الْبَيْتِ النَّهْيَ عَنْ النَّقْلِ فَنَقَلَ بِلَا ضَرُورَةٍ فَذَكَرَ أَنَّهُ يَضْمَنُ وَإِنْ كَانَ الْمَنْقُولُ إلَيْهِ أَحْرَزَ لِصَرِيحِ الْمُخَالَفَةِ بِلَا حَاجَةٍ، فَإِنْ نَقَلَ لِضَرُورَةِ غَارَةٍ أَوْ حَرْقٍ أَوْ غَلَبَةِ لُصُوصٍ لَمْ يَضْمَنْ إذَا كَانَ الْمَنْقُولُ إلَيْهِ حِرْزَ مِثْلِهَا، وَلَا بَأْسَ بِكَوْنِهِ دُونَ الْأَوَّلِ إذَا لَمْ يَجِدْ أَحْرَزَ مِنْهُ، وَلَوْ تَرَكَ النَّقْلَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ ضَمِنَ وَإِنْ حَدَثَتْ ضَرُورَةٌ فَلَا وَلَا يَضْمَنُ بِالنَّقْلِ أَيْضًا حِينَئِذٍ، وَحَيْثُ مَنَعْنَا النَّقْلَ إلَّا لِضَرُورَةٍ فَاخْتَلَفَا فِيهَا صُدِّقَ الْمُودِعُ بِيَمِينِهِ إنْ عُرِفَتْ وَإِلَّا طُولِبَ بِبَيِّنَةٍ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ صُدِّقَ الْمَالِكُ بِيَمِينِهِ، هَذَا كُلُّهُ إنْ لَمْ يَكُنْ ثَمَّ نَهْيٌ، فَإِنْ نَهَاهُ عَنْهُ وَلَوْ مَعَ الْخَوْفِ فَلَا وُجُوبَ وَلَا ضَمَانَ بِتَرْكِهِ وَلَا أَثَرَ لِنَهْيِ نَحْوِ وَلِيٍّ.
(وَمِنْهَا أَنْ) (لَا يَدْفَعَ مُتْلَفَاتِهَا) الَّتِي يَتَمَكَّنُ مِنْ دَفْعِهَا عَلَى الْعَادَةِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أُصُولِ حِفْظِهَا، فَعُلِمَ أَنَّهُ لَوْ وَقَعَ بِخِزَانَتِهِ حَرِيقٌ فَبَادَرَ بِنَقْلِ أَمْتِعَتِهِ فَاحْتَرَقَتْ الْوَدِيعَةُ لَمْ يَضْمَنْهَا مُطْلَقًا، وَوَجَّهَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ بِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِالْبُدَاءَةِ بِنَفْسِهِ، وَنَظَرَ الْأَذْرَعِيُّ فِيمَا لَوْ أَمْكَنَهُ إخْرَاجُ الْكُلِّ دَفْعَةً: أَيْ مِنْ غَيْرِ مَشَقَّةٍ لَا تُحْتَمَلُ لِمِثْلِهِ عَادَةً كَمَا هُوَ وَاضِحٌ أَوْ كَانَتْ فَوْقَ فَنَحَّاهَا وَأَخْرَجَ مَالَهُ الَّذِي تَحْتَهَا، وَالضَّمَانُ فِي الْأُولَى مُتَّجِهٌ وَفِي الثَّانِيَةِ مُحْتَمَلٌ إنْ تَلِفَتْ بِسَبَبِ التَّنْحِيَةِ، وَلَوْ تَعَدَّدَتْ الْوَدَائِعُ لَمْ يَضْمَنْ مَا أَخَّرَهُ مِنْهَا مَا لَمْ يَكُنْ الَّذِي أَخَّرَهُ يُمْكِنُ: أَيْ يَسْهُلُ عَادَةً الِابْتِدَاءُ بِهِ أَوْ جَمْعُهُ مَعَ مَا أَخَذَهُ مِنْهَا.
(فَلَوْ أَوْدَعَهُ دَابَّةً فَتَرَكَ عَلْفَهَا) بِإِسْكَانِ اللَّامِ أَوْ سَقْيَهَا مُدَّةً يَمُوتُ مِثْلُهَا فِيهَا جُوعًا أَوْ عَطَشًا وَلَمْ يَنْهَهُ (ضَمِنَ) هَا إنْ تَلِفَتْ وَنَقْصَ أَرْشِهَا إنْ نَقَصَتْ، فَإِنْ مَاتَتْ قَبْلَ مُضِيِّ تِلْكَ الْمُدَّةِ لَمْ يَضْمَنْهَا مَا لَمْ يَكُنْ بِهَا جُوعٌ أَوْ عَطَشٌ سَابِقٌ وَعَلِمَهُ فَيَضْمَنُ حِينَئِذٍ جَمِيعَهَا كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الرَّوْضَةِ وَأَصْلُهَا وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَإِنْ جَزَمَ ابْنُ الْمُقْرِي كَصَاحِبِ الْأَنْوَارِ بِضَمَانِهِ بِالْقِسْطِ، وَيُؤَيِّدُ الْأَوَّلَ مَا لَوْ جَوَّعَ إنْسَانًا وَبِهِ جُوعٌ سَابِقٌ وَمَنَعَهُ الطَّعَامَ مَعَ عِلْمِهِ بِالْحَالِ فَمَاتَ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ الْجَمِيعَ، وَتَخْتَلِفُ الْمُدَّةُ بِاخْتِلَافِ الْحَيَوَانَاتِ وَالْمَرْجِعُ إلَى أَهْلِ الْخِبْرَةِ بِهَا، وَنَقَلَ الْأَذْرَعِيُّ عَنْ بَعْضِ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ لَوْ رَأَى أَمِينٌ كَوَدِيعٍ وَرَاعٍ مَأْكُولًا تَحْتَ يَدِهِ وَقَعَ فِي مَهْلَكَةٍ فَذَبَحَهُ جَازَ، وَإِنْ تَرَكَهُ حَتَّى مَاتَ لَمْ يَضْمَنْهُ، ثُمَّ قَالَ: وَفِي عَدَمِ الضَّمَانِ إذَا أَمْكَنَهُ ذَلِكَ بِلَا كُلْفَةٍ نَظَرٌ، وَاسْتَشْهَدَ غَيْرُهُ لِلضَّمَانِ بِقَوْلِ الْأَنْوَارِ وَتَبِعَهُ الْغَزِّيِّ لَوْ أَوْدَعَهُ بُرًّا: أَيْ مَثَلًا فَوَقَعَ فِيهِ السُّوسُ لَزِمَهُ الدَّفْعُ عَنْهُ، فَإِنْ تَعَذَّرَ بَاعَهُ بِإِذْنِ الْحَاكِمِ،
ــ
[حاشية الشبراملسي]
قَوْلُهُ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ) أَيْ الْبَيِّنَةُ (قَوْلُهُ: وَلَا أَثَرَ لِنَهْيِ نَحْوِ وَلِيٍّ) أَيْ بَلْ الْوَاجِبُ عَلَى الْوَدِيعِ مُرَاعَاةُ الْمَصْلَحَةِ فِي نَقْلِهَا وَعَدَمِهِ.
(قَوْلُهُ وَفِي الْأُولَى) هِيَ قَوْلُهُ فِيمَا لَوْ أَمْكَنَهُ إلَخْ وَقَوْلُهُ وَفِي الثَّانِيَةِ هِيَ قَوْلُهُ أَوْ كَانَتْ فَوْقَ إلَخْ وَقَوْلُهُ مُحْتَمَلٌ مُعْتَمَدٌ (قَوْلُهُ: لَمْ يَضْمَنْ مَا أَخَّرَهُ) أَيْ مَا أَخَّرَ أَخْذَهُ حَيْثُ لَمْ يَبْتَدِئْ بِهِ لَا أَنَّهُ نَحَّاهُ مِنْ مَوْضِعِهِ وَأَخَذَ مَا وَرَاءَهُ
(قَوْلُهُ بِالْقِسْطِ) أَيْ بِاعْتِبَارِ عَدَدِ الرُّءُوسِ دُونَ الْمُدَّةِ كَمَا لَوْ جَنَى عَلَيْهِ اثْنَانِ بِجِرَاحَاتٍ وَاخْتَلَفَ عَدَدُهَا مِنْ الْجَارِحِينَ فَإِنَّ الضَّمَانَ بِعَدَدِ الرُّءُوسِ (قَوْلُهُ: وَيُؤَيِّدُ الْأَوَّلَ) هُوَ قَوْلُهُ فَيَضْمَنُ حِينَئِذٍ جَمِيعَهَا (قَوْلُهُ: مَعَ عِلْمِهِ بِالْحَالِ) أَيْ فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ فَلَا ضَمَانَ شَرْحَ رَوْضٍ انْتَهَى سم عَلَى حَجّ.
وَقَدْ يُشْكِلُ بِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ مَا كَانَ مِنْ خِطَابِ الْوَضْعِ لَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ الْعِلْمِ وَعَدَمِهِ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِ الشَّارِحِ الْآتِي: أَيْ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِعِلَّتِهَا فِيمَا يَظْهَرُ خِلَافًا لِبَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ (قَوْلُهُ: وَرَاعٍ إلَخْ) وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْكَلَامَ فِي الْبَالِغِ الْعَاقِلِ، وَقَوْلُهُ وَفِي عَدَمِ الضَّمَانِ إلَخْ مُعْتَمَدٌ (قَوْلُهُ وَاسْتَشْهَدَ غَيْرَهُ لِلضَّمَانِ إلَخْ) فِي الِاسْتِشْهَادِ بِمَا ذَكَرَ نَظَرٌ، إذْ لَيْسَ فِي كَلَامِ الْأَنْوَارِ تَعَرُّضٌ لِلضَّمَانِ أَصْلًا اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّهُ أُخِذَ
[حاشية الرشيدي]
مَا إذَا عَيَّنَ الْمَالِكُ الْحِرْزَ كَمَا تَقَرَّرَ (قَوْلُهُ: فَذَكَرَ) يَعْنِي الْأَنْوَارَ (قَوْلُهُ: وَإِنْ حَدَثَتْ ضَرُورَةٌ فَلَا) كَذَا فِي نَصِّ الشَّارِحِ وَلَعَلَّ فِيهَا سَقْطًا مِنْ الْكَتَبَةِ، وَعِبَارَةُ الْأَنْوَارِ: وَإِنْ قَالَ لَا يَنْقُلُهَا وَإِنْ حَدَثَتْ ضَرُورَةٌ فَإِنْ نَقَلَ لَمْ يَضْمَنْ وَإِنْ تَرَكَ فَكَذَلِكَ انْتَهَتْ. عَلَى أَنَّ هَذَا سَيَأْتِي فِي قَوْلِ الشَّارِحِ هَذَا كُلُّهُ إلَخْ فَلْيُحَرَّرْ (قَوْلُهُ: وَحَيْثُ مَنَعْنَا النَّقْلَ إلَخْ) عِبَارَةُ الْأَنْوَارِ: وَلَوْ نَقَلَ وَقَالَ نَقَلْت لِلضَّرُورَةِ وَتَلِفَتْ وَأَنْكَرَهَا الْمَالِكُ فَإِنْ عُرِفَ هُنَاكَ مَا يَدَّعِيهِ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ فِي التَّلَفِ وَإِلَّا طُولِبَ بِالْبَيِّنَةِ ثُمَّ يُصَدَّقُ بِالْيَمِينِ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ بَيِّنَةٌ فَالْقَوْلُ لِلْمَالِكِ فِي نَفْيِ الْمُدَّعَى انْتَهَتْ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute