فِيهِ امْتَنَعَ عَلَيْهِ الْبَيْعُ وَلَزِمَهُ وَفَاءُ الدَّيْنِ مِنْ مَالِهِ، وَيَظْهَرُ أَنَّ مَحَلَّهُ عِنْدَ عَدَمِ اضْطِرَارِهِ إلَى الصَّرْفِ مِنْ مَالِهِ وَإِلَّا كَأَنْ لَمْ يَجِدْ مُشْتَرِيًا رَجَعَ إنْ أَذِنَ لَهُ حَاكِمٌ أَوْ فَقَدَهُ وَأَشْهَدَ بِنِيَّةِ الرُّجُوعِ نَظِيرَ مَا مَرَّ آنِفًا، وَلَوْ أَوْصَى بِقَضَاءِ الدَّيْنِ مِنْ عَيْنٍ بِتَعْوِيضِهَا فِيهِ وَهِيَ تُسَاوِيهِ أَوْ تَزِيدُ وَقَبِلَ الْوَصِيَّةَ بِالزَّائِدِ كَمَا هُوَ وَاضِحٌ أَوْ مِنْ ثَمَنِهَا تَعَيَّنَ فَلَيْسَ لِلْوَرَثَةِ إمْسَاكُهَا، وَمِنْهُ يُؤْخَذُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ الْوَصِيَّ اسْتِئْذَانُهُمْ فِيهَا، بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يُعَيِّنْ لَا يَتَصَرَّفُ حَتَّى يَسْتَأْذِنَهُمْ؛ لِأَنَّهَا مِلْكُهُمْ، فَإِنْ غَابُوا اسْتَأْذَنَ الْحَاكِمُ، وَبَحَثَ بَعْضُهُمْ صِحَّةَ إذَا مِتُّ فَفَرِّقْ مَا أَسْتَحِقُّهُ عَلَيْك مِنْ الدَّيْنِ لِلْفُقَرَاءِ وَفِي آخِرِ الْوَكَالَةِ مَا يُؤَيِّدُهُ، وَلِلْمُشْتَرِي مِنْ نَحْوِ وَصِيٍّ وَقَيِّمٍ وَوَكِيلٍ وَعَامِلِ قِرَاضٍ أَنْ لَا يُسَلِّمَهُ الثَّمَنَ حَتَّى تَثْبُتَ وِلَايَتُهُ عِنْدَ الْحَاكِمِ.
قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ: وَلَوْ قَالَ ضَعْ ثُلُثِي حَيْثُ شِئْت لَمْ يَجُزْ لَهُ الْأَخْذُ لِنَفْسِهِ: أَيْ وَإِنْ نَصَّ لَهُ عَلَى ذَلِكَ لِاتِّحَادِ الْقَابِضِ وَالْمُقْبَضِ وَلَا لِمَنْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لَهُ: أَيْ إلَّا أَنْ يَنُصَّ لَهُ عَلَيْهِ بِمُسْتَقِلٍّ إذْ لَا اتِّحَادَ وَلَا تُهْمَةَ حِينَئِذٍ (وَالنَّظَرُ فِي أَمْرِ الْأَطْفَالِ) وَالْمَجَانِينِ وَالسُّفَهَاءِ، وَكَذَا الْحَمْلُ الْمَوْجُودُ عِنْدَ الْإِيصَاءِ وَلَوْ مُسْتَقِلًّا كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ جَمْعٍ مُتَقَدِّمِينَ وَسَكَتَ عَلَيْهِ جَمْعٌ مُتَأَخِّرُونَ، وَيَدْخُلُ مَنْ حَدَثَ بَعْدَ الْإِيصَاءِ عَلَى أَوْلَادِهِ تَبَعًا فِيمَا يَظْهَرُ كَمَا فِي الْوَقْفِ، وَبَحَثَ الْأَذْرَعِيُّ وُجُوبَهُ فِي أَمْرِ نَحْوِ الْأَطْفَالِ إلَى ثِقَةٍ مَأْمُونٍ وَجِيهٍ كَافٍّ إذَا وَجَدَهُ أَوْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّ تَرْكَهُ يُؤَدِّي إلَى اسْتِيلَاءِ خَائِنٍ مِنْ قَاضٍ أَوْ غَيْرِهِ عَلَى أَمْوَالِهِمْ، وَفِي هَذَا ذَهَابٌ إلَى أَنَّهُ يَلْزَمُهُ حِفْظُ مَالِهِمْ بِمَا قَدَرَ عَلَيْهِ بَعْدَ مَوْتِهِ كَمَا فِي حَيَاتِهِ.
وَلَهُ أَرْبَعَةُ أَرْكَانٍ: مُوصٍ وَوَصِيٌّ وَمُوصَى فِيهِ وَصِيغَةٌ (وَشَرْطُ الْوَصِيِّ) تَعْيِينٌ وَ (تَكْلِيفٌ) أَيْ بُلُوغٌ وَعَقْلٌ؛ لِأَنَّ غَيْرَهُ لَا يَلِي أَمْرَ نَفْسِهِ فَغَيْرُهُ أَوْلَى، وَسَيَأْتِي أَنَّهُ لَوْ أَوْصَى لِفُلَانٍ إلَى بُلُوغِ ابْنِهِ أَوْ قُدُومِ زَيْدٍ فَإِذَا بَلَغَ أَوْ قَدِمَ فَهُوَ الْوَصِيُّ جَازَ، وَلَا يُرَدُّ عَلَى هَذَا؛ لِأَنَّهُ فِي الْإِيصَاءِ الْمُنَجَّزِ وَذَاكَ فِي الْإِيصَاءِ الْمُعَلَّقِ (وَحُرِّيَّةٌ) كَامِلَةٌ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
قَوْلُهُ: وَإِلَّا كَأَنْ لَمْ يَجِدْ مُشْتَرِيًا) أَيْ أَوْ خِيفَ تَغَيُّرُ الْمَيِّتِ لَوْ اشْتَغَلَ بِالْبَيْعِ (قَوْلُهُ: بِتَعْوِيضِهَا فِيهِ) أَيْ الدَّيْنِ (قَوْلُهُ لَا يَتَصَرَّفُ حَتَّى يَسْتَأْذِنَهُمْ) أَيْ وَمِثْلُهُ مَا لَوْ لَمْ يَقْبَلْ الْمُوصَى لَهُ الْعَيْنَ الَّتِي أَوْصَى بِتَعْوِيضِهَا لَهُ (قَوْلُهُ: وَفِي آخِرِ الْوَكَالَةِ مَا يُؤَيِّدُهُ) يُرَاجَعُ وَجْهُهُ فَإِنَّ الشَّخْصَ لَا يَكُونُ وَكِيلًا عَنْ غَيْرِهِ فِي إزَالَةِ مِلْكِهِ كَمَا قَالُوهُ، ثُمَّ ابْنُ حَجَرٍ قَالَ بَعْدَ اسْتِشْكَالِ مَا ذَكَرَ بِاتِّحَادِ الْقَابِضِ وَالْمُقْبِضِ أَنَّهُ يُقَدَّرُ هُنَا أَنَّ الْفُقَرَاءَ وُكَلَاؤُهُ كَمَا قُدِّرَ أَنَّ الْمُعَمِّرِينَ وُكَلَاؤُهُ فِي إذْنِ الْأَجِيرِ لِلْمُسْتَأْجِرِ فِي الْعِمَارَةِ، وَقَدْ يُقَالُ لَا يُحْتَاجُ لِهَذَا التَّقْدِيرِ هُنَا بَلْ سَبَبُهُ الْخَوْفُ مِنْ اسْتِيلَاءِ نَحْوِ قَاضٍ بِالْقَبْضِ مِنْهُ ثُمَّ إقْبَاضُهُ وَإِنْ كَانَ هُوَ الْقِيَاسُ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ فِي الْقُضَاةِ وَنَحْوِهِمْ الْخِيَانَةُ لَا سِيَّمَا فِي الصَّدَقَاتِ، وَقَدْ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ بِهِ فِي قُضَاةِ زَمَنِهِ وَهُمْ أَحْسَنُ حَالًا مِمَّنْ بَعْدَهُمْ أَنَّهُمْ كَقَرِيبِي عَهْدٍ بِالْإِسْلَامِ (قَوْلُهُ: لَمْ يَجُزْ لَهُ الْأَخْذُ لِنَفْسِهِ) وَمِثْلُ الْوَكِيلِ بِالصَّدَقَةِ وَطَرِيقُهُ أَنْ يَقُولَ لَهُ عَيِّنْ لِي مَا آخُذُهُ بِأَنْ يُمَيِّزَهُ لَهُ وَيَدْفَعَهُ لَهُ، وَكَتَبَ أَيْضًا لَطَفَ اللَّهُ بِهِ قَوْلُهُ: لَمْ يَجُزْ لَهُ الْأَخْذُ لِنَفْسِهِ أَيْ وَلَهُ الصَّرْفُ لِمَنْ شَاءَ مِنْ غَيْرِ مَنْ ذَكَرَ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْغَنِيِّ وَالْفَقِيرِ وَالْمُسْلِمِ وَالْكَافِرِ وَالْوَارِثِ وَغَيْرِهِ كَمَا لَوْ أَوْصَى لِأَقَارِبِ زَيْدٍ فَإِنَّهُ يَدْخُلُ فِيهِ جَمِيعُ أَقَارِبِهِ مِمَّنْ ذَكَرَ، وَعَلَيْهِ فَيُفَرَّقُ بَيْنَ مَا لَوْ أَوْصَى لِلْيَتَامَى أَوْ الزَّمْنَى أَوْ نَحْوِهِمَا مِمَّنْ مَرَّ حَيْثُ اُشْتُرِطَ فِي الْمَدْفُوعِ لَهُمْ الْفَقْرُ أَنَّ لَفْظَ الْيُتْمِ وَنَحْوَهُ يُشْعِرُ بِذَلِكَ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُدْفَعَ مِنْهُ شَيْءٌ لِوَرَثَةِ الْمُوصَى كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ: وَإِنْ نَصَّ لَهُ عَلَى ذَلِكَ) أَيْ أَخْذِ نَفْسِهِ، وَقَوْلُهُ بِمُسْتَقِلٍّ، أَيْ بِقَدْرٍ مُسْتَقِلٍّ (قَوْلُهُ وَلَوْ مُسْتَقِلًّا) أَيْ بِالْوَصِيَّةِ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ أَنَّهُ يَلْزَمُهُمْ حِفْظُ مَالِهِمْ) أَيْ الْمَوْجُودِ بِأَنْ آلَ إلَيْهِمْ بِطَرِيقٍ مِنْ الطُّرُقِ وَمَا يَئُولُ إلَيْهِمْ مِنْهُ بَعْدَ مَوْتِهِ.
(قَوْلُهُ: وَلَا يَرِدُ عَلَى هَذَا) يُتَأَمَّلُ وَجْهُ الْوُرُودِ حَتَّى يَحْتَاجَ إلَى الْجَوَابِ
[حاشية الرشيدي]
قَالَ بِيعُوا بَعْضَ تَرِكَتِي وَكَفِّنُونِي مِنْهُ فَلْيُرَاجَعْ (قَوْلُهُ: أَوْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّ تَرْكَهُ إلَخْ) كَذَا فِي النُّسَخِ، وَالصَّوَابُ إسْقَاطُ الْأَلِفِ قَبْلَ قَوْلِهِ أَوْ غَلَبَ كَمَا هُوَ كَذَلِكَ فِي كَلَامِ الْأَذْرَعِيِّ
(قَوْلُهُ وَلَا يَرِدُ عَلَى هَذَا) لَا يَخْفَى أَنَّ الْوَارِدَ إنَّمَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute