أَوْ عَلَى جَعَلْته لَهُ احْتَمَلَ الْوَصِيَّةَ وَالْهِبَةَ، فَإِنْ عُلِمَتْ نِيَّتُهُ لِأَحَدِهِمَا وَإِلَّا بَطَلَ، أَوْ عَلَى ثُلُثِ مَالِي لِلْفُقَرَاءِ لَمْ يَكُنْ إقْرَارًا بَلْ كِنَايَةَ وَصِيَّةٍ عَلَى الرَّاجِحِ أَوْ عَلَى (هُوَ لَهُ فَإِقْرَارٌ) ؛ لِأَنَّهُ مِنْ صَرَائِحِهِ وَوَجَدَ نَفَاذًا فِي مَوْضُوعِهِ فَلَا يُجْعَلُ كِنَايَةَ وَصِيَّةٍ، وَكَذَا لَوْ اقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ هُوَ صَدَقَةٌ أَوْ وَقْفٌ عَلَى كَذَا فَيُنَجَّزُ مِنْ حِينَئِذٍ وَإِنْ وَقَعَ جَوَابًا مِمَّنْ قِيلَ لَهُ أَوْصِ؛ لِأَنَّ مِثْلَ ذَلِكَ لَا يُفِيدُ (إلَّا أَنْ يَقُولَ هُوَ لَهُ مِنْ مَالِي فَيَكُونُ وَصِيَّةً) أَيْ كِنَايَةً عَنْهَا لِاحْتِمَالِهِ لَهَا وَلِلْهِبَةِ النَّاجِزَةِ فَافْتَقَرَ لِلنِّيَّةِ، وَبِهِ يُرَدُّ مَا رَجَّحَهُ السُّبْكِيُّ أَنَّهُ صَرِيحٌ، وَعَلَى الْأَوَّلِ لَوْ مَاتَ وَلَمْ تُعْلَمْ نِيَّتُهُ بَطَلَ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهَا، وَالْإِقْرَارُ هُنَا غَيْرُ مُتَأَتٍّ لِأَجْلِ قَوْلِهِ مَالِي نَظِيرُ مَا يَأْتِي (وَتَنْعَقِدُ بِكِنَايَةٍ) وَهِيَ مَا احْتَمَلَ الْوَصِيَّةَ وَغَيْرَهَا كَقَوْلِهِ عَيَّنْت لَهُ هَذَا أَوْ عَبْدِي هَذَا لَهُ كَالْبَيْعِ بَلْ أَوْلَى (وَالْكِتَابَةُ) بِالتَّاءِ (كِنَايَةٌ) فَتَنْعَقِدُ بِهَا مَعَ النِّيَّةِ وَلَوْ مِنْ نَاطِقٍ، وَلَا بُدَّ مِنْ الِاعْتِرَافِ بِهَا نُطْقًا مِنْهُ أَوْ مِنْ وَارِثِهِ وَإِنْ قَالَ هَذَا خَطِّي أَوْ مَا فِيهِ وَصِيَّتِي.
وَلَا يَسُوغُ لِلشَّاهِدِ التَّحَمُّلُ حَتَّى يَقْرَأَ عَلَيْهِ الْكِتَابَ أَوْ يَقُولَ أَنَا عَالِمٌ بِمَا فِيهِ وَقَدْ أَوْصَيْت بِهِ، وَإِشَارَةُ مِنْ اُعْتُقِلَ لِسَانُهُ يَجْرِي فِيهَا تَفْصِيلُ الْأَخْرَسُ فِيمَا يَظْهَرُ، وَمَرَّ أَنَّ كِتَابَتَهُ لَا بُدَّ فِيهَا مِنْ نِيَّةٍ وَأَنَّهُ يَكْفِي الْإِعْلَامُ بِهَا بِإِشَارَةٍ أَوْ كِتَابَةٍ، وَلَوْ قَالَ مَنْ ادَّعَى عَلَيَّ شَيْئًا أَوْ أَنَّهُ وَفَّى مَالِي عِنْدَهُ فَصَدِّقُوهُ مِنْ غَيْرِ حُجَّةٍ، وَالْأَوْجَهُ أَنَّهُ وَصِيَّةٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يُسْمَحُ لَهُ بِشَيْءٍ وَإِنَّمَا قَنَعَ مِنْهُ بِحُجَّةٍ بَدَلَ حُجَّتِهِ أَوْ مَا فِي جَرِيدَتِي قَبَضْته كُلَّهُ فَهُوَ إقْرَارٌ بِالنِّسْبَةِ لِمَا عُلِمَ أَنَّهُ فِيهَا وَقْتَهُ
(وَإِنْ أَوْصَى لِغَيْرِ مُعَيَّنٍ) يَعْنِي لِغَيْرِ مَحْضُورٍ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
مِنْ صَرَائِحِهِ إلَخْ، وَقَوْلُهُ فَإِنْ عُلِمَتْ نِيَّتُهُ يَنْبَغِي أَنَّ مِنْ صُوَرِ الْعِلْمِ مَا لَوْ أَخْبَرَ الْوَارِثُ بِأَنَّهُ نَوَى حَيْثُ كَانَ الْوَارِثُ رَشِيدًا.
أَمَّا غَيْرُهُ كَالصَّبِيِّ فَإِخْبَارُهُ لَغْوٌ، لَكِنْ لَوْ أَخْبَرَ وَلِيُّ الطِّفْلِ بِأَنَّ مُوَرِّثَهُ نَوَى هَلْ يُقْبَلُ ذَلِكَ مِنْهُ أَوْ لَا؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَقْرَبُ عَدَمُ الْقَبُولِ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّفْوِيتِ عَلَى الطِّفْلِ (قَوْلُهُ: هُوَ صَدَقَةٌ) هَذَا عُلِمَ مِنْ قَوْلِهِ السَّابِقِ، فَلَوْ اقْتَصَرَ عَلَى نَحْوِ وَهَبْته إلَخْ لَكِنَّهُ ذَكَرَهُ تَوْطِئَةً لِقَوْلِهِ وَإِنْ وَقَعَ جَوَابًا إلَخْ (قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّ مِثْلَ ذَلِكَ) أَيْ وُقُوعُهُ جَوَابًا (قَوْلُهُ: لَا يُفِيدُ) أَيْ فِي صَرْفِهِ عَنْ كَوْنِهِ صَدَقَةً أَوْ وَقْفًا (قَوْلُهُ: كَالْبَيْعِ) أَيْ فِي انْعِقَادِهَا هُنَا بِالْكِنَايَةِ، وَهَلْ يُكْتَفَى فِي النِّيَّةِ بِاقْتِرَانِهَا بِجُزْءٍ مِنْ اللَّفْظِ أَوْ لَا بُدَّ مِنْ اقْتِرَانِهَا بِجَمِيعِ اللَّفْظِ كَمَا فِي الْبَيْعِ؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَقْرَبُ الْأَوَّلُ.
وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ الْبَيْعَ لَمَّا كَانَ فِي مُقَابَلَةِ عِوَضٍ اُحْتِيطَ لَهُ بِخِلَافِ مَا هُنَا (قَوْلُهُ: وَلَا بُدَّ مِنْ الِاعْتِرَافِ بِهَا) أَيْ النِّيَّةِ (قَوْلُهُ: أَوْ مِنْ وَارِثِهِ) قَضِيَّتُهُ عَدَمُ قَبُولِهَا وَلَوْ مِنْ وَلِيِّ الْوَارِثِ، وَهُوَ مُوَافِقٌ لِمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّهُ الْأَقْرَبُ (قَوْلُهُ: وَإِنْ قَالَ) غَايَةٌ، وَقَوْلُهُ هَذَا خَطِّي إلَى آخَرِ مَا ذَكَرَهُ ظَاهِرٌ فِيمَا لَوْ قَالَ هَذَا خَطِّي، إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ مُجَرَّدِ كِتَابَتِهِ نِيَّةُ الْوَصِيَّةِ.
أَمَّا قَوْلُهُ هَذَا مَا فِيهِ وَصِيَّتِي فَقَدْ يُشْكِلُ بِأَنَّ مَا فِيهَا لَا يَكُونُ وَصِيَّةً إلَّا إذَا نَوَى، إلَّا أَنْ يُقَالَ لَمَّا كَانَ قَوْلُهُ مَا فِيهِ وَصِيَّتِي مُحْتَمِلًا لَأَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى هَذَا مَا كَتَبْت فِيهِ لَفْظَ الْوَصِيَّةِ لَمْ يُغْنِ ذَلِكَ عَنْ الِاعْتِرَافِ بِالنِّيَّةِ نُطْقًا؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهَا (قَوْلُهُ: وَلَا يَسُوغُ لِلشَّاهِدِ) أَيْ عَلَى الْوَصِيَّةِ (قَوْلُهُ: حَتَّى يَقْرَأَ عَلَيْهِ) أَيْ الْمُوصِي الْكِتَابَ أَيْ وَيَعْتَرِفُونَ بِمَا فِيهِ (قَوْلُهُ: يَجْرِي فِيهَا تَفْصِيلُ الْأَخْرَسِ إلَخْ) أَيْ فَإِنْ فَهِمَهَا كُلُّ أَحَدٍ فَصَرِيحَةٌ أَوْ الْفَطِنُ فَكِنَايَةٌ وَإِلَّا فَلَغْوٌ (قَوْلُهُ وَمَرَّ أَنَّ كِتَابَتَهُ) أَيْ مِنْ خَرَسٍ (قَوْلُهُ: أَوْ كِتَابَتَهُ) أَيْ ثَانِيَةً (قَوْلُهُ: فَالْأَوْجَهُ أَنَّهُ وَصِيَّةٌ) فَإِنْ قَالَ فِي الثَّانِيَةِ صَدِّقُوهُ بِيَمِينِهِ بِلَا بَيِّنَةٍ لَمْ تَكُنْ بَيِّنَةً عَلَى الْأَوْجَهِ اهـ حَجّ: أَيْ وَيَكُونُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ (قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا قَنَعَ مِنْهُ) أَيْ مِمَّنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ، وَقَوْلُهُ بِحُجَّةٍ هِيَ قَوْلُهُ وَفَّيْت مَثَلًا بَدَلَ حُجَّتِهِ أَيْ الَّتِي تُطْلَبُ مِنْهُ وَهِيَ الْبَيِّنَةُ (قَوْلُهُ: لِمَا عُلِمَ أَنَّهُ فِيهَا وَقْتُهُ) أَمَّا مَا جُهِلَ حَالُهُ أَوْ عُلِمَ أَنَّهُ حَدَثَ بَعْدُ فَلَا يَكُونُ إقْرَارًا بِهِ.
(قَوْلُهُ وَإِنْ أَوْصَى) مُسْتَأْنَفٌ
[حاشية الرشيدي]
أَنْ يَكُونَ كُلٌّ مِنْ اللَّفْظَيْنِ رَاجِعًا إلَى مَا وَلِيَهُ فَقَطْ دُونَ مَا قَبْلَهُ (قَوْلُهُ: حَتَّى يَقْرَأَ عَلَيْهِ الْكِتَابَ) اُنْظُرْ هَلْ يُكْفَى الشَّاهِدُ فِي أَدَاءِ الشَّهَادَةِ هُنَا أَنْ يَحْكِيَ مَا وَقَعَ مِنْ الْمُوصِي وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ الْمَكْتُوبَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute