التَّحْلِيلِ مِنْ طَلَاقِهَا الْأَوَّلِ وَأَقَامَتْ بَيِّنَةً بِذَلِكَ قُبِلَتْ وَوَرِثَتْ وَإِلَّا فَلَا، وَعَلَى هَذَا يُحْمَلُ قَوْلُ الْمُزَجَّدِ الْيَمَنِيِّ: تُسْمَعُ دَعْوَاهَا وَبَيِّنَتُهَا وَتَرِثُهُ، وَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَ الْبَيِّنَتَيْنِ لِإِمْكَانِ زَوَالِ الْمَانِعِ الَّذِي أَثْبَتَتْهُ الْأُولَى بِالتَّحْلِيلِ بِشَرْطِهِ اهـ مُلَخَّصًا، وَالْقَدِيمُ إنْ كَانَا غَرِيبَيْنِ ثَبَتَ النِّكَاحُ، وَإِلَّا طُولِبَتْ بِالْبَيِّنَةِ لِسُهُولَتِهَا، وَعَنْ الْقَدِيمِ عَدَمُ الْقَبُولِ مُطْلَقًا، وَهُوَ قَضِيَّةُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، وَمِنْهُمْ مَنْ نَفَاهُ عَنْ الْقَدِيمِ وَحَمَلَهُ عَلَى الْحِكَايَةِ عَنْ الْغَيْرِ.
(وَلِلْأَبِ) وَإِنْ لَمْ يَلِ الْمَالَ لِطُرُوِّ سَفَهٍ بَعْدَ الْبُلُوغِ عَلَى النَّصِّ لِأَنَّ الْعَارَ عَلَيْهِ خِلَافًا لِمَنْ زَعَمَ أَنَّ وِلَايَةَ تَزْوِيجِهَا تَابِعَةٌ لِوِلَايَةِ مَالِهَا (تَزْوِيجُ الْبِكْرِ) وَتُرَادِفُهَا الْعَذْرَاءُ لُغَةً وَعُرْفًا، وَقَدْ يُفَرِّقُونَ بَيْنَهُمَا فَيُطَلِّقُونَ الْبِكْرَ عَلَى مَنْ إذْنُهَا السُّكُوتُ وَإِنْ زَالَتْ بَكَارَتُهَا، وَيَخُصُّونَ الْعَذْرَاءَ بِالْبِكْرِ حَقِيقَةً وَالْمُعْصِرُ تُطْلَقْ عَلَى مُقَارَبَةِ الْحَيْضِ وَعَلَى مَنْ حَاضَتْ وَعَلَى مَنْ وَلَدَتْ، أَوْ حُبِسَتْ فِي الْبَيْتِ سَاعَةَ طَمَثَتْ، أَوْ رَاهَقَتْ الْعِشْرِينَ (صَغِيرَةً وَكَبِيرَةً) عَاقِلَةً، أَوْ مَجْنُونَةً (بِغَيْرِ إذْنِهَا) لِخَبَرِ الدَّارَقُطْنِيّ «الثَّيِّبُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا وَالْبِكْرُ يُزَوِّجُهَا أَبُوهَا» وَهُوَ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ فِي الصَّغِيرَةِ، وَيُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ ذَلِكَ كَفَاءَةُ الزَّوْجِ وَيَسَارُهُ بِحَالِ صَدَاقِهَا عَلَيْهِ كَمَا أَفْتَى بِهِ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، فَلَوْ زَوَّجَهَا مِنْ مُعْسِرٍ بِهِ لَمْ يَصِحَّ لِأَنَّهُ بَخَسَهَا حَقَّهَا وَلَيْسَ مُفَرَّعًا عَلَى أَنَّ الْيَسَارَ مُعْتَبَرٌ فِي الْكَفَاءَةِ خِلَافًا لِبَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَعَدَمُ عَدَاوَةٍ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الزَّوْجِ كَمَا بَحَثَهُ الْعِرَاقِيُّ، وَعَدَمُ عَدَاوَةٍ ظَاهِرَةٍ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْوَلِيِّ وَإِلَّا فَلَا يُزَوِّجُهَا إلَّا بِإِذْنِهَا، بِخِلَافِ غَيْرِ الظَّاهِرَةِ لِأَنَّ الْوَلِيَّ يَحْتَاطُ لِمُوَلِّيَتِهِ لِخَوْفِ الْعَارِ وَلِغَيْرِهِ، وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ إطْلَاقُ الْمَاوَرْدِيِّ وَالرُّويَانِيِّ الْجَوَازَ، وَاعْتُبِرَ الظُّهُورُ هُنَا دُونَ مَا مَرَّ فِي الزَّوْجِ لِظُهُورِ الْفَرْقِ بَيْنَ الْوَلِيِّ الْمُجْبِرِ وَالزَّوْجِ، لِأَنَّ انْتِفَاءَ الْعَدَاوَةِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ وَلِيِّهَا يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يُزَوِّجُهَا
ــ
[حاشية الشبراملسي]
التَّقْيِيدُ اعْتِمَادًا عَلَى مَا قَدَّمَهُ.
(قَوْلُهُ: لِطُرُوِّ سَفَهٍ) أَيْ لَهَا، وَكَذَا لَوْ بَلَغَتْ رَشِيدَةً: أَيْ وَاسْتَمَرَّ رُشْدُهَا لِزَوَالِ وِلَايَةِ الْمَالِ بِبُلُوغِهَا (قَوْلُهُ: وَالْمُعْصَرُ) ذَكَرَهَا لِمُنَاسِبَتِهَا لِلْبِكْرِ (قَوْلُهُ: وَعَلَى مَنْ حَاضَتْ) أَيْ بِالْفِعْلِ (قَوْلُهُ وَعَلَى مَنْ وَلَدَتْ) أَيْ أَوَّلَ وِلَادَةٍ، وَقَوْلُهُ سَاعَةَ طَمَثَتْ: أَيْ حَاضَتْ، وَقَوْلُهُ، أَوْ رَاهَقَتْ: أَيْ قَارَبَتْ الْعِشْرِينَ إلَخْ أَيْ فَالْمُعْصِرُ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ هَذِهِ الْمَعَانِي لَا يُعْلَمُ الْمُرَادُ مِنْهُ إلَّا بِقَرِينَةٍ (قَوْلُهُ: بِحَالِ صَدَاقِهَا) بَقِيَ مَا لَوْ قَالَ وَلِيُّ الْمَرْأَةِ لِوَلِيِّ الزَّوْجِ زَوَّجْت بِنْتِي ابْنَك بِمِائَةِ قِرْشٍ فِي ذِمَّتِك مَثَلًا فَلَا يَصِحُّ وَطَرِيقُ الصِّحَّةِ أَنْ يَهَبَ الصَّدَاقَ لِوَلَدِهِ وَيَقْبِضَهُ لَهُ، وَهَلْ اسْتِحْقَاقُ الْجِهَاتِ كَالْإِمَامَةِ وَنَحْوِهَا كَافٍ فِي الْيَسَارِ لِأَنَّهُ مُتَمَكِّنٌ مِنْ الْفَرَاغِ عَنْهَا وَتَحْصِيلُ حَالِ الصَّدَاقِ أَمْ لَا؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَقْرَبُ الْأَوَّلُ أَخْذًا مِمَّا قَالُوهُ فِي بَابِ التَّفْلِيسِ مِنْ أَنَّهُ يُكَلَّفُ النُّزُولُ عَنْهَا، وَمِثْلُ ذَلِكَ مَا لَوْ تَجَمَّدَ لَهُ فِي جِهَةِ الْوَقْفِ، أَوْ الدِّيوَانِ مَا يَفِي بِذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يَقْبِضْهُ لِأَنَّهُ كَالْوَدِيعَةِ عِنْدَ النَّاظِرِ وَعِنْدَ مَنْ يَصْرِفُ الْجَامِكِيَّةِ.
وَكَتَبَ أَيْضًا حَفِظَهُ اللَّهُ قَوْلُهُ بِحَالِ صَدَاقِهَا: أَيْ بِأَنْ يَكُونَ فِي مِلْكِهِ ذَلِكَ نَقْدًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ دَخَلَ فِي مِلْكِهِ بِقَرْضٍ إذْ ذَاكَ، أَوْ بِغَيْرِهِ، فَالْمَدَارُ عَلَى كَوْنِهِ فِي مِلْكِهِ عِنْدَ الْعَقْدِ، وَيَنْبَغِي أَنَّ مِثْلَ ذَلِكَ فِي الصِّحَّةِ مَا يَقَعُ كَثِيرًا مِنْ أَنَّ غَيْرَ الزَّوْجِ كَأَبِيهِ يَدْفَعُ عَنْهُ الْوَلِيُّ الْمَرْأَةُ قَبْلَ الْعَقْدِ الصَّدَاقَ، فَهُوَ وَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ فِي مِلْكِ الزَّوْجِ بِمُجَرَّدِ ذَلِكَ وَلَا دَيْنَ عَلَيْهِ يَحْصُلُ بِهِ قَضَاؤُهُ لَكِنَّ الْعَادَةَ جَارِيَةٌ بِعَدَمِ رَدِّهِ إلَيْهِ وَعَدَمِ مُطَالَبَةِ الزَّوْجِ بِهِ وَتَصَرُّفِ الْمَرْأَةِ فِيهِ فَيُنَزَّلُ مَنْزِلَةَ مِلْكِهِ، وَخَرَجَ بِقَوْلِنَا أَوَّلًا فِي مِلْكِهِ مِنْ أَنَّ الزَّوْجَ يَسْتَعِيرُ مِنْ بَعْضِ أَقَارِبِهِ مَثَلًا مَصَاغًا، أَوْ نَحْوَهُ لِيَدْفَعَهُ لِلْمَرْأَةِ إلَى أَنْ يُوسِرَ فَيَدْفَعَ لَهَا الصَّدَاقَ وَيَسْتَرِدَّ مَا دَفَعَهُ لَهَا لِيَرُدَّهُ عَلَى مَالِكِهِ فَلَا يَكْفِي لِعَدَمِ مِلْكِهِ، وَالْعَقْدُ الْمُتَرَتِّبُ عَلَيْهِ فَاسِدٌ حَيْثُ وَقَعَ بِلَا إذْنٍ مُعْتَبَرٍ مِنْهَا (قَوْلُهُ: وَلَيْسَ مُفَرَّعًا) أَيْ قَوْلُهُ فَلَوْ زَوَّجَهَا إلَخْ (قَوْلُهُ: بَيْنَهَا وَبَيْنَ الزَّوْجِ) أَيْ لَا ظَاهِرَةٌ وَلَا خَفِيَّةٌ
[حاشية الرشيدي]
الشَّارِحِ فَلَمْ يَجِبْ بِمُقْنِعٍ بَلْ قَالَ يُحْمَلُ هَذَا الْحَاصِلُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ
(قَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ يَلِ الْمَالَ إلَى قَوْلِهِ؛ لِأَنَّ الْعَارَ عَلَيْهِ إلَى آخِرِهِ) قَضِيَّةُ ذَلِكَ أَنَّ الثَّيِّبَ الْبَالِغَةَ الَّتِي طَرَأَ سَفَهُهَا بَعْدَ الْبُلُوغِ لَا يُزَوِّجُهَا إلَّا الْأَبُ، كَذَا فِي حَوَاشِي التُّحْفَةِ لِابْنِ قَاسِمٍ، وَفِي كَوْنِ هَذَا قَضِيَّتَهُ نَظَرٌ لَا يَخْفَى (قَوْلُهُ: وَاعْتُبِرَ الظُّهُورُ هُنَا دُونَ مَا مَرَّ فِي الزَّوْجِ إلَخْ) عِبَارَةُ شَرْحِ الرَّوْضِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute