لِعُمُومِ نَفْعِهِمْ، وَأُلْحِقَ بِهِمْ الْعَاجِزُونَ عَنْ الْكَسْبِ لَا مَعَ الْغِنَى كَمَا قَالَهُ الْغَزَالِيُّ وَالْعَطَاءُ إلَى رَأْيِ الْإِمَامِ مُعْتَبَرٌ بِسَعَةِ الْمَالِ وَضِيقِهِ، وَهَذَا السَّهْمُ كَانَ لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُنْفِقُ مِنْهُ عَلَى نَفْسِهِ وَعِيَالِهِ وَيَدَّخِرُ مِنْهُ مُؤْنَةَ سَنَةٍ وَيُصْرَفُ الْبَاقِي فِي الْمَصَالِحِ، كَذَا قَالَهُ الْأَكْثَرُونَ، قَالُوا: وَكَانَ لَهُ الْأَرْبَعَةُ الْأَخْمَاسُ الْآتِيَةُ فَجُمْلَةُ مَا كَانَ لَهُ مِنْ الْفَيْءِ أَحَدٌ وَعِشْرُونَ مِنْ خَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ.
قَالَ الرُّويَانِيُّ: وَكَانَ يَصْرِفُ الْعِشْرِينَ لِلْمَصَالِحِ قِيلَ وُجُوبًا وَقِيلَ نَدْبًا.
وَقَالَ الْغَزَالِيُّ: بَلْ كَانَ الْفَيْءُ كُلُّهُ لَهُ فِي حَيَاتِهِ وَإِنَّمَا خُمِّسَ بَعْدَ مَوْتِهِ.
وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ: كَانَ لَهُ فِي أَوَّلِ حَيَاتِهِ ثُمَّ نُسِخَ فِي آخِرِهَا، وَيُؤَيِّدُ الْأَوَّلَ الْخَبَرُ الصَّحِيحُ «مَا لِي مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ إلَّا الْخُمُسُ وَالْخُمُسُ مَرْدُودٌ عَلَيْكُمْ» وَلَمْ يُرَدَّ عَلَيْهِمْ إلَّا بَعْدَ وَفَاتِهِ عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ وَلَوْ مَنَعَ السُّلْطَانُ الْمُسْتَحَقِّينَ حُقُوقَهُمْ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، فَالْقِيَاسُ كَمَا قَالَهُ الْغَزَالِيُّ فِي الْإِحْيَاءِ جَوَازُ أَخْذِهِ مَا كَانَ يُعْطَاهُ؛ لِأَنَّ الْمَالَ لَيْسَ مُشْتَرَكًا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ، وَمِنْ ثَمَّ مَنْ مَاتَ وَلَهُ فِيهِ حَقٌّ لَا يَسْتَحِقُّهُ وَارِثُهُ وَخَالَفَهُ فِي ذَلِكَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فَمُنِعَ الظَّفَرُ فِي الْأَمْوَالِ الْعَامَّةِ لِأَهْلِ الْإِسْلَامِ كَمَالِ الْمَجَانِينَ وَالْأَيْتَامِ، وَلَا يُنَافِي الْأَوَّلَ مَا أَفْتَى بِهِ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - مِنْ أَنَّ مَنْ غَصَبَ أَمْوَالًا لِأَشْخَاصٍ وَخَلَطَهَا ثُمَّ فَرَّقَهَا عَلَيْهِمْ بِقَدْرِ حُقُوقِهِمْ جَازَ لِكُلٍّ أَخْذُ قَدْرِ حَقِّهِ، أَوْ عَلَى بَعْضِهِمْ لَزِمَ مَنْ وَصَلَ إلَيْهِ شَيْءٌ قِسْمَتُهُ وَعَلَى الْبَاقِينَ بِنِسْبَةِ أَمْوَالِهِمْ؛ لِأَنَّ أَعْيَانَ الْأَمْوَالِ يُحْتَاطُ لَهَا مَا لَا يُحْتَاطُ لِمُجَرَّدِ تَعَلُّقِ الْحُقُوقِ
(يُقَدَّمُ الْأَهَمُّ فَالْأَهَمُّ) وُجُوبًا وَأَهَمُّهَا سَدُّ الثُّغُورِ (وَالثَّانِي بَنُو هَاشِمٍ وَ) بَنُو (الْمُطَّلِبِ) ؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَضَعَ سَهْمَ ذَوِي الْقُرْبَى الَّذِي فِي الْآيَةِ فِيهِمْ دُونَ بَنِي.
ــ
[حاشية الشبراملسي]
بِتَجْهِيزِ الْمَوْتَى مِنْ حَفْرِ الْقَبْرِ وَنَحْوِهِ (قَوْلُهُ: وَيَدَّخِرُ مِنْهُ مُؤْنَةَ سَنَةٍ) فَإِنْ قَلَّتْ: يَرُدُّ عَلَى هَذَا مَا هُوَ ثَابِتٌ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ أَنَّهُ اخْتَارَ الْآخِرَةَ عَلَى الدُّنْيَا فَكَانَ يَتَقَلَّلُ مِنْ الْعَيْشِ مَا أَمْكَنَ وَمِنْ ثَمَّ قَالَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا -: «مَا شَبِعَ آلُ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ خُبْزِ الشَّعِيرِ يَوْمَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ حَتَّى قُبِضَ» .
قُلْت: قَالَ ابْنُ حَجَرٍ فِي شَرْحِ الشَّمَائِلِ جَوَابًا عَنْ ذَلِكَ مَا نَصُّهُ: وَيُجَابُ أَخْذًا مِنْ كَلَامِ النَّوَوِيِّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ بِأَنَّهُ كَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ أَوَاخِرَ حَيَاتِهِ، لَكِنْ تُعْرَضُ عَلَيْهِ حَوَائِجُ الْمُحْتَاجِينَ فَيُخْرِجُهُ فِيهَا، فَصَدَقَ أَنَّهُ ادَّخَرَ قُوتَ سَنَةٍ وَأَنَّهُمْ لَمْ يَشْبَعُوا كَمَا ذَكَرَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ عِنْدَهُمْ مَا ادَّخَرَ لَهُمْ انْتَهَى.
(قَوْلُهُ: وَيُؤَيِّدُ الْأَوَّلَ) هُوَ قَوْلُهُ وَهَذَا السَّهْمُ كَانَ لَهُ إلَخْ (قَوْلُهُ: فَالْقِيَاسُ إلَخْ) مُعْتَمَدٌ (قَوْلُهُ: مَا كَانَ يُعْطَاهُ) ظَاهِرُهُ أَنَّ مَحَلَّ جَوَازِ الْأَخْذِ فِيمَا لَمْ يُفْرَزْ مِنْهُ لِأَحَدٍ مِنْ مُسْتَحِقِّيهِ أَمَّا ذَلِكَ فَيَمْلِكُهُ مَنْ أَفْرَزَ لَهُ فَلَا يَجُوزُ لِغَيْرِهِ أَخْذُ شَيْءٍ مِنْهُ، وَكَتَبَ أَيْضًا حَفِظَهُ اللَّهُ قَوْلُهُ: مَا كَانَ يُعْطَاهُ: أَيْ مِنْ أَمْوَالِ بَيْتِ الْمَالِ، وَمِنْهَا التَّرِكَاتُ الَّتِي تَئُولُ لِبَيْتِ الْمَالِ، فَمَنْ ظَفِرَ بِشَيْءٍ مِنْهَا جَازَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ قَدْرَ مَا كَانَ يُعْطَاهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، وَهُوَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ كَثْرَةِ الْمُحْتَاجِينَ وَقِلَّتِهِمْ فَيَجِبُ عَلَيْهِ الِاحْتِيَاطُ، فَلَا يَأْخُذُ إلَّا مَا كَانَ يَسْتَحِقُّهُ لَوْ صَرَفَهُ أَمِينُ بَيْتِ الْمَالِ عَلَى الْوَجْهِ الْجَائِزِ، وَيَجُوزُ لَهُ أَيْضًا أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ لِغَيْرِهِ مِمَّنْ عَرَفَ احْتِيَاجَهُ مَا كَانَ يُعْطَاهُ (قَوْلُهُ: وَعَلَيْهِ وَعَلَى الْبَاقِينَ) وَمِثْلُ ذَلِكَ مَنْ وَصَلَ إلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ غَلَّةِ وَقْفٍ عَلَيْهِ وَعَلَى غَيْرِهِ حَيْثُ لَمْ يُصْرَفْ
ــ
[حاشية الرشيدي]
بَعْدَ الْأَئِمَّةِ وَالْمُؤَذِّنِينَ، وَكَتَبَ عَلَيْهِ الشِّهَابُ سم أَنَّهُ رَاجِعٌ لِجَمِيعِ مَا قَبْلَهُ، وَالشَّيْخُ نَقَلَ كَلَامَ الشِّهَابِ الْمَذْكُورِ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى خِلَافِ وَجْهِهِ
(قَوْلُهُ أَخَوَيْهِمَا شَقِيقَيْهِمَا) عِبَارَةُ التُّحْفَةِ: دُونَ بَنِي أَخِيهِمَا شَقِيقَيْهِمَا عَبْدِ شَمْسٍ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ عُثْمَانُ وَأَخِيهِمَا لِأَبِيهِمَا نَوْفَلٌ انْتَهَتْ. وَمَا فِي التُّحْفَةِ هُوَ الصَّوَابُ، وَسَيَأْتِي فِي الشَّرْحِ التَّصْرِيحُ بِهِ قَرِيبًا