يَا لَكَاعِ، فَغَيْرُ دَالٍّ عَلَى الْحِلِّ لِاحْتِمَالِ قَصْدِهِ بِذَلِكَ نَفْيَ الْأَذَى عَنْ الْحَرَائِرِ؛ لِأَنَّ الْإِمَاءَ كُنَّ يُقْصَدْنَ لِلزِّنَا، قَالَ تَعَالَى {ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ} [الأحزاب: ٥٩] وَكَانَتْ الْحَرَائِرُ تُعْرَفُ بِالسِّتْرِ فَخَشِيَ أَنَّهُ إذَا اسْتَتَرَتْ الْإِمَاءُ حَصَلَ الْأَذَى لِلْحَرَائِرِ فَأَمَرَ الْإِمَاءَ بِالتَّكَشُّفِ وَيَحْتَرِزْنَ فِي الصِّيَانَةِ مِنْ أَهْلِ الْفُجُورِ.
(وَالْمَرْأَةُ مَعَ الْمَرْأَةِ كَرَجُلٍ وَرَجُلٍ) فِيمَا مَرَّ فَيَحِلُّ عِنْدَ انْتِفَاءِ الشَّهْوَةِ وَخَوْفِ الْفِتْنَةِ سِوَى مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ؛ لِأَنَّهُ عَوْرَةٌ (وَالْأَصَحُّ تَحْرِيمُ) (نَظَرِ) كَافِرَةٍ (ذِمِّيَّةٍ) أَوْ غَيْرِهَا، وَلَوْ حَرْبِيَّةً (إلَى مُسْلِمَةٍ) فَيَلْزَمُ الْمُسْلِمَةَ الِاحْتِجَابُ مِنْهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {أَوْ نِسَائِهِنَّ} [النور: ٣١] فَلَوْ جَازَ لَهَا النَّظَرُ لَمْ يَبْقَ لِلتَّخْصِيصِ فَائِدَةٌ.
وَصَحَّ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَنْعُهُ الْكِتَابِيَّاتِ دُخُولَ الْحَمَّامِ مَعَ الْمُسْلِمَاتِ؛ وَلِأَنَّهَا رُبَّمَا تَحْكِيهَا لِلْكَافِرِ.
وَالثَّانِي لَا يَحْرُمُ نَظَرًا إلَى اتِّحَادِ الْجِنْسِ كَالرِّجَالِ فَإِنَّهُمْ لَمْ يُفَرِّقُوا فِيهِمْ بَيْنَ نَظَرِ الْكَافِرِ إلَى الْمُسْلِمِ وَعَكْسِهِ.
نَعَمْ يَجُوزُ عَلَى الْأَوَّلِ نَظَرُهَا لِمَا يَبْدُو عِنْدَ الْمِهْنَةِ عَلَى الْأَشْبَهِ فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ.
وَقِيلَ لِلْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ فَقَطْ، وَرَجَّحَ الْبُلْقِينِيُّ أَنَّهَا مَعَهَا كَالْأَجْنَبِيِّ وَصَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ، ثُمَّ مَحَلُّ مَا تَقَرَّرَ حَيْثُ لَمْ تَكُنْ الْكَافِرَةُ مَحْرَمًا أَوْ مَمْلُوكَةً لِلْمُسْلِمَةِ وَإِلَّا جَازَ لَهُمَا النَّظَرُ إلَيْهَا كَمَا أَفْتَى بِهِ الْمُصَنِّفُ فِي الثَّانِيَةِ وَبَحَثَهُ الزَّرْكَشِيُّ فِي الْأُولَى، وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَظَاهِرُ إيرَادِ الْمُصَنِّفِ يَقْتَضِي أَنَّ التَّحْرِيمَ عَلَى الذِّمِّيَّةِ وَهُوَ صَحِيحٌ إنْ قُلْنَا بِتَكْلِيفِ الْكُفَّارِ بِفُرُوعِ الشَّرِيعَةِ وَهُوَ الْأَصَحُّ، وَإِذَا كَانَ حَرَامًا عَلَى الْكَافِرَةِ حَرُمَ عَلَى الْمُسْلِمَةِ التَّمْكِينُ مِنْهُ؛ لِأَنَّهَا تُعِينُهَا بِهِ عَلَى مُحَرَّمٍ.
وَأَمَّا نَظَرُ الْمُسْلِمَةِ إلَيْهَا فَمُقْتَضَى كَلَامِهِمْ جَوَازُهُ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ لِانْتِقَاءِ الْعِلَّةِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْكَافِرَةِ وَإِنْ تَوَقَّفَ الزَّرْكَشِيُّ فِي ذَلِكَ، وَقَوْلُ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وَالْفَاسِقَةُ مَعَ الْعَفِيفَةِ كَالْكَافِرَةِ مَعَ الْمُسْلِمَةِ مَرْدُودٌ كَمَا قَالَهُ الْبُلْقِينِيُّ وَإِنْ جَزَمَ بِهِ الزَّرْكَشِيُّ.
(وَ) الْأَصَحُّ (جَوَازُ) (نَظَرِ الْمَرْأَةِ) الْبَالِغَةِ الْأَجْنَبِيَّةِ (إلَى بَدَنِ) رَجُلٍ (أَجْنَبِيٍّ) (سِوَى مَا بَيْنَ سِرْته وَرَكِبْتِهِ إنْ لَمْ تَخَفْ فِتْنَةً) وَلَا نَظَرَتْ بِشَهْوَةٍ «لِنَظَرِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - الْحَبَشَةَ يَلْعَبُونَ فِي الْمَسْجِدِ وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَرَاهَا» وَفَارَقَ نَظَرَهُ إلَيْهَا بِأَنَّ بَدَنَهَا عَوْرَةٌ وَلِذَا وَجَبَ سَتْرُهُ بِخِلَافِ بَدَنِهِ (قُلْت: الْأَصَحُّ التَّحْرِيمُ كَهُوَ) أَيْ كَنَظَرِهِ (إلَيْهَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ} [النور: ٣١] وَخَبَرُ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ مَيْمُونَةَ وَأُمَّ سَلَمَةَ وَقَدْ رَآهُمَا يَنْظُرَانِ لِابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ بِالِاحْتِجَابِ مِنْهُ فَقَالَتْ لَهُ أُمُّ سَلَمَةَ: أَلَيْسَ هُوَ أَعْمَى لَا يُبْصِرُ؟ فَقَالَ: أَفَعَمْيَاوَانِ أَنْتُمَا أَلَسْتُمَا تُبْصِرَانِهِ» وَلَيْسَ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ أَنَّهَا نَظَرَتْ وُجُوهَهُمْ وَأَبْدَانَهُمْ وَإِنَّمَا نَظَرَتْ لِعْبَهُمْ وَحِرَابَهُمْ، وَلَا يَلْزَمُهُ تَعَمُّدُ نَظَرِ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
أَيْ وَهُوَ أَنَّ الْمَسَّ مَظِنَّةٌ لِتَحْرِيكِ الشَّهْوَةِ (قَوْلُهُ: يَا لَكَاعِ) أَيْ يَا لَئِيمَةُ (قَوْلُهُ: ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ) أَيْ يُمَيَّزْنَ عَنْ الْإِمَاءِ وَالْقَيْنَاتِ اهـ بَيْضَاوِيٌّ (قَوْلُهُ: وَيَحْتَرِزْنَ فِي الصِّيَانَةِ) أَيْ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ كَشْفِ رَأْسِهَا النَّظَرُ إلَيْهَا وَبِفَرْضِهِ فَلَعَلَّ الْأَمْرَ بِهِ أَنَّ الْمَفْسَدَةَ فِيهِ أَخَفُّ مِنْ الْمَفْسَدَةِ الْمُتَرَتِّبَةِ عَلَى السَّتْرِ مِنْ قَصْدِ الْحَرَائِرِ بِالزِّنَا
(قَوْلُهُ: سِوَى مَا بَيْنَ السُّرَّةِ) أَيْ نَظَرٌ سِوَى إلَخْ (قَوْلُهُ: وَلَوْ حَرْبِيَّةً) أَيْ أَوْ مُرْتَدَّةً (قَوْلُهُ: وَإِلَّا جَازَ لَهُمَا النَّظَرُ إلَيْهَا) أَيْ فِيمَا عَدَا مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ (قَوْلُهُ: فِي الثَّانِيَةِ) هِيَ قَوْلُهُ: أَوْ مَمْلُوكَةً، وَقَوْلُهُ: فِي الْأُولَى هِيَ قَوْلُهُ: لَمْ تَكُنْ الْكَافِرَةُ مَحْرَمًا (قَوْلُهُ: حَرُمَ عَلَى الْمُسْلِمَةِ) لَعَلَّ الْغَرَضَ مِنْ ذِكْرِهِ هُنَا التَّنْبِيهُ عَلَى اسْتِفَادَتِهِ مِنْ الْمَتْنِ، وَإِلَّا فَقَدْ صَرَّحَ بِهِ فِي قَوْلِهِ قَبْلُ فَيَلْزَمُ الْمُسْلِمَةَ الِاحْتِجَابُ (قَوْلُهُ: فَمُقْتَضَى كَلَامِهِمْ جَوَازُهُ) أَيْ لِمَا عَدَا مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ (قَوْلُهُ: كَمَا قَالَهُ الْبُلْقِينِيُّ) أَيْ
ــ
[حاشية الرشيدي]
حَاشِيَةِ الزِّيَادِيِّ أَنَّ الْخَلْوَةَ بِهِ حَرَامٌ حَتَّى عَلَى طَرِيقَةِ الرَّافِعِيِّ
(قَوْلُهُ: وَإِذَا كَانَ حَرَامًا عَلَى الْكَافِرَةِ إلَخْ) قَضِيَّةُ هَذَا الشَّرْطِ أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ عَلَى الْمُسْلِمَةِ التَّمْكِينُ لِلذِّمِّيَّةِ مِنْ النَّظَرِ إذَا قُلْنَا بِعَدَمِ الْحُرْمَةِ عَلَى الْكَافِرَةِ الَّذِي هُوَ مُقَابِلُ الْأَصَحِّ، وَفِيهِ وَقْفَةٌ لَا تَخْفَى، وَانْظُرْهُ مَعَ إطْلَاقِ قَوْلِهِ فِيمَا مَرَّ عَقِبَ قَوْلِ الْمَتْنِ فَيَلْزَمُ الْمُسْلِمَةَ الِاحْتِجَابُ مِنْهَا