للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْحَاصِلُ بِحَيْثُ لَوْ عَمَّ لَمْ يَسُدَّ مَسَدًا خَصَّ بِهِ الْأَحْوَجَ لِلضَّرُورَةِ (وَقِيلَ يَخْتَصُّ بِالْحَاصِلِ فِي كُلِّ نَاحِيَةٍ مَنْ فِيهَا مِنْهُمْ) كَالزَّكَاةِ، وَيَرُدُّهُ أَنَّ النَّقْلَ لِإِقْلِيمٍ لَا شَيْءَ فِيهِ، أَوْ فِيهِ مَالًا يَفِي بِمَسَاكِينِهِ إذَا وُزِّعَ عَلَيْهِمْ بِقَدْرِ مَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ فِي التَّسْوِيَةِ بَيْنَ الْمَنْقُولِ إلَيْهِمْ وَغَيْرِهِمْ إنَّمَا هُوَ لِمُوَافَقَةِ الْآيَةِ الْمُقْتَضِيَةِ لِوُجُوبِ تَعْمِيمِ جَمِيعِهِمْ فِي جَمِيعِ الْأَقَالِيمِ، وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الزَّكَاةِ بِأَنَّ التَّشَوُّفَ لَهَا فِي مَحَلِّهَا فَقَطْ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ أَنَّهُ لَا يُفَرِّقُهَا إلَّا الْمُلَّاكُ، بِخِلَافِ الْفَيْءِ؛ لِأَنَّ الْمُفَرِّقَ لَهُ الْإِمَامُ أَوْ نَائِبُهُ.

وَهُوَ لَسَعَةِ نَظَرِهِ يَتَشَوَّفُ كُلَّ مَنْ فِي حُكْمِهِ لِوُصُولِ شَيْءٍ مِنْ الْفَيْءِ إلَيْهِ مَعَ أَنَّهُ لَا مَشَقَّةَ عَلَيْهِ فِي النَّقْلِ فَانْدَفَعَ مَا لِلسُّبْكِيِّ هُنَا، وَمَنْ فُقِدَ مِنْ الْأَصْنَافِ الْأَرْبَعَةِ صُرِفَ نَصِيبُهُ لِلْبَاقِينَ مِنْهُمْ.

(وَأَمَّا) (الْأَخْمَاسُ الْأَرْبَعَةُ) الَّتِي كَانَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَضْمُومَةً إلَى خُمُسِ الْخُمُسِ (فَالْأَظْهَرُ أَنَّهَا لِلْمُرْتَزِقَةِ) وَقُضَاتِهِمْ وَأَئِمَّتِهِمْ وَمُؤَذِّنَيْهِمْ وَعُمَّالِهِمْ، مَا لَمْ يُوجَدْ مُتَبَرِّعٌ (وَهُمْ الْأَجْنَادُ الْمَرْصُودُونَ) فِي الدِّيوَانِ (لِلْجِهَادِ) لِحُصُولِ النُّصْرَةِ بِهِمْ بَعْدَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

سُمُّوا بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُمْ أَرَصَدُوا نُفُوسَهُمْ لِلذَّبِّ عَنْ الدِّينِ وَطَلَبِ الرِّزْقِ مِنْ مَالِهِ تَعَالَى.

وَخَرَجَ بِهِمْ الْمُتَطَوِّعَةُ بِالْغَزْوِ إذَا نَشِطُوا فَيُعْطَوْنَ مِنْ الزَّكَاةِ دُونَ الْفَيْءِ عَكْسَ الْمُرْتَزِقَةِ مَا لَمْ يَعْجَزْ سَهْمُهُمْ عَنْ كِفَايَتِهِمْ فَيُكْمِلُ لَهُمْ الْإِمَامُ مِنْ سَهْمِ سَبِيلِ اللَّهِ (فَيَضَعُ) نَدْبًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْإِمَامُ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَبِي الطَّيِّبِ وَإِنْ صَرَّحَ جَمْعٌ بِالْوُجُوبِ وَأَفْهَمَهُ كَلَامُ الرَّوْضَةِ؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ الضَّبْطُ، وَهُوَ غَيْرُ مُنْحَصِرٍ فِي ذَلِكَ (الْإِمَامُ دِيوَانًا) بِكَسْرِ الدَّالِ: أَيْ دَفْتَرًا اقْتِدَاءً بِعُمُرِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَإِنَّهُ أَوَّلُ مَنْ وَضَعَهُ لَمَّا كَثُرَ الْمُسْلِمُونَ.

وَهُوَ فَارِسِيٌّ مُعَرَّبٌ، وَقِيلَ عَرَبِيٌّ (وَيُنَصِّبُ) نَدْبًا (لِكُلِّ قَبِيلَةٍ أَوْ جَمَاعَةٍ عَرِّيفًا) يُعَرِّفُهُ بِأَحْوَالِهِمْ وَيَجْمَعُهُمْ عِنْدَ الْحَاجَةِ

وَرَوَى أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ خَبَرَ «الْعِرَافَةُ حَقٌّ وَلَا بُدَّ لِلنَّاسِ مِنْهَا، وَلَكِنَّ الْعُرَفَاءَ فِي النَّارِ» أَيْ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ عَلَيْهِمْ الْجَوْرُ فِيمَنْ تَوَلَّوْا عَلَيْهِ (وَيَبْحَثُ) الْإِمَامُ وُجُوبًا بِنَفْسِهِ أَوْ نَائِبُهُ (عَنْ حَالِ كُلِّ وَاحِدٍ) مِنْ الْمُرْتَزِقَةِ (وَعِيَالِهِ) وَهُمْ مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُمْ (وَمَا يَكْفِيهِ فَيُعْطِيهِ) وَلَوْ غَنِيًّا (كِفَايَتَهُمْ) مِنْ نَفَقَةٍ وَكِسْوَةٍ وَسَائِرِ مُؤْنَتِهِمْ مُرَاعِيًا فِي ذَلِكَ الزَّمَنَ وَالرُّخْصَ وَالْغَلَاءَ وَعَادَةَ الْمَحَلِّ وَالْمُرُوءَةَ وَغَيْرَهَا.

ــ

[حاشية الشبراملسي]

قَوْلُهُ مَا لَمْ يُوجَدْ مُتَبَرِّعٌ) أَيْ مِنْ الْقُضَاةِ إلَخْ (قَوْلُهُ: مَا لَمْ يَعْجَزْ سَهْمُهُمْ) أَيْ الْمُرْتَزِقَةِ (قَوْلُهُ مِنْ سَهْمِ سَبِيلِ اللَّهِ) أَيْ فَإِنْ احْتَاجَ إلَى شَيْءٍ بَعْدَ ذَلِكَ أَوْ لَمْ يُوجَدْ شَيْءٌ مِنْ الْفَيْءِ فَعَلَى أَغْنِيَاءِ الْمُسْلِمِينَ (قَوْلُهُ: وَإِنْ صَرَّحَ جَمْعٌ بِالْوُجُوبِ) اعْتَمَدَهُ الزِّيَادِيُّ فِي حَاشِيَتِهِ، وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا بِحَمْلِ النَّدْبِ عَلَى مَا لَوْ أَمْكَنَ الضَّبْطُ بِدُونِهِ وَالْوُجُوبِ عَلَى مَا إذَا لَمْ يُمْكِنْ إلَّا بِهِ، وَيُشْعِرُ بِهَذَا الْجَمْعِ قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ إلَخْ (قَوْلُهُ الْعِرَافَةُ حَقٌّ) أَيْ وَهِيَ التَّدْبِيرُ لِأُمُورِ النَّاسِ وَالْقِيَامُ بِسِيَاسَتِهِمْ.

وَفِي الْمِصْبَاحِ: عَرَفْت عَلَى الْقَوْمِ أَعْرُفُ مِنْ بَابِ قَتَلَ عِرَافَةً بِالْكَسْرِ فَأَنَا عَارِفٌ: أَيْ مُدَبِّرٌ أَمْرَهُمْ وَقَائِمٌ بِسِيَاسَتِهِمْ، وَعَرُفْت عَلَيْهِمْ بِالضَّمِّ لُغَةً فَأَنَا عَرِيفٌ وَالْجَمْعُ عُرَفَاءُ اهـ.

فَالْعَرِيفُ صِفَةٌ مِنْ عَرَفَ عَلَى الْقَوْمِ كَقَتَلَ وَمِنْ عَرُفَ بِالضَّمِّ كَكَرُمَ.

وَفِي الْقَامُوسِ: عَرَفَ كَكَرُمَ وَضَرَبَ صَارَ عَرِيفًا وَكَكَتَبَ كِتَابَةً عَمَلُ الْعِرَافَةِ.

وَعِبَارَةُ الْمُخْتَارِ: وَالْعَرِيفُ النَّقِيبُ، وَهُوَ دُونَ الرَّئِيسِ وَالْجَمْعُ عُرَفَاءُ وَبَابُهُ إذَا صَارَ عَرِيفًا ظَرُفَ وَإِذَا بَاشَرَ ذَلِكَ مُدَّةً كَتَبَ (قَوْلُهُ وَلَكِنَّ الْعُرَفَاءَ فِي النَّارِ) وَمِنْ ذَلِكَ مَشَايِخُ الْأَسْوَاقِ وَالطَّوَائِفِ وَالْبُلْدَانِ (قَوْلُهُمْ مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُمْ) وَمِثْلُهُمْ مَنْ يُحْتَاجُ إلَيْهِمْ فِي الْقِيَامِ بِمَا يُطْلَبُ مِنْهُمْ كَسَايِسٍ وَقَوَّاسَةٍ يَحْتَاجُ إلَيْهِمْ فِي خِدْمَةِ نَفْسِهِ وَدَوَابِّهِ وَمُعَاوَنَتِهِ عَلَى قِتَالِ الْأَعْدَاءِ فِي السَّفَرِ وَيُشْعِرُ بِهِ قَوْلُهُ إلَّا إنْ كَانَ لِحَاجَةِ الْجِهَادِ (قَوْلُهُ: وَلَوْ غَنِيًّا) وَمِنْ ذَلِكَ الْأُمَرَاءُ الْمَوْجُودُونَ

ــ

[حاشية الرشيدي]

لَا يَفْتَقِرُ إلَّا لِلْأُمِّ

(قَوْلُهُ: الْأَظْهَرُ أَنَّهَا لِلْمُرْتَزِقَةِ) لَمْ يَذْكُرْ الشَّارِحُ مُقَابِلَ الْأَظْهَرِ، وَهُوَ قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا أَنَّهَا لِلْمَصَالِحِ كَخُمُسِ الْخُمُسِ وَأَهَمُّهَا تَعَهُّدُ الْمُرْتَزِقَةِ فَيَرْجِعُ إلَى الْأَوَّلِ وَيُخَالِفُهُ فِي الْفَاضِلِ عَنْهُمْ. وَالثَّانِي أَنَّهَا تُقْسَمُ كَمَا يُقْسَمُ الْخُمُسُ خُمُسُهَا لِلْمَصَالِحِ وَالْبَاقِي لِلْأَصْنَافِ الْأَرْبَعَةِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>