وَلِآخَرَ وَقَالَ اشْتَرِ بِهِ عِمَامَةً مَثَلًا، وَمِثْلُ ذَلِكَ لَوْ مَاتَتْ الدَّابَّةُ الَّتِي تَعَيَّنَ الصَّرْفُ فِي مُؤْنَتِهَا وَيَتَوَلَّى الْإِنْفَاقَ عَلَيْهَا الْوَصِيُّ أَوْ نَائِبُهُ ثُمَّ الْقَاضِي أَوْ نَائِبُهُ، فَلَوْ بَاعَهَا مَالِكُهَا انْتَقَلَتْ الْوَصِيَّةُ لِلْمُشْتَرِي كَمَا فِي الْعَبْدِ قَالَهُ الْمُصَنِّفُ.
وَقَالَ الرَّافِعِيُّ وَصَحَّحَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ: هِيَ لِلْبَائِعِ. قَالَ السُّبْكِيُّ: وَهُوَ الْحَقُّ إنْ انْتَقَلَتْ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَإِلَّا فَالْحَقُّ أَنَّهُ لِلْمُشْتَرِي، وَهُوَ قِيَاسُ الْعَبْدِ فِي التَّقْدِيرَيْنِ. وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ فَهِمَ أَنَّ الْمُصَنِّفَ قَائِلٌ بِأَنَّهَا لِلْمُشْتَرِي مُطْلَقًا، وَعَلَيْهِ يُفَرَّقُ بِأَنَّ الدَّابَّةَ يَتَعَيَّنُ الصَّرْفُ لَهَا بِخِلَافِ الْعَبْدِ، لَكِنَّ قَوْلَهُ كَمَا فِي الْعَبْدِ يَقْتَضِي أَنَّهُ قَائِلٌ بِالتَّفْصِيلِ، وَهُوَ الْأَصَحُّ، فَعَلَيْهِ لَوْ قَبِلَ الْبَائِعُ ثُمَّ بَاعَ الدَّابَّةَ فَظَاهِرٌ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ صَرْفُ، ذَلِكَ لِعَلَفِهَا، وَإِنْ صَارَتْ مِلْكَ غَيْرِهِ، وَبَحَثَ الْأَذْرَعِيُّ بُطْلَانَ الْوَصِيَّةِ فِيمَا لَوْ كَانَتْ الدَّابَّةُ مِمَّا يُعْطَى عَلَيْهَا كَفَرَسِ قَاطِعِ الطَّرِيقِ وَالْحَرْبِيِّ وَالْمُحَارِبِ لِأَهْلِ الْعَدْلِ، وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ فَالْمَنْقُولُ إلَى مَا فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا أَنَّهُ يُحْتَمَلُ مَجِيءُ وَجْهٍ بِالْبُطْلَانِ مِنْ الْوَقْفِ عَلَى عَلَفِهَا، وَلَوْ مَاتَ الْمُوصِي قَبْلَ بَيَانِ مُرَادِهِ رُجِعَ إلَى وَارِثِهِ، فَإِنْ قَالَ أَرَادَ الْعَلَفَ صَحَّتْ، وَإِلَّا حَلَفَ وَبَطَلَتْ. فَإِنْ قَالَ لَا أَدْرِي مَا أَرَادَ بَطَلَتْ كَمَا نَقَلَهُ فِي الْبَيَانِ عَنْ الْعُدَّةِ، وَفِي الشَّافِي لِلْجُرْجَانِيِّ لَوْ قَالَ مَالِكُ الدَّابَّةِ أَرَادَ تَمْلِيكِي وَقَالَ الْوَارِثُ أَرَادَ تَمْلِيكَهَا صَدَقَ الْوَارِثُ؛ لِأَنَّهُ غَارِمٌ.
(وَتَصِحُّ لِعِمَارَةِ) نَحْوِ (مَسْجِدٍ) وَرِبَاطٍ وَمُدَرِّسَةٍ، وَلَوْ مِنْ كَافِرٍ إنْشَاءً وَتَرْمِيمًا؛ لِأَنَّهَا مِنْ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
لِقِنِّهِ بِرَقَبَتِهِ إلَخْ.
(قَوْلُهُ: وَمِثْلُ ذَلِكَ) أَيْ فِي أَنَّ مَالِكَهَا يَمْلِكُهُ مِلْكًا مُطْلَقًا (قَوْلُهُ: وَيَتَوَلَّى الْإِنْفَاقَ عَلَيْهَا الْوَصِيُّ) لَوْ تَوَقَّفَ الصَّرْفُ عَلَى مُؤْنَةٍ كَأَنْ عَجَزَ الْوَصِيُّ وَالْحَاكِمُ عَنْ حَمْلِ الْعَلَفِ وَتَقْدِيمِهِ إلَيْهَا، أَوْ كَانَ ذَلِكَ مِمَّا يُخِلُّ بِمُرُوءَتِهِ وَلَمْ يَتَبَرَّعْ بِهَا أَحَدٌ فَهَلْ تَتَعَلَّقُ تِلْكَ الْمُؤْنَةُ بِالْمُوصَى بِهِ فَيُصْرَفُ مِنْهُ؛ لِأَنَّهَا تَتِمَّةُ الْقِيَامِ بِتِلْكَ الْوَصِيَّةِ أَوْ تَتَعَلَّقُ بِمَالِك الدَّابَّةِ؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَاَلَّذِي يَظْهَرُ لِي هُوَ الْأَوَّلُ فَلْيُتَأَمَّلْ، وَلَوْ أَوْصَى بِعَلَفِ الدَّابَّةِ الَّتِي لَا تَأْكُلُهُ عَادَةً فَهَلْ تَبْطُلُ الْوَصِيَّةُ أَوْ يَنْصَرِفُ لِمَالِكِهَا أَوْ يُفَصَّلُ، فَإِنْ كَانَ الْمُوصِي جَاهِلًا بِحَالِهَا بَطَلَتْ أَوْ عَالِمًا انْصَرَفَتْ لِمَالِكِهَا؟ فِيهِ نَظَرٌ. وَالثَّالِثُ غَيْرُ بَعِيدٍ وَلَوْ كَانَ الْعَلَفُ الْمُوصَى بِهِ مِمَّا تَأْكُلُهُ عَادَةً لَكِنْ عَرَضَ لَهَا امْتِنَاعُهَا مِنْ أَكْلِهِ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ: إنْ أَيِسَ مِنْ أَكْلِهَا إيَّاهُ عَادَةً صَارَ الْمُوصَى بِهِ لِلْمَالِكِ كَمَا لَوْ مَاتَتْ وَإِلَّا حُفِظَ إلَى أَنْ يَتَأَتَّى أَكْلُهَا فَلْيُتَأَمَّلْ. انْتَهَى سم عَلَى حَجّ.
(قَوْلُهُ: قَالَ السُّبْكِيُّ وَهُوَ الْحَقُّ) مُعْتَمَدٌ (قَوْلُهُ: صُرِفَ ذَلِكَ لِعَلَفِهَا) وَلَا يُنَافِي هَذَا مَا مَرَّ مِنْ التَّفْصِيلِ لِجَوَازِ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ أَنَّهُ يَمْلِكُهُ الْبَائِعُ تَمَّ يَصْرِفُهُ عَلَيْهَا، وَفَائِدَةُ كَوْنِهِ مَلَكَهُ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَا يَتَوَلَّى صَرْفَهُ، وَأَنَّ الدَّابَّةَ لَوْ مَاتَتْ وَقَدْ بَقِيَ مِنْ الْمُوصَى بِهِ شَيْءٌ كَانَ لِلْبَائِعِ (قَوْلُهُ: وَبَحَثَ الْأَذْرَعِيُّ بُطْلَانَ الْوَصِيَّةِ) مُعْتَمَدٌ، وَظَاهِرُهُ الْبُطْلَانُ وَإِنْ لَمْ يَقُلْ لِيَقْطَعَ عَلَيْهَا.
قَالَ حَجّ: وَقِيَاسُ مَا يَأْتِي مِنْ صِحَّةِ الْوَصِيَّةِ لِقَاطِعِ الطَّرِيقِ إلَّا إنْ قَالَ لِيَقْطَعَهَا تَوَقَّفَ الْبُطْلَانُ هُنَا عَلَى قَوْلِهِ لِيَقْطَعَهَا عَلَيْهَا. انْتَهَى. وَالْأَقْرَبُ مَا قَالَهُ حَجّ قَالَ: وَيُؤَيِّدُهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ مَحَلَّ الْبُطْلَانِ فِيمَا إذَا أَوْصَى لِجِهَةٍ عَامَّةٍ أَوْ غَيْرِهَا بِمَعْصِيَةٍ أَوْ مَكْرُوهٍ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ لِذَاتِهِ (قَوْلُهُ: فَإِنْ قَالَ لَا أَدْرِي) أَيْ الْوَارِثُ (قَوْلُهُ: صَدَقَ الْوَارِثُ) أَيْ فَتَبْطُلُ.
(قَوْلُهُ: وَتَصِحُّ لِعِمَارَةِ نَحْوِ مَسْجِدٍ) بَقِيَ مَا لَوْ قَالَ بِعِمَارَةِ مَسْجِدٍ كَذَا هَلْ تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ أَمْ لَا؟ فِيهِ نَظَرٌ. وَالْأَقْرَبُ الْأَوَّلُ، وَيُؤْخَذُ مِنْ تَرِكَتِهِ مَا يُعَمَّرُ بِهِ مَا يُسَمَّى عِمَارَةً عُرْفًا وَهَلْ يَتَوَقَّفُ عَلَى إنْشَاءِ صِيغَةِ وَقْفٍ مِنْهُ أَمْ لَا؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَقْرَبُ الثَّانِي حَيْثُ كَانَتْ الْعِمَارَةُ تَرْمِيمًا مِمَّا أَوْصَى بِهِ، أَمَّا لَوْ أَوْصَى بِإِنْشَاءِ مَسْجِدٍ فَاشْتَرَى قِطْعَةَ أَرْضٍ وَبَنَاهَا مَسْجِدًا فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الْوَقْفِ لَهَا وَلِمَا فِيهَا مِنْ الْأَبْنِيَةِ مِنْ الْقَاضِي أَوْ نَائِبِهِ مَسْجِدًا، وَلَوْ كَانَ الْمَسْجِدُ غَيْرَ مُحْتَاجٍ لِمَا أَوْصَى لَهُ بِهِ حَالًا فَيَنْبَغِي حِفْظُ مَا أَوْصَى لَهُ بِهِ حَيْثُ تُوُقِّعَ زَمَانٌ يُمْكِنُ الصَّرْفُ فِيهِ، فَإِنْ لَمْ يُتَوَقَّعْ كَأَنْ كَانَ مُحْكَمَ الْبِنَاءِ بِحَيْثُ لَا يُتَوَقَّعُ لَهُ زَمَانٌ يُصْرَف فِيهِ مَا أَوْصَى بِهِ، فَالظَّاهِرُ بُطْلَانُ الْوَصِيَّةِ وَصَرْفُ مَا عَيَّنَ لَهَا لِلْوَرَثَةِ، وَمُرَادُهُ بِنَحْوِ الْمَسْجِدِ مَا فِيهِ مَنْفَعَةٌ عَامَّةٌ كَالْقَنَاطِرِ وَالْجُسُورِ وَالْآبَارِ الْمُسَبَّلَةِ وَغَيْرِهَا.
(قَوْلُهُ: لِأَنَّهَا) أَيْ
ــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: وَلَوْ مَاتَ الْمُوصِي) أَيْ فِيمَا إذَا أَطْلَقَ فِي عِبَارَتِهِ