للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَشَرَائِعَ، وَفَرَّقَ الْقَفَّالُ بَيْنَ الْكِتَابِيَّةِ وَغَيْرِهَا بِأَنَّ فِيهَا نَقْصَ الْكُفْرِ فِي الْحَالِ وَغَيْرُهَا فِيهِ مَعَ ذَلِكَ نَقْصُ فَسَادِ الدِّينِ فِي الْأَصْلِ (فَإِنْ لَمْ تَكُنْ الْكِتَابِيَّةُ) أَيْ لَمْ يَتَحَقَّقْ كَوْنُهَا (إسْرَائِيلِيَّةً) أَيْ مِنْ نَسْلِ إسْرَائِيلَ وَهُوَ يَعْقُوبُ صَلَّى اللَّهُ عَلَى نَبِيِّنَا وَعَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَعْنَى إسْرَا: عَبْدٌ، وَإِيلَ: اللَّهُ بِأَنْ عَرَفَ أَنَّهَا غَيْرُ إسْرَائِيلِيَّةٍ، أَوْ شَكَّ أَهِيَ إسْرَائِيلِيَّةٌ، أَوْ غَيْرُهَا (فَالْأَظْهَرُ حِلُّهَا) لِلْمُسْلِمِ، أَوْ الْكِتَابِيِّ (إنْ عُلِمَ) بِالتَّوَاتُرِ، أَوْ شَهَادَةِ عَدْلَيْنِ لَا بِقَوْلِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ وَإِنَّمَا قُبِلَ ذَلِكَ بِالنِّسْبَةِ لِلْجِزْيَةِ تَغْلِيبًا لِحَقْنِ الدِّمَاءِ (دُخُولُ قَوْمِهَا) أَيْ أَوَّلُ آبَائِهَا (فِي ذَلِكَ الدِّينِ) أَيْ دِينِ مُوسَى، أَوْ عِيسَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِمَا وَسَلَّمَ - (قَبْلَ نَسْخِهِ وَتَحْرِيفِهِ) ، أَوْ قَبْلَ نَسْخِهِ وَبَعْدَ تَحْرِيفِهِ وَاجْتَنَبُوا الْمُحَرَّفَ يَقِينًا لِتَمَسُّكِهِمْ بِهِ حِينَ كَانَ حَقًّا فَالْحِلُّ لِفَضِيلَةِ الدِّينِ وَحْدَهَا، وَمِنْ ثَمَّ سَمَّى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هِرَقْلَ وَأَصْحَابَهُ أَهْلَ كِتَابٍ فِي كِتَابِهِ إلَيْهِ مَعَ أَنَّهُمْ لَيْسُوا إسْرَائِيلِيِّينَ (وَقِيلَ يَكْفِي) دُخُولُهُمْ بَعْدَ تَحْرِيفِهِ وَإِنْ لَمْ يَجْتَنِبُوا الْمُحَرَّفَ إذَا كَانَ (قَبْلَ نَسْخِهِ) لِأَنَّ الصَّحَابَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - تَزَوَّجُوا مِنْهُمْ وَلَمْ يَجْتَنِبُوا،

وَالْأَصَحُّ الْمَنْعُ لِبُطْلَانِ فَضِيلَةِ الدِّينِ بِتَحْرِيفِهِ، وَخَرَجَ بِعُلِمَ مَا لَوْ شَكَّ هَلْ دَخَلُوا قَبْلَ التَّحْرِيفِ، أَوْ بَعْدَهُ، أَوْ قَبْلَ النَّسْخِ، أَوْ بَعْدَهُ، فَلَا تَحِلُّ مُنَاكَحَتُهُمْ وَلَا ذَبَائِحُهُمْ أَخْذًا بِالْأَحْوَطِ، وَيَقْبَلُ ذَلِكَ الَّذِي ذَكَرَهُ وَذَكَرْنَاهُ مَا لَوْ دَخَلُوا بَعْدَ التَّحْرِيفِ وَلَمْ يَجْتَنِبُوا وَلَوْ احْتِمَالًا، أَوْ بَعْدَ النَّسْخِ كَمَنْ تَهَوَّدَ، أَوْ تَنَصَّرَ بَعْدَ بَعْثَةِ نَبِيِّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، أَوْ تَهَوَّدَ بَعْدَ بَعْثَةِ عِيسَى بِنَاءً عَلَى الْأَصَحِّ أَنَّهَا نَاسِخَةٌ لِشَرِيعَةِ مُوسَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَقِيلَ إنَّهَا مُخَصِّصَةٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ} [آل عمران: ٥٠] وَلَا دَلَالَةَ فِيهِ لِاحْتِمَالِهِ النَّسْخَ أَيْضًا إذْ لَا يُشْتَرَطُ فِي نَسْخِ الشَّرِيعَةِ لِمَا قَبْلَهَا رَفْعُ جَمِيعِ أَحْكَامِهَا بِهَا، وَقَوْلُ السُّبْكِيّ: يَنْبَغِي الْحِلُّ مِمَّنْ عَلِمَ دُخُولَ أَوَّلِ أُصُولِهِمْ وَشَكَّ هَلْ هُوَ قَبْلَ نَسْخٍ أَوْ تَحْرِيفٍ، أَوْ بَعْدَهُمَا قَالَ، وَإِلَّا فَمَا مِنْ كِتَابِيٍّ الْيَوْمَ لَا يُعْلَمُ أَنَّهُ إسْرَائِيلِيٌّ إلَّا وَيُحْتَمَلُ فِيهِ ذَلِكَ فَيُؤَدِّي إلَى عَدَمِ حِلِّ ذَبَائِحِ أَحَدٍ مِنْهُمْ الْيَوْمَ وَلَا مُنَاكَحَتِهِمْ، بَلْ وَلَا فِي زَمَنِ الصَّحَابَةِ كَبَنِي قُرَيْظَةَ وَالنَّضِيرِ وَقَيْنُقَاعَ، وَطُلِبَ مِنِّي بِالشَّامِ مَنْعُهُمْ مِنْ الذَّبَائِحِ فَأَبَيْت لِأَنَّ يَدَهُمْ عَلَى ذَبِيحَتِهِمْ دَلِيلٌ شَرْعِيٌّ، وَمَنَعَهُمْ قَبْلِي مُحْتَسِبٌ لِفَتْوَى بَعْضِهِمْ وَلَا بَأْسَ بِالْمَنْعِ، وَأَمَّا الْفَتْوَى بِهِ فَجَهْلٌ وَاشْتِبَاهٌ عَلَى مَنْ أَفْتَى بِهِ اهـ مُلَخَّصًا ضَعِيفٌ

ــ

[حاشية الشبراملسي]

أَيْ فَشَرَفُهَا دُونَ شَرَفِ مَا أُوحِيَ لَفْظُهُ وَمَعَانِيهِ (قَوْلُهُ: بِأَنَّ فِيهَا) أَيْ بِأَنَّ الْكِتَابِيَّةَ (قَوْلُهُ: وَمَعْنَى إسْرَا) أَيْ بِالْعَرَبِيَّةِ (قَوْلُهُ: بِأَنْ عَرَفَ أَنَّهَا إلَخْ) أَيْ إمَّا بِالتَّوَاتُرِ أَوْ بِشَهَادَةِ عَدْلَيْنِ أَسْلَمَا، وَلَا يَكْفِي قَوْلُ الْمُتَعَاقِدَيْنِ إنَّهَا إسْرَائِيلِيَّةٌ قِيَاسًا عَلَى مَا يَأْتِي قَرِيبًا (قَوْلُهُ: فَالْأَظْهَرُ حِلُّهَا لِلْمُسْلِمِ) قَضِيَّةُ اقْتِصَارِهِ هُنَا عَلَى الْمُسْلِمِ وَالْكِتَابِيِّ وَذِكْرِهِ غَيْرَهُمَا فِيمَنْ تَحِلُّ لَهُ الْكِتَابِيَّةُ فِي قَوْلِهِ السَّابِقِ وَغَيْرُهُمَا أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ لِحِلِّ نِكَاحِ الْمَجُوسِيِّ وَالْوَثَنِيِّ وَنَحْوِهِمَا لِلْكِتَابِيَّةِ اعْتِبَارُ الشُّرُوطِ وَهُوَ غَيْرُ مُرَادٍ (قَوْلُهُ: إنْ عُلِمَ بِالتَّوَاتُرِ) أَيْ وَلَوْ مِنْ كُفَّارٍ (قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا قُبِلَ ذَلِكَ) أَيْ دَعْوَى الْكَافِرِ أَنَّ أَوَّلَ آبَائِهِ دَخَلَ قَبْلَ النَّسْخِ (قَوْلُهُ: فَالْحِلُّ لِفَضِيلَةِ الدِّينِ) أَيْ حِلُّ نِكَاحِهَا (قَوْلُهُ: الَّذِي ذَكَرَهُ) أَيْ الْمُصَنِّفُ فِي قَوْلِهِ قَبْلَ نَسْخِهِ، وَقَوْلُهُ وَذَكَرْنَاهُ: أَيْ فِي قَوْلِهِ، أَوْ قَبْلَ نَسْخِهِ وَبَعْدَ تَحْرِيفِهِ، وَقَوْلُهُ مَا لَوْ دَخَلُوا بَعْدَ التَّحْرِيفِ: أَيْ فَلَا تَحِلُّ (قَوْلُهُ: وَلَا دَلَالَةَ فِيهِ)

ــ

[حاشية الرشيدي]

لَا حَاجَةَ إلَى هَذَا التَّعْمِيمِ هُنَا (قَوْلُهُ: نَقْصُ فَسَادِ الدِّينِ فِي الْأَصْلِ) قَالَ الشِّهَابُ سم يُتَأَمَّلُ. اهـ.

أَقُولُ: لَعَلَّ وَجْهَ التَّأَمُّلِ أَنَّهُ كَيْفَ يُقَالُ بِفَسَادِ الدِّينِ فِي الْأَصْلِ فِيمَنْ تَمَسَّكَ بِالزَّبُورِ وَنَحْوِهِ، فَإِنْ كَانَ هَذَا مُرَادَهُ بِالْأَمْرِ بِالتَّأَمُّلِ فَالْجَوَابُ عَنْهُ أَنَّ الزَّبُورَ وَنَحْوَهُ لَا يَصِحُّ التَّمَسُّكُ بِهِ لِمَا مَرَّ أَنَّهُ حِكَمٌ وَمَوَاعِظُ لَا أَحْكَامٌ وَشَرَائِعُ (قَوْلُهُ: فَالْحِلُّ لِفَضِيلَةِ الدِّينِ وَحْدَهَا) أَيْ فِي غَيْرِ الْإِسْرَائِيلِيَّة الَّتِي الْكَلَامُ فِيهَا، أَمَّا الْإِسْرَائِيلِيَّة فَسَيَأْتِي أَنَّ النَّظَرَ لِنَسَبِهَا (قَوْلُهُ: وَقِيلَ إنَّهَا مُخَصِّصَةٌ) يَعْنِي نَاسِخَةٌ لِلْبَعْضِ دُونَ الْبَعْضِ لَا لِلْجَمِيعِ الَّذِي هُوَ مُرَادُ الْأَصَحِّ كَمَا لَا يَخْفَى لِاسْتِحَالَةِ إرَادَةِ التَّخْصِيصِ هُنَا حَقِيقَةً الَّذِي هُوَ قَصْرُ الْعَامِّ عَلَى بَعْضِ أَفْرَادِهِ، فَتَعَيَّنَ مَا ذَكَرْته مِنْ إرَادَةِ النَّسْخِ بِهِ الَّذِي هُوَ رَفْعُ

<<  <  ج: ص:  >  >>