تَقْتَضِي اشْتِرَاطَ فَقْرِهِمْ وَإِنْ اسْتَبْعَدَهُ الْأَذْرَعِيُّ فِي الْحُجَّاجِ، وَوَجْهُ اعْتِبَارِهِ فِيهِمْ أَنَّ الْحَجَّ يَسْتَلْزِمُ السَّفَرَ بَلْ طُولُهُ غَالِبًا وَهُوَ يَسْتَلْزِمُ الْحَاجَةَ غَالِبًا فَكَانَ مُشْعِرًا بِالْفَقْرِ فَلِذَا اخْتَصَّ بِفُقَرَائِهِمْ، وَالْيَتِيمُ صَغِيرٌ لَا أَبَ لَهُ، وَالْأَيِّمُ وَالْأَرْمَلَةُ مَنْ لَا زَوْجَ لَهَا، إلَّا أَنَّ الْأَرْمَلَةَ مَنْ بَانَتْ مِنْ زَوْجِهَا بِمَوْتٍ أَوْ بَيْنُونَةٍ، وَالْأَيِّمُ لَا يُشْتَرَطُ فِيهَا تَقَدُّمُ زَوْجٍ، وَيَشْتَرِكَانِ فِي اشْتِرَاطِ الْخُلُوِّ عَنْ الزَّوْجِ حَالًا، وَلَوْ أَوْصَى لِلْأَرَامِلِ أَوْ الْأَبْكَارِ أَوْ الثَّيِّبِ لَمْ يَدْخُلْ فِيهِنَّ الرِّجَالُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ زَوْجَاتٌ أَوْ لِلْعُزَّابِ صُرِفَ لِرَجُلٍ لَا زَوْجَةَ لَهُ، وَلَا تَدْخُلُ الْمَرْأَةُ الْخَلِيَّةُ فِي أَوْجَهِ الرَّأْيَيْنِ.
(وَلَوْ جَمَعَهُمَا) أَيْ النَّوْعَيْنِ فِي وَصِيَّةٍ (شُرِّكَ) الْمُوصَى بِهِ بَيْنَهُمَا: أَيْ شَرَّكَهُ الْوَصِيُّ إنْ كَانَ وَإِلَّا فَالْحَاكِمُ (نِصْفَيْنِ) فَيُحْمَلُ نِصْفُ الْمُوصَى بِهِ لِلْفُقَرَاءِ وَنِصْفُهُ لِلْمَسَاكِينِ كَمَا فِي الزَّكَاةِ، وَلَا يُقَسَّمُ ذَلِكَ عَلَى عَدَدِ رُءُوسِهِمْ، وَلَا يَجِبُ اسْتِيعَابُهُمْ بَلْ يُسْتَحَبُّ عِنْدَ الْإِمْكَانِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ أَوْصَى لِبَنِي زَيْدٍ وَبَنِي عَمْرٍو حَيْثُ يُقَسَّمُ عَلَى عَدَدِهِمْ وَلَا يُنَصَّفُ (وَأَقَلُّ كُلِّ صِنْفٍ) مِنْ الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ مَثَلًا حَيْثُ لَمْ يُقَيَّدُوا بِمَحَلٍّ أَوْ قُيِّدُوا بِهِ وَهُمْ غَيْرُ مَحْصُورِينَ (ثَلَاثَةٌ) ؛ لِأَنَّهَا أَقَلُّ الْجَمْعِ، فَإِنْ دَفَعَ الْوَصِيُّ أَوْ الْوَارِثُ أَوْ الْحَاكِمُ بِغَيْرِ اجْتِهَادٍ أَوْ تَقْلِيدٍ صَحِيحٍ لِاثْنَيْنِ مِنْهُمْ غَرِمَ لِلثَّالِثِ أَقَلَّ مُتَمَوَّلٍ ثُمَّ إنْ لَمْ يَتَعَمَّدْ اسْتَقَلَّ بِالدَّفْعِ إلَيْهِ لِبَقَاءِ عَدَالَتِهِ، وَإِلَّا بِأَنْ تَعَمَّدَ وَعَلِمَ حُرْمَةَ ذَلِكَ دَفَعَهُ إلَى الْحَاكِمِ، وَهُوَ يَدْفَعُهُ لَهُ أَوْ يَرُدُّهُ لِلدَّافِعِ وَيَأْمُرُهُ بِدَفْعِهِ لَهُ كَذَا قَالُوهُ، وَقَدْ يُقَالُ: كَيْفَ سَاغَ لِلْحَاكِمِ الدَّفْعُ لَهُ وَلَوْ لِيَدْفَعَهُ لِغَيْرِهِ مَعَ فِسْقِهِ بِتَعَمُّدِ ذَلِكَ، وَيُمْكِنُ حَمْلُ كَلَامِهِمْ عَلَى مَا إذْ تَابَ، إذْ الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي مِثْلِ هَذَا اسْتِبْرَاءٌ، وَالْأَوْجَهُ كَمَا بَحَثَهُ الْأَذْرَعِيُّ تَعَيُّنِ الِاسْتِرْدَادِ مِنْهُمَا إنْ أَعْسَرَ الدَّافِعُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ أَهْلًا لِلتَّبَرُّعِ (وَلَهُ) أَيْ الْوَصِيِّ وَإِلَّا فَالْحَاكِمِ (التَّفْضِيلُ) بَيْنَ آحَادِ كُلِّ صِنْفٍ وَيَتَأَكَّدُ تَفْضِيلُ الْأَشَدِّ حَاجَةً.
وَالْأَوْلَى إنْ لَمْ يُرِدْ التَّعْمِيمَ الْأَفْضَلُ تَقْدِيمُ أَرْحَامِ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
قَوْلُهُ: تَقْتَضِي اشْتِرَاطَ فَقْرِهِمْ) أَيْ مَا يَنْطَبِقُ عَلَيْهِ اسْمُ الْفَقِيرِ أَوْ الْمِسْكَيْنِ شَرْعًا (قَوْلُهُ: وَوَجْهُ اعْتِبَارِهِ) أَيْ الْفَقْرِ (قَوْلُهُ: لَمْ يَدْخُلْ فِيهِنَّ الرِّجَالُ) أَيْ وَإِنْ كَانَ يُطْلَقُ عَلَيْهِمْ الْأَرَامِلُ لُغَةً، وَلَعَلَّ وَجْهَ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ أَنَّ إطْلَاقَ الْأَرَامِلِ عَلَى الرَّجُلِ قَلِيلٌ فَلَمْ يُحْمَلْ عَلَيْهِ وَحُمِلَ عَلَى الْأَكْثَرِ؛ لِأَنَّهُ الْمُتَعَارَفُ (قَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ) أَيْ لِلرَّجُلِ (قَوْلُهُ: وَلَا يُقَسَّمُ ذَلِكَ عَلَى عَدَدِ رُءُوسِهِمْ) ظَاهِرُهُ وَإِنْ انْحَصَرُوا لَكِنْ سَيَأْتِي قَوْلُهُ أَوْ قُيِّدُوا بِهِ وَهُمْ غَيْرُ مَحْصُورِينَ: أَيْ فَيَكْفِي ثَلَاثَةٌ مِنْ كُلِّ صِنْفٍ، وَمَفْهُومُهُ أَنَّهُمْ إنْ انْحَصَرُوا وَجَبَ اسْتِيعَابُهُمْ، وَأَصْرَحُ مِنْهُ فِي ذَلِكَ قَوْلُهُ وَمَرَّ أَنَّهُمْ مَتَى انْحَصَرُوا وَجَبَ قَبُولُهُمْ وَاسْتِيعَابُهُمْ (قَوْلُهُ: حَيْثُ يُقَسَّمُ عَلَى عَدَدِهِمْ) وَالْفَرْقُ بَيْنَ ذَلِكَ وَبَيْنَ مَا لَوْ قَالَ: أَوْصَيْت لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ حَيْثُ شَرَّكَ بَيْنَهُمَا مُنَاصَفَةً أَنَّ بَنِي زَيْدٍ وَبَنِي عَمْرٍو لَمْ يَقْصِدْ بِذِكْرِ بَنِي فِيهِمَا إلَّا مُجَرَّدَ التَّمْيِيزِ عَنْ غَيْرِهِمَا مِنْ جِنْسِهِمَا، بِخِلَافِ الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ فَإِنَّهُمَا لَمَّا اتَّصَفَا بِوَصْفَيْنِ مُتَبَايِنَيْنِ دَلَّ عَلَى اسْتِقْلَالِ كُلٍّ مِنْهُمَا بِحُكْمٍ فَقُسِّمَ بَيْنَهُمَا مُنَاصَفَةً (قَوْلُهُ: أَوْ الْوَارِثُ) لَمْ يَتَقَدَّمْ مَا يُفِيدُ أَنَّ لِلْوَارِثِ الدَّفْعَ بَلْ قَوْلُهُ: أَيْ شَرَّكَهُ الْوَصِيُّ إنْ كَانَ وَإِلَّا فَالْحَاكِمُ يَقْتَضِي أَنَّ الْوَارِثَ لَيْسَ لَهُ الدَّفْعُ، وَعَلَيْهِ فَلَعَلَّ الْوَارِثَ لَيْسَ لَهُ الدَّفْعُ لِاتِّهَامِهِ، لَكِنْ لَوْ تَعَدَّى بِالدَّفْعِ اُعْتُدَّ بِهِ، وَقَوْلُهُ لِبَقَاءِ عَدَالَتِهِ وَإِلَّا أَيْ بِأَنْ تَعَمَّدَ (قَوْلُهُ: غَرِمَ لِلثَّالِثِ) أَيْ إنْ كَانَ مُوسِرًا وَلَوْ مَآلًا (قَوْلُهُ: وَهُوَ) أَيْ الْحَاكِمُ (قَوْلُهُ: تَعَيَّنَ الِاسْتِرْدَادُ) اُنْظُرْ مَا يَسْتَرِدُّهُ هَلْ هُوَ الْجَمِيعُ لِفَسَادِ الدَّفْعِ أَوْ ثُلُثُ مَا دَفَعَهُ إلَيْهِمَا أَوْ أَقَلَّ مُتَمَوَّلٍ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي يَغْرَمُهُ لَوْ كَانَ مُوسِرًا فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَقْرَبُ الثَّالِثُ، وَعَلَيْهِ هَلْ يَتَعَيَّنُ فِيمَا يَسْتَرِدُّهُ أَنْ يَكُونَ مِنْهُمَا أَوْ يَكْفِي مِنْ أَحَدِهِمَا وَكَانَ مَا بَقِيَ بِيَدِهِ هُوَ الَّذِي دَفَعَهُ لَهُ ابْتِدَاءً فِيهِ نَظَرٌ، وَلَعَلَّ الثَّانِيَ أَقْرَبُ (قَوْلُهُ مِنْهُمَا) أَيْ الِاثْنَيْنِ الْمَدْفُوعِ لَهُمَا (قَوْلُهُ: وَإِلَّا فَالْحَاكِمُ) وَإِذَا اخْتَلَفَ اعْتِقَادُ الْحَاكِمِ وَاعْتِقَادُ الْمُوصَى لَهُ فَهَلْ الْعِبْرَةُ بِاعْتِقَادِ الْحَاكِمِ أَوْ لَا؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَقْرَبُ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ زَوْجَاتٌ) الْأَوْلَى لَهُمْ (قَوْلُهُ: وَالْأَوْجَهُ كَمَا بَحَثَهُ الْأَذْرَعِيُّ تَعَيُّنُ الِاسْتِرْدَادَ مِنْهُمَا) أَيْ الِابْنَيْنِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute