«يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ مَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ، فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ» وَالْبَاءَةُ بِالْمَدِّ لُغَةً: الْجِمَاعُ، وَالْمُرَادُ هُوَ مَعَ الْمُؤْنَةِ لِرِوَايَةِ «مِنْ كَانَ مِنْكُمْ ذَا طَوْلٍ فَلْيَتَزَوَّجْ» وَالْقَوْلُ بِأَنَّ الْمُرَادَ الْجِمَاعُ يُنَافِيهِ (وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ) ؛ لِأَنَّ مَنْ لَا شَهْوَةَ لَهُ لَا يَحْتَاجُ لِلصَّوْمِ، وَتَأْوِيلُهُ بِأَنَّ الْمَعْنَى مَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ الْبَاءَ بِقُدْرَتِهِ عَلَى الْمُؤَنِ إلَخْ بَعِيدٌ لَا ضَرُورَةَ بَلْ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ كَمَا لَا يَخْفَى وَلَمْ يَجِبْ مَعَ هَذَا الْأَمْرِ لِآيَةِ {مَا طَابَ لَكُمْ} [النساء: ٣] وَرُدَّ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْحَلَالُ مِنْ النِّسَاءِ، وَأَيْضًا فَلَمْ يَأْخُذْ بِظَاهِرِهِ أَحَدٌ فَإِنَّ الَّذِي حَكَوْهُ قَوْلًا إنَّهُ فَرْضُ كِفَايَةٍ لِبَقَاءِ النَّسْلِ.
نَعَمْ لَوْ خَافَ الْعَنَتَ وَتَعَيَّنَ طَرِيقًا لِدَفْعِهِ مَعَ قُدْرَتِهِ وَجَبَ، وَلَا يَلْزَمُ بِالنَّذْرِ مُطْلَقًا وَإِنْ اُسْتُحِبَّ كَمَا أَفْتَى بِهِ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - خِلَافًا لِبَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَمَا بَحَثَهُ بَعْضُهُمْ مِنْ وُجُوبِهِ أَيْضًا فِيمَا لَوْ طَلَّقَ مَظْلُومَةً فِي الْقَسْمِ لِيُوَفِّيَهَا حَقَّهَا مِنْ نَوْبَةِ الْمَظْلُومِ لَهَا ظَاهِرٌ، وَإِنْ رُدَّ بِأَنَّ الطَّلَاقَ بِدْعِيٌّ، وَقَدْ صَرَّحُوا فِي الْبِدَعِ بِنَدْبِ الرَّجْعَةِ فِيهِ لِوُضُوحِ الْفَرْقِ بِأَنَّ الذِّمَّةَ اُشْتُغِلَتْ فِيهَا بِحَقٍّ لَهَا فَوَجَبَ رَدُّهُ، وَيَجِبُ مَا يَكُونُ طَرِيقًا مُتَعَيِّنًا لَهُ، وَلَا كَذَلِكَ طَلَاقُ الْبِدْعَةِ إذْ لَمْ يَسْتَقِرُّ لَهَا فِي ذِمَّتِهِ حَقٌّ تُطَالِبُهُ بِرَدِّهِ، وَمَنَعَ جَمْعٌ التَّسَرِّي فِي هَذَا الزَّمَنِ لِعَدَمِ التَّخْمِيسِ مَرْدُودٌ، كَمَا يَأْتِي بِأَنَّهُ إنَّمَا يَتَّجِهُ فِيمَنْ تَحَقَّقَ أَنَّ سَابِيهَا مُسْلِمٌ لَا فِيمَنْ شَكَّ فِي سَابِيهَا؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ الْحِلُّ، وَلَا فِيمَنْ تَحَقَّقَ أَنَّ سَابِيهَا كَافِرٌ مِنْ كَافِرٍ أَوْ اشْتَرَى خُمُسَ بَيْتِ الْمَالِ مِنْ نَاظِرِهِ لِحِلِّهَا يَقِينًا، وَمَا نُقِلَ عَنْ النَّصِّ مِنْ عَدَمِ اسْتِحْبَابِ النِّكَاحِ مُطْلَقًا لِمَنْ فِي دَارِ الْحَرْبِ خَوْفًا عَلَى وَلَدِهِ مِنْ التَّدَيُّنِ بِدِينِهِمْ، وَالِاسْتِرْقَاقِ مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ لَمْ يَغْلِبْ عَلَى ظَنِّهِ الزِّنَا لَوْ لَمْ يَتَزَوَّجْ، إذْ الْمَصْلَحَةُ الْمُحَقَّقَةُ النَّاجِزَةُ مُقَدَّمَةٌ عَلَى الْمَفْسَدَةِ الْمُسْتَقْبَلَةِ الْمُتَوَهَّمَةِ.
وَالْأَوْجَهُ إلْحَاقُ التَّسَرِّي بِالنِّكَاحِ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّ مَا عَلَّلَ بِهِ يَأْتِي فِيهِ وَالضَّمَائِرُ الثَّلَاثَةُ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ رَاجِعَةٌ كُلُّهَا لِلْعَقْدِ الْمُرَادِ بِهِ أَحَدُ طَرَفَيْهِ، وَهُوَ التَّزَوُّجُ: أَيْ قَبُولُ التَّزْوِيجِ وَلَا مَحْذُورَ فِيهِ، وَمَا يُوهِمُهُ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
قَوْلُهُ: يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ) خَصَّهُمْ بِالذِّكْرِ؛ لِأَنَّهُمْ هُمْ الَّذِينَ تَغْلِبُ عَلَيْهِمْ الشَّهْوَةُ وَإِلَّا فَمِثْلُهُمْ غَيْرُهُمْ (قَوْلُهُ: وَالْمُرَادُ هُوَ) أَيْ الْجِمَاعُ (قَوْلُهُ: وَلَمْ يَجِبْ) أَيْ التَّزَوُّجُ، وَقَوْلُهُ: مَعَ هَذَا الْأَمْرِ هُوَ قَوْلُهُ: فَلْيَتَزَوَّجْ (قَوْلُهُ: وَرُدَّ) أَيْ قَوْلُهُ: مَا طَابَ لَكُمْ (قَوْلُهُ: وَأَيْضًا فَلَمْ يَأْخُذْ إلَخْ) أَيْ فَلَيْسَ فِي الْآيَةِ مَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ وُجُوبِهِ، نَعَمْ دَلَّ عَلَى عَدَمِ وُجُوبِهِ عَيْنًا الْإِجْمَاعُ الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ وَأَيْضًا إلَخْ.
وَمِنْهُ يُعْلَمُ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ فُرُوعِ الرَّدِّ بَلْ تَوْجِيهٌ لِعَدَمِ الْوُجُوبِ (قَوْلُهُ: فَإِنَّ الَّذِي حَكَوْهُ) أَيْ الْمَعْنَى الَّذِي حَكَوْهُ قَوْلًا أَوْ الْوُجُوبَ الَّذِي إلَخْ (قَوْلُهُ: وَلَا يَلْزَمُ بِالنَّذْرِ مُطْلَقًا) سَوَاءٌ احْتَاجَ إلَيْهِ أَمْ لَا تَاقَتْ نَفْسُهُ إلَيْهِ أَمْ لَا (قَوْلُهُ: خِلَافًا لِبَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ) أَيْ ابْنِ حَجَرٍ (قَوْلُهُ: وَالْأَوْجَهُ إلْحَاقُ التَّسَرِّي بِالنِّكَاحِ فِي ذَلِكَ) أَيْ فِي كَوْنِهِ لَا يُسَنُّ، وَقَضَيْتُهُ إبَاحَةُ كُلٍّ مِنْ النِّكَاحِ وَالتَّسَرِّي.
(قَوْلُهُ: وَمَا يُوهِمُهُ) أَيْ وَالْمَحْذُورُ الَّذِي
[حاشية الرشيدي]
كَذَلِكَ (قَوْلُهُ: بَعِيدٌ لَا ضَرُورَةَ إلَخْ) قَدْ يُقَالُ لَا بُعْدَ فِيهِ مَعَ الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى السَّابِقَةِ وَالرِّوَايَاتُ يُفَسِّرُ بَعْضُهَا بَعْضًا، وَأَمَّا الْقُدْرَةُ عَلَى الْجِمَاعِ فَهِيَ مَفْهُومَةٌ مِنْ لَفْظِ الشَّبَابِ (قَوْلُهُ: وَأَيْضًا فَلَمْ يَأْخُذْ بِظَاهِرِهِ أَحَدٌ) مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ لِآيَةِ {مَا طَابَ لَكُمْ} [النساء: ٣] فَهُوَ جَوَابٌ ثَانٍ (قَوْلُهُ: وَإِنْ رُدَّ بِأَنَّ الطَّلَاقَ بِدْعِيٌّ إلَخْ) الرَّدُّ أَقَرَّهُ حَجّ لَكِنَّ عِبَارَتَهُ: وَرُدَّ بِأَنَّ هَذَا الطَّلَاقَ بِدْعِيٌّ، وَقَدْ صَرَّحُوا فِي الْبِدْعِيِّ بِأَنَّهُ لَا تَجِبُ فِيهِ الرَّجْعَةُ إلَّا أَنْ يُسْتَثْنَى هَذَا لِمَا فِيهِ مِنْ اسْتِدْرَاكِ ظُلَامَةِ الْآدَمِيِّ (قَوْلُهُ: أَوْ اشْتَرَى خُمُسَ بَيْتِ الْمَالِ مِنْ نَاظِرِهِ) قَالَ الشِّهَابُ سم: يَحْتَاجُ أَنْ يَقُولَ وَأَرْبَعَةَ أَخْمَاسِ الْخُمُسِ الْبَاقِيَةَ مِنْ مُسْتَحِقِّيهَا أَوْ أَوْلِيَائِهِمْ. اهـ.
وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْمُرَادَ بِخُمُسِ بَيْتِ الْمَالِ مَا قَابَلَ أَرْبَعَةَ أَخْمَاسِ الْغَانِمِينَ الَّذِي يُخَمَّسُ خَمْسَةَ أَخْمَاسٍ لَا خُمُسُ الْخُمُسِ كَمَا هُوَ صَرِيحُ الْعِبَارَةِ، وَأُضِيفَ لِبَيْتِ الْمَالِ؛ لِأَنَّ التَّصَرُّفَ فِي جَمِيعِهِ لِلْإِمَامِ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا سَبَقَ فِي بَابِهِ، عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ مِنْ مُسْتَحِقِّيهَا أَوْ أَوْلِيَائِهِمْ لَا يَصِحُّ إذْ لَا مُسْتَحِقَّ لَهَا مُعَيَّنٌ حَتَّى يَصِحَّ مِنْهُ التَّصَرُّفُ وَإِنَّمَا التَّصَرُّفُ لِلْإِمَامِ كَمَا سَبَقَ (قَوْلُهُ: وَمَا يُوهِمُهُ) هُوَ تَابِعٌ فِي هَذَا التَّعْبِيرِ لِحَجِّ، لَكِنْ لَمْ يَتَقَدَّمْ لِلضَّمِيرِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute