بِمُدَّةِ عُمْرِهِ، أَوْ عُمْرِهَا لِأَنَّهُ تَصْرِيحٌ بِمُقْتَضَى الْوَاقِعِ مَمْنُوعٌ، فَقَدْ صَرَّحَ الْأَصْحَابُ فِي الْبَيْعِ بِأَنَّهُ إذَا قَالَ: بِعْتُك هَذَا حَيَاتَك لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ؛ فَالنِّكَاحُ أَوْلَى؛ وَلِأَنَّ الْمَوْتَ لَا يَرْفَعُ آثَارَ النِّكَاحِ كُلَّهَا، فَالتَّعْلِيقُ بِالْحَيَاةِ الْمُقْتَضِي لِرَفْعِهَا بِالْمَوْتِ مُخَالِفٌ لِمُقْتَضَاهُ حِينَئِذٍ وَبِهِ يَتَأَيَّدُ إطْلَاقُهُمْ لَا يُقَالُ: لَا يَلْزَمُ مِنْ نَفْيِ صِحَّتِهِمَا نَفْيُ صِحَّةِ الْعَقْدِ لِأَنَّا نَقُولُ: بِلُزُومِهِ عَلَى قَوَاعِدِنَا وَإِنْ نُقِلَ عَنْ زُفَرَ صِحَّتُهُ وَإِلْغَاءُ التَّوْقِيتِ، وَمِثْلُ مَا تَقَرَّرَ مَا لَوْ أَقَّتَهُ بِمُدَّةٍ لَا تَبْقَى الدُّنْيَا إلَيْهَا غَالِبًا كَمَا أَفَادَهُ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْعِبْرَةَ بِصِيَغِ الْعُقُودِ لَا بِمَعَانِيهَا.
(وَلَا نِكَاحَ الشِّغَارِ) بِمُعْجَمَتَيْنِ أُولَاهُمَا مَكْسُورَةٌ لِلنَّهْيِ عَنْهُ فِي خَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ، مِنْ شَغَرَ الْكَلْبُ رِجْلَهُ: رَفَعَهَا لِيَبُولَ، فَكَأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَقُولُ: لَا تَرْفَعْ رِجْلَ بِنْتِي حَتَّى أَرْفَعَ رِجْلَ بِنْتِك، أَوْ مِنْ شَغَرَ الْبَلَدُ إذَا خَلَا لِخُلُوِّهِ عَنْ الْمَهْرِ، أَوْ عَنْ بَعْضِ الشُّرُوطِ (وَهُوَ) شَرْعًا كَمَا فِي آخِرِ الْخَبَرِ الْمُحْتَمِلِ أَنْ يَكُونَ مِنْ تَفْسِيرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمِنْ تَفْسِيرِ ابْنِ عُمَرَ رَاوِيهِ أَوْ نَافِعٍ رَاوِيهِ عَنْهُ وَهُوَ مَا صَرَّحَ بِهِ الْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُد فَيُرْجَعُ إلَيْهِ (زَوَّجْتُكهَا) أَيْ بِنْتِي (عَلَى أَنْ تُزَوِّجَنِي) ، أَوْ تُزَوِّجَ ابْنِي مَثَلًا (بِنْتَك وَبُضْعُ كُلِّ وَاحِدَةٍ) مِنْهُمَا (صَدَاقُ الْأُخْرَى فَيَقْبَلُ) ذَلِكَ وَعِلَّةُ الْبُطْلَانِ التَّشْرِيكُ فِي الْبُضْعِ لِأَنَّ كُلًّا جَعَلَ بُضْعَ مُوَلِّيَتِهِ مَوْرِدًا لِلنِّكَاحِ وَصَدَاقًا لِلْأُخْرَى فَأَشْبَهَ تَزْوِيجَهَا مِنْ رَجُلَيْنِ (فَإِنْ لَمْ يَجْعَلْ الْبُضْعَ صَدَاقًا) بِأَنْ قَالَ زَوَّجْتُك بِنْتِي عَلَى أَنْ تُزَوِّجَنِي بِنْتَك وَلَمْ يَزِدْ فَقَبِلَ (فَالْأَصَحُّ الصِّحَّةُ) لِلنِّكَاحَيْنِ بِمَهْرِ الْمِثْلِ لِانْتِفَاءِ التَّشْرِيكِ فِي الْبُضْعِ وَمَا فِيهِ مِنْ شَرْطِ عَقْدٍ فِي عَقْدٍ لَا يُفْسِدُ النِّكَاحَ، وَمُقْتَضَى كَلَامِهِمْ أَنَّ عَلَى أَنْ تُزَوِّجَنِي بِنْتَك اسْتِيجَابٌ قَائِمٌ مَقَامَ زَوِّجْنِي وَإِلَّا لَوَجَبَ الْقَبُولُ بَعْدُ وَلَوْ جُعِلَ الْبُضْعُ صَدَاقًا لِأَحَدِهِمَا بَطَلَ مَنْ جُعِلَ بُضْعُهَا صَدَاقًا فَقَطْ، فَفِي زَوَّجْتُكهَا عَلَى أَنْ تُزَوِّجَنِي بِنْتَك وَبُضْعُ بِنْتِك صَدَاقُ بِنْتِي يَصِحُّ الْأَوَّلُ فَقَطْ، وَفِي عَكْسِهِ يَبْطُلُ الْأَوَّلُ فَقَطْ
وَالثَّانِي لَا يَصِحُّ لِوُجُودِ التَّعْلِيقِ، قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَزَعَمَ الْبُلْقِينِيُّ أَنَّ مَا صَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ مُخَالِفٌ لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ وَنُصُوصِ الشَّافِعِيِّ (وَلَوْ سَمَّيَا) أَوْ أَحَدُهُمَا (مَالًا مَعَ جَعْلِ الْبُضْعِ صَدَاقًا) كَأَنْ قَالَ وَبُضْعُ كُلٍّ وَأَلْفٌ صَدَاقُ الْأُخْرَى (بَطَلَ فِي الْأَصَحِّ) لِبَقَاءِ مَعْنَى التَّشْرِيكِ وَالثَّانِي يَصِحُّ لِأَنَّهُ لَيْسَ عَلَى صُورَةِ تَفْسِيرِ الشِّغَارِ وَلِأَنَّهُ لَمْ يَحِلَّ عَنْ الْمَهْرِ وَلَوْ قَالَ لِمَنْ تَحِلُّ لَهُ الْأَمَةُ زَوَّجْتُك أَمَتِي عَلَى أَنْ تُزَوِّجَنِي ابْنَتَك بِرَقَبَةِ الْأَمَةِ فَزَوَّجَهُ عَلَى ذَلِكَ صَحَّ النِّكَاحَانِ لِعَدَمِ التَّشْرِيكِ فِيمَا وَرَدَ عَلَيْهِ عَقْدُ النِّكَاحِ بِمَهْرِ الْمِثْلِ لِكُلٍّ مِنْهُمَا لِعَدَمِ التَّسْمِيَةِ وَالتَّفْوِيضِ فِي الْأُولَى وَفَسَادِ الْمُسَمَّى
ــ
[حاشية الشبراملسي]
وَأَرْبَعٌ تَكَرَّرَ النَّسْخُ لَهَا ... جَاءَتْ بِهَا الْأَخْبَارُ وَالْآثَارُ
فَقُبْلَةٌ وَمُتْعَةٌ وَخَمْرٌ ... كَذَا الْوُضُوءُ مِمَّا تَمَسُّ النَّارُ
(قَوْلُهُ: وَلِأَنَّ الْمَوْتَ إلَخْ) وَبِهَذَا التَّعْلِيقِ يَنْدَفِعُ مَا أُورِدَ عَلَى الْأَوَّلِ مِنْ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ الْمِلْكَ يَنْتَقِلُ فِي الْمَبِيعِ لِوَرَثَةِ الْمُشْتَرِي وَالزَّوْجِيَّةُ تَنْقَطِعُ بِالْمَوْتِ (قَوْلُهُ: لَا يَلْزَمُ مِنْ نَفْيِ صِحَّتِهِمَا) أَيْ الْمُدَّةِ الْمَعْلُومَةِ وَالْمَجْهُولَةِ (قَوْلُهُ: وَإِنْ نُقِلَ عَنْ زُفَرَ) مِنْ أَئِمَّةِ الْحَنَفِيَّةِ (قَوْلُهُ: وَمِثْلُ مَا تَقَرَّرَ) أَيْ فِي الْبُطْلَانِ.
(قَوْلُهُ: وَلَا نِكَاحُ الشِّغَارِ) أَيْ وَلَا يُحَدُّ مَنْ نَكَحَ بِهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي مَتْنِ الرَّوْضِ (قَوْلُهُ، أَوْ مَنْ شَغَرَ الْبَلَدَ إذَا خَلَا) أَيْ عَنْ السُّلْطَانِ (قَوْلُهُ: لَا يَفْسُدُ النِّكَاحُ) أَيْ بِخِلَافِ الْبَيْعِ وَنَحْوِهِ (قَوْلُهُ: اسْتِيجَابٌ) أَيْ فَقَوْلُهُ زَوَّجْتُك بِنْتِي عَلَى أَنْ تُزَوِّجَنِي بِنْتَك بِمَنْزِلَةِ زَوِّجْنِي بِنْتَك وَزَوَّجْتُك بِنْتِي، وَقَوْلُهُ قَبِلْت النِّكَاحَ مُسْتَعْمَلٌ فِي قَبُولِ نِكَاحِ نَفْسِهِ وَتَزْوِيجِ ابْنَتِهِ فَكَأَنَّهُ قَالَ قَبِلْت نِكَاحَ بِنْتِك وَزَوَّجْتُك ابْنَتِي (قَوْلُهُ: قَائِمٌ مَقَامَ زَوِّجْنِي) مُعْتَمَدٌ (قَوْلُهُ: يَصِحُّ الْأَوَّلُ فَقَطْ) أَيْ بِمَهْرِ الْمِثْلِ (قَوْلُهُ: وَالتَّفْوِيضِ) أَيْ وَلِعَدَمِ التَّفْوِيضِ،
[حاشية الرشيدي]
جَمْعٍ مِنْ السَّلَفِ لِابْنِ عَبَّاسٍ (قَوْلُهُ: فَالنِّكَاحُ أَوْلَى) قَدْ تُمْنَعُ هَذِهِ الْأَوْلَوِيَّةُ بَلْ الْمُسَاوَاةُ بِأَنَّ النِّكَاحَ يَرْتَفِعُ بِالْمَوْتِ بِدَلِيلِ أَنَّهَا تَتَزَوَّجُ بَعْدَهُ وَإِنْ بَقِيَتْ آثَارُهُ بِخِلَافِ الْبَيْعِ (قَوْلُهُ: مِنْ نَفْيِ صِحَّتِهِمَا) أَيْ التَّوْقِيتِ بِعُمُرِهِ أَوْ عُمُرِهَا
(قَوْلُهُ: كَمَا فِي آخِرِ الْخَبَرِ إلَخْ) يَعْنِي تَفْسِيرَ الشِّغَارِ بِمَا يَأْتِي فِي الْمَتْنِ (قَوْلُهُ: وَالتَّفْوِيضُ) أَيْ وَلِعَدَمِ التَّفْوِيضِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute