أَنَّ الْعِبْرَةَ بِالشُّرُوطِ عِنْدَ الْمَوْتِ، وَمَا بَحَثَهُ السُّبْكِيُّ مِنْ جَوَازِهِ عِنْدَ غَيْبَةِ الْجَدِّ إلَى حُضُورِهِ لِلضَّرُورَةِ مَحَلُّ تَوَقُّفٍ، وَالْأَوْجَهُ الْمَنْعُ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الزَّرْكَشِيُّ احْتِمَالًا فَإِنَّ الْغَيْبَةَ لَا تَمْنَعُ حَقَّ الْوِلَايَةِ، وَيُمْكِنُ الْحَاكِمُ أَنْ يَنُوبَ عَنْهُ نَعَمْ يُمْكِنُ حَمْلُ بَحْثِهِ عَلَى مَا إذَا كَانَ ثَمَّ ظَالِمٌ لَوْ اسْتَوْلَى عَلَى الْمَالِ أَكَلَهُ لِتَحَقُّقِ الضَّرُورَةِ حِينَئِذٍ، إذْ الْمُتَّجِهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ جَوَازُهُ وَخَرَجَ بِحَالِ الْمَوْتِ حَالُ الْوَصِيَّةِ فَلَا عِبْرَةَ بِهَا، بَلْ يَجُوزُ عَلَى مَا مَرَّ نَصْبُ غَيْرِهِ، وَإِنْ كَانَ هُوَ بِصِفَةِ الْوِلَايَةِ حِينَئِذٍ ثُمَّ يُنْظَرُ عِنْدَ الْمَوْتِ لِتَأَهُّلِ الْجَدِّ وَعَدَمِهِ كَمَا عُلِمَ بِمَا مَرَّ، وَأَمَّا عَلَى الدُّيُونِ وَالْوَصَايَا فَتَجُوزُ مَعَ وُجُودِ الْجَدِّ فَإِنْ لَمْ يُوصِ بِهَا فَالْجَدُّ أَوْلَى بِأَمْرِ الْأَطْفَالِ وَرَدِّ الدُّيُونِ وَنَحْوِهِمَا، وَالْحَاكِمُ أَوْلَى بِتَنْفِيذِ الْوَصَايَا كَمَا قَالَهُ الْبَغَوِيّ وَجَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الْمُقْرِي.
(وَلَا) يَجُوزُ (الْإِيصَاءُ بِتَزْوِيجِ طِفْلٍ وَبِنْتٍ) وَلَوْ مَعَ عَدَمِ وَلِيٍّ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّ لَا يَعْتَنِي بِدَفْعِ الْعَارِ عَنْ النَّسَبِ، وَسَيَأْتِي تَوَقُّفُ نِكَاحِ السَّفِيهِ عَلَى إذْنِ الْوَلِيِّ وَمِنْهُ الْوَصِيُّ كَمَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ.
(وَلَفْظُهُ) أَيْ الْإِيصَاءِ كَمَا فِي الْمُحَرَّرِ: أَيْ وَصِيغَتُهُ (أَوْصَيْت إلَيْك أَوْ فَوَّضْت) إلَيْك (وَنَحْوُهُمَا) كَأَقَمْتُكَ مَقَامِي وَوَلَّيْتُك كَذَا بَعْدَ مَوْتِي فَهُوَ صَرِيحٌ خِلَافًا لِلْأَذْرَعِيِّ حَيْثُ بَحَثَ أَنَّهُ كِنَايَةٌ؛ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى مَدْلُولِ فَوَّضْت إلَيْك الصَّرِيحِ مَنْ وَكَّلْت، وَيُؤَيِّدُهُ مَا يَأْتِي مِنْ صِحَّةِ الْوَصِيَّةِ بِالْإِمَامَةِ لِوَاحِدٍ بَعْدَ مَوْتِهِ، وَظَاهِرُهُ صِحَّتُهَا بِلَفْظِ أَوْصَيْت أَوْ فَوَّضْت، وَإِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فِي فَوَّضْت ثَبَتَ فِي وَلَّيْت، وَلَيْسَ هَذَا مِنْ قَاعِدَةِ مَا كَانَ صَرِيحًا فِي بَابِهِ؛ لِأَنَّا إذَا جَوَّزْنَا الْوَصِيَّةَ بِالْإِمَامَةِ كَانَ الْبَابُ وَاحِدًا، فَمَا كَانَ صَرِيحًا هُنَاكَ يَكُونُ صَرِيحًا هُنَا، غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّ الْمُوصَى فِيهِ إمَامَةٌ وَغَيْرُهَا، وَهَذَا لَا يُؤَثِّرُ، وَقِيَاسُ مَا مَرَّ اشْتِرَاطٌ بَعْدَ مَوْتِي فِيمَا عَدَا أَوْصَيْت، وَالْأَوْجَهُ أَنْ وَكَّلْتُك بَعْدَ مَوْتِي فِي أَمْرِ أَطْفَالِي كِنَايَةٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصْلُحُ لِمَوْضُوعِهِ فَيَكُونُ كِنَايَةً فِي غَيْرِهِ، وَتَكْفِي إشَارَةُ الْأَخْرَسِ الْمُفْهِمَةُ وَكِتَابَتُهُ، وَيَلْحَقُ بِهِ نَاطِقٌ اُعْتُقِلَ لِسَانُهُ وَأَشَارَ بِالْوَصِيَّةِ بِرَأْسِهِ أَنْ نَعَمْ لِقِرَاءَةِ كِتَابِهَا عَلَيْهِ لِعَجْزِهِ
(وَيَجُوزُ فِيهِ) أَيْ الْإِيصَاءِ (التَّوْقِيتُ) كَأَوْصَيْتُ إلَيْك سَنَةً أَوْ إلَى بُلُوغِ ابْنِي (وَالتَّعْلِيقُ) كَإِذَا مِتَّ أَوْ إذَا مَاتَ وَصِيٌّ فَقَدْ أَوْصَيْت إلَيْك كَمَا مَرَّ (وَيُشْتَرَطُ بَيَانُ مَا يُوصِي فِيهِ) وَكَوْنُهُ تَصَرُّفًا مَالِيًّا مُبَاحًا كَأَوْصَيْتُ إلَيْك فِي قَضَاءِ دُيُونِي أَوْ فِي التَّصَرُّفِ فِي أَمْرِ أَطْفَالِي أَوْ فِي وَدَائِعِي أَوْ فِي تَنْفِيذِ وَصَايَايَ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
أَيْ الْأَبِ (قَوْلُهُ: لَوْ اسْتَوْلَى عَلَى الْمَالِ أَكَلَهُ) أَيْ بِاسْتِيلَائِهِ عَلَى مَا يُعَدُّ بِهِ إتْلَافًا لَهَا (قَوْلُهُ فَالْجَدُّ أَوْلَى) يَعْنِي بِمَعْنَى الِاسْتِحْقَاقِ.
(قَوْلُهُ وَوَلَّيْتُك كَذَا بَعْدَ مَوْتِي) سَيَأْتِي عَنْ الْأَنْوَارِ قَرِيبًا أَنَّ قَوْلَ الْقَاضِي وَلَّيْتُك مَالَ فُلَانٍ لِلْحِفْظِ فَقَطْ اهـ.
فَهَلْ يَأْتِي مِثْلُهُ هُنَا أَوْ يُفَرَّقُ؟ فِيهِ نَظَرٌ وَالظَّاهِرُ الْفَرْقُ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ إذَا قَالَ ذَلِكَ حُمِلَ عَلَى أَنَّهُ أَخْرَجَ بَعْضَ مَا لَهُ التَّصَرُّفُ فِيهِ وَأَبْقَى غَيْرَهُ، وَأَمَّا الْمُوصِي فَالظَّاهِرُ مِنْ حَالِهِ أَنَّهُ إذَا فَوَّضَ إلَى غَيْرِهِ فَقَدْ جُعِلَ لَهُ مُطْلَقُ التَّصَرُّفِ وَكَلَامُ الشَّارِحِ الْآتِي يُشِيرُ إلَى الْفَرْقِ (قَوْلُهُ: فَهُوَ صَرِيحٌ) أَيْ قَوْلُهُ وَلَّيْتُك إلَخْ (قَوْلُهُ: بِالْإِمَامَةِ) أَيْ الْعُظْمَى (قَوْلُهُ وَقِيَاسُ مَا مَرَّ) أَيْ فِي الْوَصِيَّةِ (قَوْلُهُ: فِي أَمْرِ أَطْفَالِي) أَيْ أَوْ فِي قَضَاءِ دِينِي أَوْ نَحْوِهِ (قَوْلُهُ نَعَمْ لِقِرَاءَةِ كِتَابِهَا) أَيْ عِنْدَ قِرَاءَةِ
[حاشية الرشيدي]
بِوَصْفِهِ بِهِمَا فَهَذَا لَا فَائِدَةَ فِي إيرَادِهِ فَتَأَمَّلْ
(قَوْلُهُ: أَيْ الْإِيصَاءُ كَمَا فِي الْمُحَرَّرِ) أَيْ لَا كَمَا فَهِمَهُ بَعْضُهُمْ مِنْ رُجُوعِ الضَّمِيرِ إلَى الْمُوصِي (قَوْلُهُ: خِلَافًا لِلْأَذْرَعِيِّ حَيْثُ بَحَثَ أَنَّهُ كِنَايَةٌ) لَيْسَ الْأَمْرُ كَمَا نَسَبَهُ لِلْأَذْرَعِيِّ بَلْ ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَذْرَعِيِّ أَنَّهُ صَرِيحٌ وَلَيْسَ لَهُ فِيهِ بَحْثٌ، وَقَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَخْ تَعْلِيلٌ لِلصَّرَاحَةِ، وَقَوْلُهُ الصَّرِيحِ بِالْجَرِّ وَصْفٌ لِقَوْلِهِ فَوَّضْت إلَيْك، وَقَوْلُهُ مِنْ وَكَّلْتُك: أَيْ الْآتِي فِي كَلَامِهِ قَرِيبًا مُتَعَلِّقٌ بِأَقْرَبَ: أَيْ لَمَّا كَانَ وَلَّيْتُك إلَخْ أَقْرَبَ إلَى مَدْلُولِ فَوَّضْت إلَيْك الَّذِي هُوَ صَرِيحٌ مِنْ وَكَّلْتُك، قُلْنَا إنَّ وَكَّلْتُك صَرِيحٌ لِهَذِهِ الْأَقْرَبِيَّةِ. وَإِنْ قُلْنَا إنَّ وَكَّلْتُك كِنَايَةٌ كَمَا يَأْتِي، وَالشِّهَابُ حَجّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - قَدَّمَ مَسْأَلَةَ وَكَّلْتُك وَأَنَّهُ كِنَايَةٌ. ثُمَّ قَالَ عَقِبَ ذَلِكَ: وَقِيَاسُهُ أَنَّ وَلَّيْتُك كَذَلِكَ وَهُوَ مَا رَجَّحَهُ شَيْخُنَا، لَكِنَّ ظَاهِرَ كَلَامِ الْأَذْرَعِيِّ أَنَّهُ صَرِيحٌ. وَقَدْ يُوَجَّهُ بِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى مَدْلُولِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute