مَا فُوِّضَ لَهُ تَفْرِقَتُهُ غَرِمَهُ، وَلَهُ اسْتِرْدَادُ بَدَلِ مَا دَفَعَهُ مِمَّنْ عَرَفَهُ لِتَبَيُّنِ أَنَّهُ لَمْ يَقَعْ الْمَوْقِعَ فَإِنْ بَقِيَتْ عَيْنُ الْمَدْفُوعِ اسْتَرَدَّهُ الْحَاكِمُ وَأَسْقَطَ عَنْهُ مِنْ الْغُرْمِ بِقَدْرِهِ كَمَا لَا يَخْفَى وَمَرَّ أَنَّ لِلْمُسْتَحِقِّ لِعَيْنِ الِاسْتِقْلَالِ بِأَخْذِهَا وَأَنَّ لِلْأَجْنَبِيِّ أَخْذُهَا وَدَفْعُهَا إلَيْهِ فَمَا هُنَا فِي غَيْرِ ذَلِكَ (وَإِسْلَامٌ) فَلَا تَصِحُّ مِنْ مُسْلِمٍ لِكَافِرٍ لِتُهْمَتِهِ، وَمَا بَحَثَهُ الْإِسْنَوِيُّ مِنْ أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْمُسْلِمُ وَصِيَّ ذِمِّيٍّ فَوَّضَ لَهُ وِصَايَةً عَلَى أَوْلَادِهِ الذِّمِّيِّينَ جَازَ لَهُ إيصَاءُ ذِمِّيٍّ مَرْدُودٌ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الْعِمَادِ وَغَيْرُهُ بِأَنَّ الْوَصِيَّ يَلْزَمُهُ النَّظَرُ بِالْمَصْلَحَةِ الرَّاجِحَةِ وَالتَّفْوِيضُ لِمُسْلِمٍ أَرْجَحُ فِي نَظَرِ الشَّرْعِ مِنْهُ لِذِمِّيٍّ، فَالْوَجْهُ تَعَيُّنُ الْمُسْلِمِ هُنَا أَيْضًا، وَأُخِذَ مِنْ التَّعْلِيلِ الْمَذْكُورِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ لِمُسْلِمٍ وَلَدٌ بَالِغٌ ذِمِّيٌّ سَفِيهٌ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُوصِيَ عَلَيْهِ ذِمِّيًّا وَهُوَ كَذَلِكَ خِلَافًا لِبَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ وَالتَّنْظِيرُ فِيهِ بِظُهُورِ الْفَرْقِ بَيْنَ الْأَبِ وَالْوَصِيِّ مَرْدُودٌ بِجَامِعِ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَلْزَمُهُ رِعَايَةُ الْمَصْلَحَةِ الرَّاجِحَةِ فِي نَظَرِ الشَّرْعِ، وَذَكَرَ الْإِسْلَامَ بَعْدَ الْعَدَالَةِ؛ لِأَنَّ الْكَافِرَ قَدْ يَكُونُ عَدْلًا فِي دِينِهِ وَبِفَرْضِ عِلْمِهِ مِنْ الْعَدَالَةِ يَكُونُ تَوْطِئَةً لِقَوْلِهِ (لَكِنَّ الْأَصَحَّ جَوَازُ وَصِيَّةِ ذِمِّيٍّ) أَوْ نَحْوِهِ وَلَوْ حَرْبِيًّا كَمَا هُوَ وَاضِحٌ (إلَى) كَافِرٍ مَعْصُومٍ (ذِمِّيٍّ) أَوْ مُعَاهِدٍ أَوْ مُؤَمَّنٍ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِأَوْلَادِهِ الْكُفَّارِ بِشَرْطِ كَوْنِ الْوَصِيِّ عَدْلًا فِي دِينِهِ، كَمَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ وَلِيًّا لِأَوْلَادِهِ وَتُعْرَفُ عَدَالَتُهُ بِتَوَاتُرِهَا مِنْ الْعَارِفِينَ بِدِينِهِ أَوْ بِإِسْلَامِ عَارِفَيْنِ وَشَهَادَتِهِمَا بِهَا.
وَالثَّانِي الْمَنْعُ كَشَهَادَتِهِ، وَلَا بُدَّ أَيْضًا أَنْ لَا يَكُونَ عَدُوًّا لِلطِّفْلِ كَمَا حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ الرُّويَانِيِّ وَآخَرِينَ: أَيْ عَدَاوَةٌ دُنْيَوِيَّةٌ، فَأَخَذَ الْإِسْنَوِيُّ مِنْهُ عَدَمَ وِصَايَةِ نَصْرَانِيٍّ لِيَهُودِيٍّ وَعَكْسُهُ مَرْدُودٌ، وَيُتَصَوَّرُ وُقُوعُ الْعَدَاوَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الطِّفْلِ وَالْمَجْنُونِ لِكَوْنِ الْمُوصِي عَدُوًّا لِلْوَصِيِّ أَوْ لِلْعِلْمِ بِكَرَاهَتِهِ لَهُمَا مِنْ غَيْرِ سَبَبٍ، وَالْعِبْرَةُ فِي هَذِهِ الشُّرُوطِ بِحَالَةِ الْمَوْتِ؛ لِأَنَّهُ زَمَنُ التَّسَلُّطِ عَلَى الْقَبُولِ فَلَا يَضُرُّ فَقْدُهَا قَبْلَهُ وَلَوْ عِنْدَ الْوَصِيَّةِ (وَلَا يَضُرُّ الْعَمَى فِي الْأَصَحِّ) ؛ لِأَنَّ الْأَعْمَى كَامِلٌ وَيُمْكِنُهُ التَّوْكِيلُ فِيمَا لَا يُمْكِنُهُ.
وَالثَّانِي يَضُرُّ لِعَدَمِ صِحَّةِ بَيْعِهِ وَشِرَائِهِ بِنَفْسِهِ، وَمَا بَحَثَهُ الْأَذْرَعِيُّ مِنْ امْتِنَاعِ الْوَصِيَّةِ بِالْأَخْرَسِ وَإِنْ كَانَ لَهُ إشَارَةٌ مُفْهِمَةٌ غَيْرَ وَاضِحٍ، وَالْأَقْرَبُ الصِّحَّةُ فِيمَنْ لَهُ إشَارَةٌ مُفْهِمَةٌ وَتَوَفَّرَتْ فِيهِ بَقِيَّةُ الشُّرُوطِ (وَلَا يُشْتَرَطُ الذُّكُورَةُ) إجْمَاعًا (وَأُمُّ الْأَطْفَالِ) الْمُسْتَجْمِعَةُ لِلشُّرُوطِ حَالَ الْوَصِيَّةِ لَا حَالَ الْمَوْتِ وَإِنْ جَرَى عَلَيْهِ جَمْعٌ؛ لِأَنَّ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
فَفَرَّقَهُ عَلَى الْوَجْهِ الْمَأْذُونِ لَهُ فِيهِ فَلَا يَظْهَرُ إلَّا الِاعْتِدَادُ بِهِ وَيُصَدَّقُ فِي ذَلِكَ (قَوْلُهُ: بَدَلَ مَا دَفَعَهُ) قَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ اسْتِرْدَادُ الْعَيْنِ مَا دَامَتْ بَاقِيَةً وَأَنَّهُ يَسْتَقِلُّ بِاسْتِرْدَادِ الْبَدَلِ، وَعَلَيْهِ فَيُمْكِنُ الْفَرْقُ بِأَنَّ الْبَدَلَ لَيْسَ مِنْ مَالِ الْمُوصِي وَهُوَ مُخَاطَبٌ بِبَدَلِهِ لِلْقَاضِي فَجَازَ لَهُ اسْتِيفَاؤُهُ، بِخِلَافِ عَيْنِ الْمَالِ فَإِنَّهَا مِنْ مَالِ الْمُوصِي وَهُوَ مَمْنُوعٌ مِنْ وَضْعِ يَدِهِ عَلَيْهَا فَكَانَ قَبْضُهَا لِلْقَاضِي دُونَهُ.
(قَوْلُهُ: فَإِنْ بَقِيَتْ عَيْنُ الْمَدْفُوعِ) أَيْ فِي يَدِ مَنْ أَخَذَ مِمَّنْ فَرَّقَ (قَوْلُهُ: وَأَسْقَطَ عَنْهُ) أَيْ الْفَاسِقِ (قَوْلُهُ: خِلَافًا لِبَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ) أَيْ حَجّ (قَوْلُهُ: إلَى كَافِرٍ مَعْصُومٍ) قَالَ سم عَلَى حَجّ: قَوْلُهُ مَعْصُومٌ قَضِيَّتُهُ امْتِنَاعُ إيصَاءِ الْحَرْبِيِّ إلَى حَرْبِيٍّ وَهُوَ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ الْحَرْبِيَّ لَا بَقَاءَ لَهُ (قَوْلُهُ: كَشَهَادَتِهِ) أَيْ الذِّمِّيِّ عَلَى مِثْلِهِ (قَوْلُهُ: أَنْ لَا يَكُونَ) أَيْ الْوَصِيُّ (قَوْلُهُ بِحَالِ الْمَوْتِ) أَقُولُ: هَلْ يُعْتَبَرُ فِي الْفَاسِقِ إذَا تَابَ مُضِيُّ مُدَّةِ الِاسْتِبْرَاءِ قَبْلَ الْمَوْتِ أَوْ يَكْفِي كَوْنُهُ عَدْلًا عِنْدَهُ وَإِنْ لَمْ تَمْضِ الْمُدَّةُ الْمَذْكُورَةُ؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالثَّانِي هُوَ الْأَقْرَبُ قِيَاسًا عَلَى عَدَمِ اشْتِرَاطِ ذَلِكَ فِي حَقِّ الْوَلِيِّ إذَا أَرَادَ أَنْ يُزَوِّجَ بَعْدَ التَّوْبَةِ (قَوْلُهُ: فِيمَنْ لَهُ إشَارَةٌ مُفْهِمَةٌ) ظَاهِرُهُ وَإِنْ اخْتَصَّ بِفَهْمِهِمَا الْفَطِنُونَ وَيَنْبَغِي تَخْصِيصُهَا بِمَا إذَا فَهِمَهَا كُلُّ أَحَدٍ لِتَكُونَ صَرِيحَةً (قَوْلُهُ: وَأُمُّ الْأَطْفَالِ) وَهَلْ الْجَدَّةُ كَذَلِكَ وَلَوْ مِنْ جِهَةِ الْأَبِ؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا أَشْفَقُ مِنْ الْأَجَانِبِ، وَظَاهِرُهُ كَلَامُ الرَّوْضَةِ يَشْمَلُهَا فِي بَابِ الْفَرَائِضِ.
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ فَمَا هُنَا) أَيْ مِنْ الْغُرْمِ وَالِاسْتِرْدَادِ (قَوْلُهُ: وَأَخَذَ مِنْ التَّعْلِيلِ الْمَذْكُورِ) يَعْنِي قَوْلَهُ بِأَنَّ الْوَصِيَّ يَلْزَمُهُ إلَخْ (قَوْلُهُ: بِظُهُورِ الْفَرْقِ بَيْنَ الْأَبِ) أَيْ فِي هَذَا الْمَأْخُوذِ، وَقَوْلُهُ وَالْوَصِيِّ: أَيْ فِي مَسْأَلَةِ الْإِسْنَوِيِّ الْمُعَلَّلَةِ بِمَا ذُكِرَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute