْ إفْتَاءِ السُّبْكِيّ، وَحِينَئِذٍ فَيَصِحُّ الْوَقْفُ عَلَيْهَا وَإِنْ كَانَتْ لِلتَّعَبُّدِ؛ لِأَنَّ، الَّذِينَ يَتَعَبَّدُونَ بِهَا الْآنَ هُمْ الْمُسْلِمُونَ دُونَ غَيْرِهِمْ وَإِنْ سُمِّيَتْ كَنِيسَةً (قَوْلُهُ: أَوْ بِكِتَابَةِ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ) أَيْ وَلَوْ غَيْرَ مُبَدَّلَيْنِ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَعْظِيمًا لَهُمْ (قَوْلُهُ: فَإِنْ قَصَدَ بِهِ انْتِفَاعَهُمْ) أَيْ الْمُجَاوِرِينَ لَهَا (قَوْلُهُ: كَمَا لَوْ أَوْصَى بِشَيْءٍ لِأَهْلِ الذِّمَّةِ) أَيْ وَيُرْجَعُ فِي ذَلِكَ إلَيْهِ، فَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ مِنْهُ شَيْءٌ عُمِلَ بِالْقَرَائِنِ، فَإِنْ لَمْ تَظْهَرْ قَرِينَةٌ بَطَلَتْ عَمَلًا بِالظَّاهِرِ وَالْأَصْلِ مِنْ أَنَّ الْوَصِيَّةَ لَهَا لِتَعْظِيمِهَا.
(قَوْلُهُ: وَاكْتَفَى عَنْهُ) أَيْ عَنْ قَوْلِهِ أَنْ يَكُونَ مُعَيَّنًا (قَوْلُهُ: صَحَّتْ تَبَعًا لَهُمْ) مُعْتَمَدٌ وَقَوْلُهُ: عَلَى مَا ذَكَرْنَا فِي الْوَقْفِ خَبَرٌ عَنْ قَوْلِهِ الْأَوْلَادُ إلَخْ، وَقَوْلُهُ: وَاعْتَمَدَ جَمْعٌ إلَخْ ضَعِيفٌ (قَوْلُهُ: كَأَوْصَيْتُ بِثُلُثِ مَالِي) أَيْ فَإِنَّهُ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: وَهُوَ مَا يَحْصُلُ بِعَقْدٍ مَالِيٍّ) أَيْ الْمِلْكُ (قَوْلُهُ: فِيهِ إيهَامٌ) أَيْ إيهَامُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ وُجُودُهُ وَقْتَ الْوَصِيَّةِ (قَوْلُهُ: وَقَدْ صَرَّحُوا بِذَلِكَ فِي الْمَسْجِدِ) هَذَا كَالصَّرِيحِ فِي أَنَّهُمْ لَمْ يُصَرِّحُوا بِهِ فِي غَيْرِ الْمَسْجِدِ مَعَ أَنَّهُ مُصَرَّحٌ بِهِ فِي الشَّامِلِ الصَّغِيرِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute