للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَإِنْ كَانَ التَّصَوُّفَ الْمَبْنِيُّ عَلَيْهِ تَطْهِيرُ الظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ مِنْ كُلِّ خُلُقٍ دَنِيٍّ وَتَحْلِيَتُهُمَا بِكُلِّ كَمَالٍ دِينِيٍّ هُوَ أَفْضَلُ الْعُلُومِ لِمَا مَرَّ مِنْ الْعُرْفِ.

وَلَوْ أَوْصَى لِلْفُقَهَاءِ دَخَلَ الْفَاضِلُ دُونَ الْمُبْتَدِي مِنْ شَهْرٍ وَنَحْوِهِ وَلِلْمُتَوَسِّطِ بَيْنَهُمَا دَرَجَاتٌ يَجْتَهِدُ الْمُفْتِي فِيهَا وَالْوَرَعُ تَرْكُ الْأَخْذِ أَوْ لِلْقُرَّاءِ لَمْ يُعْطَ إلَّا مَنْ يَحْفَظُ كُلَّ الْقُرْآنِ عَلَى ظَهْرِ قَلْبٍ أَوْ لِلزُّهَّادِ فَلِمَنْ لَمْ يَطْلُبْ مِنْ الدُّنْيَا سِوَى مَا يَكْفِيهِ وَعِيَالَهُ، أَوْ لِأَعْقَلِ النَّاسِ فَلِأَزْهَدِهِمْ فِي الدُّنْيَا، وَمِثْلُهُ أَكْيَسُهُمْ كَمَا قَالَهُ الْقَاضِي، أَوْ لِأَجْهَلِهِمْ فَلِعَبَدَةِ الْأَوْثَانِ، فَإِنْ قَالَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَلِمَنْ يَسُبُّ الصَّحَابَةَ، وَلَا يَقْدَحُ فِي ذَلِكَ كَوْنُهَا مَعْصِيَةً، وَهِيَ فِي الْجِهَةِ مُبْطِلَةٌ؛ لِأَنَّ الضَّارَّ ذِكْرُ الْمَعْصِيَةِ لَا مَا قَدْ يَسْتَلْزِمُهَا أَوْ يُقَارِنُهَا كَمَا هُنَا، وَمِنْ ثَمَّ يَنْبَغِي بَلْ يَتَعَيَّنُ بُطْلَانُهَا لَوْ قَالَ لِمَنْ يَعْبُدُ الْوَثَنَ أَوْ يَسُبُّ الصَّحَابَةَ، وَقَبُولُ شَهَادَةِ السَّابِّ لَا يَمْنَعُ عِصْيَانَهُ بِالسَّبِّ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي، أَوْ لِأَبْخَلِ النَّاسِ صُرِفَ إلَى مَانِعِي الزَّكَاةِ كَمَا قَالَهُ الْبَغَوِيّ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُصْرَفَ إلَى مَنْ لَا يُقْرِي الضَّيْفَ أَوْ لِأَحْمَقِ النَّاسِ.

قَالَ الرُّويَانِيُّ: قَالَ إبْرَاهِيمُ الْحَرْبِيُّ: يُصْرَفُ إلَى مَنْ يَقُولُ بِالتَّثْلِيثِ، وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: عِنْدِي أَنَّهُ يُصْرَفُ إلَى أَسْفَهِ النَّاسِ؛ لِأَنَّ الْحُمْقَ يَرْجِعُ إلَى الْفِعْلِ دُونَ الِاعْتِقَادِ، أَوْ لِلسَّادَةِ فَالْمُتَبَادَرُ عُرْفًا بَلْ وَشَرْعًا فِيمَا يَظْهَرُ أَنَّهُمْ الْأَشْرَافُ الْآتِي بَيَانُهُمْ.

وَالصُّوفِيَّةُ الْعَامِلُونَ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا، وَسَيِّدُ النَّاسِ الْخَلِيفَةُ؛ لِأَنَّهُ الْمُتَبَادَرُ مِنْهُ، وَالشَّرِيفُ الْمُنْتَسِبُ مِنْ جِهَةِ الْأَبِ إلَى الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ؛ لِأَنَّ الشَّرَفَ وَإِنْ عَمَّ كُلَّ رَفِيعٍ إلَّا أَنَّهُ اخْتَصَّ بِأَوْلَادِ فَاطِمَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - عُرْفًا مُطَّرِدًا عِنْدَ الْإِطْلَاقِ

(وَيَدْخُلُ فِي وَصِيَّةِ الْفُقَرَاءِ الْمَسَاكِينِ وَعَكْسُهُ) وَالْمُرَادُ بِهِمَا هُنَا مَا يَأْتِي فِي قِسْمِ الصَّدَقَاتِ فَيَتَعَيَّنُ الْمُسْلِمُونَ، فَمَا وَصَّى بِهِ لِأَحَدِهِمَا يَجُوزُ دَفْعُهُ إلَى الْآخَرِ؛ لِأَنَّهُمَا إذَا افْتَرَقَا اجْتَمَعَا وَإِذَا اجْتَمَعَا افْتَرَقَا، وَيَجُوزُ النَّقْلُ هُنَا إلَى غَيْرِ فُقَرَاءَ بَلَدِ الْمَالِ؛ لِأَنَّ الْأَطْمَاعَ إلَيْهَا لَا تَمْتَدُّ كَامْتِدَادِهَا فِي الزَّكَاةِ وَالْوَصِيَّةُ لِلْيَتَامَى أَوْ الْأَرَامِلِ أَوْ الْأَيَامَى أَوْ الْعُمْيَانِ أَوْ الْحُجَّاجِ أَوْ الزَّمْنَى أَوْ أَهْلِ السُّجُونِ أَوْ الْغَارِمِينَ أَوْ لِتَكْفِينِ الْمَوْتَى أَوْ حَفْرِ قُبُورِهِمْ

ــ

[حاشية الشبراملسي]

قَوْلُهُ لِمَا مَرَّ) عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ لَا مُقْرِئَ إلَخْ (قَوْلُهُ: عَلَى ظَهْرِ قَلْبٍ) أَيْ عُرْفًا فَلَا يَضُرُّ غَلَطٌ يَسِيرٌ وَلَا لَحْنٌ كَذَلِكَ فِيمَا يَظْهَرُ (قَوْلُهُ: سِوَى مَا يَكْفِيهِ) أَيْ فِي الْحَالَةِ الرَّاهِنَةِ (قَوْلُهُ: فَلِأَزْهَدِهِمْ) أَيْ الْأَشَدِّ تَبَاعُدًا عَنْهَا مِنْ غَيْرِهِ فَيُحَافِظُ عَلَى أَقَلَّ مَا يَكْفِيهِ وَيَتْرُكُ مَا زَادَ وَإِنْ تَحَقَّقَهُ مِنْ الْحَلَالِ الصِّرْفِ.

[فَرْعٌ] وَقَعَ السُّؤَالُ فِي الدَّرْسِ عَمَّا لَوْ أَوْصَى لِلْأَوْلِيَاءِ هَلْ تُصَحَّحُ وَصِيَّتَهُ وَتُدْفَعُ لِلْأَصْلَحِ أَوْ تُلْغَى؟ فِيهِ نَظَرٌ.

وَالْجَوَابُ أَنَّ الظَّاهِرَ أَنْ يُقَالَ فِيهِ: إنَّهُ إنْ وُجِدَ مَنْ يَنْطَبِقُ عَلَيْهِ تَعْرِيفُ الْوَلِيِّ بِأَنَّهُ الْمُلَازِمُ لِلطَّاعَةِ التَّارِكُ لِلْمَعْصِيَةِ الْغَيْرُ الْمُنْهَمِكِ عَلَى الشَّهَوَاتِ أُعْطِيَ الْمُوصَى بِهِ لَهُ وَإِلَّا لَغَتْ الْوَصِيَّةُ، وَلَا يُشْتَرَطُ وُجُودُ الْوَلِيِّ فِي بَلَدِ الْمُوصِي، بَلْ حَيْثُ وُجِدَ مَنْ اجْتَمَعَتْ فِيهِ شُرُوطُ الْوَلِيِّ فِي أَيِّ مَحَلٍّ وَإِنْ بَعُدَ عَنْ بَلَدِ الْمُوصِي أُعْطِيَهُ لِمَا يَأْتِي مِنْ أَنَّهُ يَجُوزُ النَّقْلُ هُنَا إلَى غَيْرِ فُقَرَاءِ بَلَدِ الْمَالِ إلَخْ (قَوْلُهُ: وَمِثْلُهُ أَكَيْسُهُمْ) أَيْ أَحْسَنُهُمْ (قَوْلُهُ: وَقَبُولُ شَهَادَةِ السَّابِّ) أَيْ لِلصَّحَابَةِ (قَوْلُهُ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي) وَعِبَارَتُهُ فِي الشَّهَادَاتِ وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ كُلِّ مُبْتَدِعٍ لَا نُكَفِّرُهُ بِبِدْعَتِهِ وَإِنْ سَبَّ الصَّحَابَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أَوْ اسْتَحَلَّ أَمْوَالَنَا وَدِمَاءَنَا (قَوْلُهُ: إلَى مَانِعِي الزَّكَاةَ إلَخْ) مُعْتَمَدٌ، وَقَوْلُهُ إلَى مَنْ يَقُولُ بِالتَّثْلِيثِ مُعْتَمَدٌ (قَوْلُهُ أَوْ لِلسَّادَةِ) خَرَجَ بِهِ مَا لَوْ قَالَ لِلسَّادَاتِ فَيُحْمَلُ عَلَى سَادَاتِنَا بَنِي الْوَفَاءِ نَفَعَنَا اللَّهُ بِهِمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ (قَوْلُهُ: وَسَيِّدُ النَّاسِ الْخَلِيفَةُ) أَيْ الْإِمَامُ (قَوْلُهُ: إلَّا أَنَّهُ اخْتَصَّ بِأَوْلَادِ فَاطِمَةَ) وَهَؤُلَاءِ هُمْ الَّذِينَ جُعِلَتْ لَهُمْ الْعَلَامَةُ الْخَضْرَاءُ لِيَمْتَازُوا بِهَا فَلَا يَلِيقُ بِغَيْرِهِمْ مِنْ بَقِيَّةِ آلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لُبْسُهُ؛ لِأَنَّهُ تَزَيَّا بِزِيِّهِمْ فَيُوهِمُ انْتِسَابَهُ لِلْحَسَنِ أَوْ الْحُسَيْنِ مَعَ انْتِفَاءِ نَسَبِهِ عَنْهُمَا وَيُمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ فَاعْلَمْهُ وَتَنَبَّهْ لَهُ

(قَوْلُهُ: إلَى غَيْرِ فُقَرَاءِ بَلَدِ الْمَالِ) أَيْ حَيْثُ أُطْلِقَ فِي الْوَصِيَّةِ فَإِنْ خَصَّ الْوَصِيَّةَ بِأَنْ قَالَ أَوْصَيْت لِفُقَرَاءِ بَلَدِ كَذَا اخْتَصَّ بِهِمْ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا فَقِيرٌ وَقْتَهَا بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ كَمَا تَقَدَّمَ

ــ

[حاشية الرشيدي]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

<<  <  ج: ص:  >  >>