إلَى الْحَاكِمِ لَا يُفِيدُ لِاحْتِمَالِ أَنَّ الْمُخَاطَبَ غَيْرُ مَنْ أَمْسَكَهُ، وَإِنْ كَانَ فَمُ هَذَا فِي أُذُنِهِ وَفَمُ الْآخَرِ فِي أُذُنِهِ الْأُخْرَى فَيَتَعَذَّرُ إثْبَاتُ هَذَا النِّكَاحِ بِعَيْنِهِ بِشَهَادَةٍ فَكَانَتْ كَالْعَدَمِ، وَلَوْ كَانَ لَهَا إخْوَةٌ فَزَوَّجَهَا أَحَدُهُمْ وَالْآخَرَانِ شَاهِدَانِ صَحَّ لِأَنَّ الْعَاقِدَ لَيْسَ نَائِبًا عَنْهُمَا، بِخِلَافِ مَا لَوْ وُكِّلَ أَبٌ، أَوْ أَخٌ تَعَيَّنَ لِلْوِلَايَةِ وَحَضَرَ مَعَ الْآخَرِ لِأَنَّهُ الْعَاقِدُ حَقِيقَةً، إذْ الْوَكِيلُ فِي النِّكَاحِ سَفِيرٌ مَحْضٌ فَكَانَا بِمَنْزِلَةِ رَجُلٍ وَاحِدٍ، وَفَارَقَ صِحَّةَ شَهَادَةِ سَيِّدٍ أَذِنَ لِقِنِّهِ وَوَلِيٍّ لِلسَّفِيهِ فِي النِّكَاحِ بِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا لَيْسَ بِعَاقِدٍ وَلَا نَائِبِهِ، وَلَا الْعَاقِدُ نَائِبُهُ، لِأَنَّ إذْنَهُ لَهُ فِي الْحَقِيقَةِ لَيْسَ إنَابَةً بَلْ رَفْعُ حَجْرٍ عَنْهُ وَيَنْعَقِدُ ظَاهِرًا (بِمَسْتُورِي الْعَدَالَةِ) وَهُمَا مَنْ لَا يُعْرَفُ لَهُمَا مُفَسِّقٌ عَلَى مَا نَصَّ عَلَيْهِ وَاعْتَمَدَهُ جَمْعٌ، لَكِنَّ الَّذِي اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ وَقَالَ إنَّهُ الْحَقُّ أَنَّهُ مَنْ عُرِفَ ظَاهِرُهُ بِالْعَدَالَةِ وَلَمْ يُزَكَّ عِنْدَ الْحَاكِمِ وَمِنْ ثَمَّ بَطَلَ السَّتْرُ بِتَجْرِيحِ عَدْلٍ، وَلَمْ يُلْحَقْ الْفَاسِقُ إذَا تَابَ بِالْمَسْتُورِ.
وَيُسْتَحَبُّ اسْتِتَابَةُ الْمَسْتُورِ عِنْدَ الْعَقْدِ (عَلَى الصَّحِيحِ) لِجَرَيَانِهِ بَيْنَ أَوْسَاطِ النَّاسِ وَالْعَوَامِّ فَلَوْ كُلِّفُوا بِمَعْرِفَةِ الْعَدَالَةِ الْبَاطِنَةِ لِيَحْضُرَ الْمُتَّصِفُ بِهَا لَطَالَ الْأَمْرُ وَشَقَّ، وَمِنْ ثَمَّ صَحَّحَ الْمُصَنِّفُ فِي نُكَتِ التَّنْبِيهِ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
إلَى الْحَاكِمِ: أَيْ إلَى أَنْ يَأْتِيَ الْحَاكِمُ (قَوْلُهُ غَيْرُ مَنْ أَمْسَكَهُ) هَذَا يُشْكَلُ عَلَيْهِ صِحَّةُ شَهَادَتِهِ عَلَى مَنْ أَقَرَّ فِي إذْنِهِ وَأَمْسَكَهُ حَتَّى شُهِدَ عَلَيْهِ عِنْدَ الْقَاضِي، وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ بِأَنَّ النِّكَاحَ يُحْتَاطُ لَهُ فَنَظَرُوا إلَى هَذَا الِاحْتِمَالِ وَإِنْ كَانَ بَعِيدًا (قَوْلُهُ وَالْآخَرَانِ شَاهِدَانِ) قَالَ سم عَلَى حَجّ: وَعِبَارَةُ الرَّوْضِ وَشَرْحُهُ: وَلَوْ شَهِدَ وَلِيَّانِ كَأَخَوَيْنِ مِنْ ثَلَاثَةِ إخْوَةٍ وَالْعَاقِدُ غَيْرُهُمَا مِنْ بَقِيَّةِ الْأَوْلِيَاءِ لَا إنْ عُقِدَ بِوَكَالَةٍ مِنْهُمَا، أَوْ مِنْ أَحَدِهِمَا مِنْهُ بِمُعَيَّنٍ لَهُ جَازَ، بِخِلَافِ مَا إذَا عَقَدَ غَيْرُهُمَا بِوَكَالَةٍ مِمَّنْ ذُكِرَ لِمَا مَرَّ اهـ.
وَالْمُتَبَادَرُ مِنْ قَوْلِهِ لَا بِوَكَالَةٍ مِنْهُ بَعْدَ تَبْيِينِ الشَّارِحِ الْغَيْرَ فِي قَوْلِهِ وَالْعَاقِدُ غَيْرُهُمَا بِقَوْلِهِ مِنْ بَقِيَّةِ الْأَوْلِيَاءِ تَقْيِيدُ عَدَمِ الصِّحَّةِ بِمَا إذَا حَضَرَ اثْنَانِ مِنْ الثَّلَاثَةِ عَقَدَ ثَالِثُهُمَا بِوَكَالَتِهِمَا، وَعَلَيْهِ فَلَوْ قَصَدَ الْعَقْدَ عَنْ نَفْسِهِ لَا بِوَاسِطَةِ الْوَكَالَةِ فَلَا تَبْعُدُ الصِّحَّةُ لِصَرْفِهِ الْعَقْدَ عَنْ الْوَكَالَةِ فَلْيُتَأَمَّلْ انْتَهَى.
أَقُولُ: الصِّحَّةُ وَاضِحَةٌ إنْ كَانَتْ أَذِنْت لَهُ فِي تَزْوِيجِهَا، أَمَّا إنْ خُصَّتْ الْإِذْنُ بِالْأَخَوَيْنِ الْآخَرَيْنِ وَأَذِنْت لَهُمَا فِي تَوْكِيلِ مَنْ شَاءَا فَوَكَّلَا الثَّالِثَ فَفِي الصِّحَّةِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ يُصْرَفُ الْعَقْدُ عَنْ كَوْنِهِ وَكِيلًا يَصِيرُ مُزَوِّجًا بِلَا إذْنٍ وَهُوَ بَاطِلٌ فَلْيُتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: بِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا) أَيْ السَّيِّدَ وَالْوَلِيَّ (قَوْلُهُ: بِمَسْتُورِي الْعَدَالَةِ) وَلَوْ كَانَ الْعَاقِدُ الْحَاكِمَ كَمَا يَأْتِي (قَوْلُهُ: وَاعْتَمَدَ جَمْعٌ) مُعْتَمَدٌ (قَوْلُهُ: وَلَمْ يُلْحَقْ الْفَاسِقُ) أَيْ فَلَا بُدَّ مِنْ مُضِيِّ مُدَّةِ الِاسْتِبْرَاءِ وَهِيَ سَنَةٌ
[حاشية الرشيدي]
النِّكَاحِ بِهِ فِي الْجُمْلَةِ كَمَا قَالَ فِي هَذَا. اهـ. أَيْ فَقَوْلُهُ فِي الْإِشْكَالِ هَذِهِ عِلَّةُ الضَّعِيفِ مَمْنُوعٌ بَلْ الْعِلَّةُ فِيهِ غَيْرُ هَذِهِ، فَهُوَ غَيْرُ أَهْلٍ لِانْعِقَادِ النِّكَاحِ بِهِ لَا جُمْلَةً وَلَا تَفْصِيلًا، فَالْإِشْكَالُ غَيْرُ مُتَأَتٍّ كَالْجَوَابِ عَنْهُ الَّذِي حَاصِلُهُ تَسْلِيمُ الْإِشْكَالِ.
(قَوْلُهُ: لِاحْتِمَالِ أَنَّ الْمُخَاطَبَ غَيْرُ مَنْ أَمْسَكَهُ) بِمَعْنَى أَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنَّ الْوَلِيَّ خَاطَبَ رَجُلًا حَاضِرًا غَيْرَ الَّذِي قَبِلَ وَأَمْسَكَهُ الْأَعْمَى فَلَمْ يُصَادِفْ قَبُولُهُ مَحَلًّا لِعَدَمِ مُخَاطَبَتِهِ بِالْإِيجَابِ الَّتِي هِيَ شَرْطٌ كَمَا مَرَّ، وَإِذَا كَانَ هَذَا مُرَادَهُمْ بِهَذَا التَّعْلِيلِ كَمَا هُوَ وَاضِحٌ فَلَا يَتَأَتَّى قَوْلُ الشِّهَابِ سم لَا يَخْفَى إمْكَانُ ضَبْطِهِ عَلَى وَجْهٍ يَنْتَفِي مَعَهُ هَذَا الِاحْتِمَالُ كَأَنْ قَبَضَ أَنْفَ وَشَفَةَ مَنْ وَضَعَ فَمَه فِي أُذُنِهِ إلَى الْقَاضِي اهـ. وَوَجْهُ عَدَمِ تَأَتِّيهِ أَنَّ هَذَا الِاحْتِمَالَ قَائِمٌ مَعَهُ أَيْضًا، وَكَذَلِكَ لَا يَأْتِي قَوْلُ شَيْخِنَا فِي حَاشِيَتِهِ هَذَا يُشْكِلُ عَلَيْهِ صِحَّةُ شَهَادَتِهِ عَلَى مَنْ أَقَرَّ فِي أُذُنِهِ وَأَمْسَكَهُ حَتَّى شَهِدَ عَلَيْهِ عِنْدَ الْقَاضِي، وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ بِأَنَّ النِّكَاحَ يُحْتَاطُ لَهُ فَنَظَرُوا إلَى هَذَا الِاحْتِمَالِ وَإِنْ كَانَ بَعِيدًا. اهـ. وَوَجْهُ عَدَمِ تَأَتِّيهِ أَيْضًا أَنَّ الِاحْتِمَالَ الْمَذْكُورَ مُنْتَفٍ فِي الْإِقْرَارِ لِعَدَمِ اشْتِرَاطِ الْمُخَاطَبَةِ فِيهِ بَلْ يَصِحُّ لِلْغَائِبِ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَمِنْ ثَمَّ بَطَلَ السَّتْرُ إلَخْ) أَيْ قَبْلَ الْعَقْدِ لَا بَعْدَهُ كَمَا سَيَأْتِي، قَالَ الشِّهَابُ سم: قَضِيَّةُ هَذَا الصَّنِيعِ أَنَّ مَا ذُكِرَ لَا يَتَأَتَّى عَلَى الْأَوَّلِ وَفِيهِ مَا فِيهِ فَلْيُحَرَّرْ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَتُسْتَحَبُّ اسْتِتَابَةُ الْمَسْتُورِ) اُنْظُرْ مَا فَائِدَةُ هَذِهِ الِاسْتِتَابَةِ مَعَ أَنَّ تَوْبَةَ الْفَاسِقِ لَا تُلْحِقُهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute