وَلَا ضَمَانَ فِيمَا إذَا عَلِمَ تَلَفَهَا بَعْدَ الْوَصِيَّةِ بِهَا بِلَا تَفْرِيطِ فِي حَيَاتِهِ أَوْ بَعْدَ مَوْتِهِ وَقَبْلَ تَمَكُّنِ الْوَارِثِ مِنْ الرَّدِّ، وَرَجَّحَ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ ضَمَانَ وَارِثٍ قَصَّرَ بِعَدَمِ إعْلَامِ مَالِكٍ جَهِلَ الْإِيصَاءَ أَوْ بِعَدَمِ الرَّدِّ بَعْدَ طَلَبِهِ وَتَمَكُّنِهِ مِنْهُ، وَإِنْ وُجِدَ مَا هُوَ بِتِلْكَ الصِّفَةِ مِنْ غَيْرِ تَعَدُّدٍ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُ الْوَارِثِ أَنَّهَا غَيْرُ الْوَدِيعَةِ لِمُخَالَفَتِهِ لِمَا أَقَرَّ بِهِ مُوَرِّثُهُ أَنَّ مَا بِهَذِهِ الصِّفَةِ لَيْسَ لَهُ، فَعُلِمَ أَنَّ قَوْلَهُ عِنْدِي وَدِيعَةٌ لِفُلَانٍ أَوْ ثَوْبٌ لَهُ لَا يَدْفَعُ عَنْهُ الضَّمَانَ وُجِدَ فِي الثَّانِيَةِ فِي تَرِكَتِهِ ثَوْبٌ أَوْ لَمْ يُوجَدْ، وَكَذَا لَوْ وَصَفَهُ وَوُجِدَ عِنْدَهُ أَثْوَابٌ بِتِلْكَ الصِّفَةِ لِتَقْصِيرِهِ فِي الْبَيَانِ، وَفَارَقَ وُجُودَ عَيْنٍ وَاحِدَةٍ هُنَا مِنْ الْجِنْسِ وُجُودُ وَاحِدَةٍ بِالْوَصْفِ بِأَنَّهُ لَا تَقْصِيرَ ثَمَّ بِخِلَافِهِ هُنَا، وَلَا يُعْطِي شَيْئًا مِمَّا وُجِدَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ خِلَافًا لِلسُّبْكِيِّ وَمَنْ تَبِعَهُ، وَكَالْمَرَضِ الْمَخُوفِ مَا أُلْحِقَ بِهِ مِمَّا مَرَّ.
نَعَمْ الْحَبْسُ لِلْقَتْلِ فِي حُكْمِ الْمَرَضِ هُنَا لَا ثَمَّ كَمَا مَرَّ؛ لِأَنَّ هَذَا حَقُّ آدَمِيٍّ نَاجِزٍ فَاحْتِيطَ لَهُ أَكْثَرُ بِجَعْلِ مُقَدِّمَةِ مَا يُظَنُّ بِهِ الْمَوْتُ بِمَنْزِلَةِ الْمَرَضِ (فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ) كَمَا ذَكَرَ (ضَمِنَ) لِتَقْصِيرِهِ لِتَعْرِيضِهَا بِالْفَوَاتِ؛ لِأَنَّ الْوَارِثَ يَعْتَمِدُ ظَاهِرَ يَدِهِ وَيَدَّعِيهَا لِنَفْسِهِ وَإِنْ وُجِدَ خَطُّ مُوَرِّثِهِ؛ لِأَنَّهُ كِنَايَةٌ، وَقَيَّدَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ بِمَا إذَا لَمْ تَكُنْ بِهَا بَيِّنَةٌ بَاقِيَةٌ وَهُوَ ظَاهِرٌ مَعْلُومٌ مِمَّا مَرَّ فِي الْوَصِيَّةِ.
وَمَحَلُّ الضَّمَانِ بِغَيْرِ إيصَاءٍ وَإِيدَاعٍ إذَا تَلِفَتْ الْوَدِيعَةُ بَعْدَ الْمَوْتِ لَا قَبْلَهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْإِمَامُ وَمَالَ إلَيْهِ السُّبْكِيُّ؛ لِأَنَّ الْمَوْتَ كَالسَّفَرِ فَلَا يَتَحَقَّقُ الضَّمَانُ إلَّا بِهِ وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَإِنْ ذَهَبَ الْإِسْنَوِيُّ إلَى كَوْنِهِ ضَامِنًا بِمُجَرَّدِ الْمَرَضِ حَتَّى لَوْ تَلِفَتْ بِآفَةٍ فِي مَرَضِهِ أَوْ بَعْدَ صِحَّتِهِ ضَمِنَهَا كَسَائِرِ أَسْبَابِ التَّقْصِيرِ وَمَحَلُّهُ أَيْضًا فِي غَيْرِ الْقَاضِي.
أَمَّا هُوَ إذَا مَاتَ وَلَمْ يُوجَدْ مَالُ الْيَتِيمِ فِي تَرِكَتِهِ فَلَا يَضْمَنُهُ وَإِنْ لَمْ يُوصِ بِهِ؛ لِأَنَّهُ أَمِينُ الشَّرْعِ، بِخِلَافِ سَائِرِ الْأُمَنَاءِ وَلِعُمُومِ وَلَايَتِهِ، قَالَهُ ابْنُ الصَّلَاحِ.
قَالَ: وَإِنَّمَا يَضْمَنُ إذَا فَرَّطَ.
قَالَ السُّبْكِيُّ: وَهَذَا تَصْرِيحٌ مِنْهُ بِأَنَّ عَدَمَ إيصَائِهِ لَيْسَ تَفْرِيطًا وَإِنْ مَاتَ عَنْ مَرَضٍ وَهُوَ الْوَجْهُ، وَظَاهِرٌ أَنَّ الْكَلَامَ فِي الْقَاضِي الْأَمِينِ كَمَا مَرَّ.
أَمَّا غَيْرُهُ فَيَضْمَنُ قَطْعًا، وَالضَّمَانُ فِيمَا ذَكَرَ ضَمَانُ تَعَدٍّ بِتَرْكِ الْمَأْمُورِ لَا ضَمَانُ عَقْدٍ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الرَّافِعِيِّ (إلَّا) اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ؛ لِأَنَّ الْقَسَمَ مَرَضٌ مَخُوفٌ (إذَا لَمْ يَتَمَكَّنْ بِأَنْ مَاتَ فَجْأَةً) أَوْ قُتِلَ غِيلَةً فَلَا يَضْمَنُ لِانْتِفَاءِ التَّقْصِيرِ وَلَوْ لَمْ يُوصِ فَادَّعَى الْوَدِيعُ أَنَّهُ قَصَّرَ وَقَالَ الْوَارِثُ: لَعَلَّهَا تَلِفَتْ قَبْلَ أَنْ يُنْسَبَ إلَيَّ تَقْصِيرٌ صُدِّقَ كَمَا نَقَلَاهُ عَنْ الْإِمَامِ وَأَقَرَّاهُ، وَاعْتِرَاضُ الْإِسْنَوِيِّ لَهُ بِأَنَّ الْإِمَامَ إنَّمَا قَالَهُ عِنْدَ جَزْمِ الْوَارِثِ بِالتَّلَفِ لَا عِنْدَ تَرَدُّدِهِ فِيهِ فَإِنَّهُ صَحَّحَ حِينَئِذٍ الضَّمَانَ يُمْكِنُ رَدُّهُ بِأَنَّ الْوَارِثَ غَيْرُ مُتَرَدِّدٍ فِي التَّلَفِ، وَإِنَّمَا هُوَ فِي أَنَّهُ وَقَعَ قَبْلَ نِسْبَتِهِ لِتَقْصِيرٍ أَوْ بَعْدَهُ، وَحِينَئِذٍ فَلَا يُنَافِي مَا نَقَلَهُ عَنْ الْإِمَامِ وَدَعْوَاهُ تَلَفُهَا عِنْدَ مُوَرِّثِهِ بِلَا تَعَدٍّ، أَوْ رَدُّ مُوَرِّثِهِ لَهَا مَقْبُولَةٌ.
ــ
[حاشية الشبراملسي]
الْوَرَثَةِ (قَوْلُهُ: وَرَجَّحَ الْمُتَوَلِّي إلَخْ) مُعْتَمَدٌ، وَقَوْلُهُ لَيْسَ لَهُ: أَيْ الْمُوَرِّثِ، وَقَوْلُهُ لَا يَدْفَعُ عَنْهُ: أَيْ الْمُوَرِّثِ، وَقَوْلُهُ الضَّمَانُ: أَيْ فَيُطَالَبُ بِهِ (قَوْلُهُ: لَا يُعْطِي شَيْئًا مِمَّا وُجِدَ) أَيْ لَا يَجِبُ بَلْ يَكُونُ الْوَاجِبُ لَهُ الْبَدَلَ الشَّرْعِيَّ فَيُعَيِّنُهُ الْوَارِثُ مِمَّا شَاءَ (قَوْلُهُ: فِي هَذِهِ الصُّورَةِ) هِيَ قَوْلُهُ عِنْدِي وَدِيعَةٌ أَوْ ثَوْبٌ (قَوْلُهُ وَالضَّمَانُ فِيمَا ذَكَرَ ضَمَانُ تَعَدٍّ) أَيْ فَيَضْمَنُهَا بِالْبَدَلِ الشَّرْعِيِّ وَهُوَ الْمِثْلُ فِي الْمِثْلِيِّ وَالْقِيمَةُ فِي الْمُتَقَوِّمِ وَسَوَاءٌ تَلِفَتْ بِذَلِكَ السَّبَبِ أَوْ بِغَيْرِهِ (قَوْلُهُ: لَا ضَمَانَ عَقْدٍ) هَذَا يُشْعِرُ بِأَنَّ ضَمَانَ الْعَقْدِ يُمْكِنُ هُنَا حَتَّى اُحْتِيجَ إلَى نَفْيِهِ، وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ ضَمَانَ الْعَقْدِ هُوَ الْمَضْمُونُ بِمُقَابِلٍ مُعَيَّنٍ كَضَمَانِ الْمَبِيعِ بِالثَّمَنِ وَمَا هُنَا لَيْسَ فِيهِ ذَلِكَ (قَوْلُهُ قَبْلَ أَنْ يُنْسَبَ إلَيَّ تَقْصِيرٌ صُدِّقَ) أَيْ الْوَارِثُ، وَقَوْلُهُ
ــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: وَلَا ضَمَانَ فِيمَا إذَا عَلِمَ تَلَفَهَا بَعْدَ الْوَصِيَّةِ) وَكَذَا قَبْلَ الْوَصِيَّةِ بِالنِّسْبَةِ لِتَلَفِهَا فِي الْحَيَاةِ كَمَا سَيَأْتِي التَّصْرِيحُ بِاعْتِمَادِهِ قَرِيبًا (قَوْلُهُ: لَا ضَمَانُ عَقْدٍ) هَذَا السِّيَاقُ يَقْتَضِي أَنَّ ضَمَانَ الْعَقْدِ مُتَأَتٍّ هُنَا وَظَاهِرٌ أَنَّهُ لَيْسَ كَذَلِكَ (قَوْلُهُ: يُمْكِنُ رَدُّهُ بِأَنَّ الْوَارِثَ غَيْرُ مُتَرَدِّدٍ) أَيْ فِي قَوْلِهِ لَعَلَّهَا تَلِفَتْ إلَخْ الَّذِي نَقَلَاهُ عَنْ الْإِمَامِ: أَيْ؛ لِأَنَّ التَّرَجِّيَ فِي كَلَامِهِ الْمَذْكُورِ رَاجِعٌ إلَى الْقَيْدِ فَقَطْ وَهُوَ قَوْلُهُ قَبْلَ إلَخْ فَهُوَ جَازِمٌ بِالتَّلَفِ: أَيْ فَالْإِسْنَوِيُّ لَمْ يُصِبْ فِيمَا فَهِمَهُ عَنْ الشَّيْخَيْنِ.