للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْكَثِيرِ فِي الْبَاطِنِ، بِخِلَافِ الْكَثِيرِ فِي الظَّاهِرِ، فَأَنَاطُوا الْأَمْرَ بِالْغَالِبِ فِيهِمَا وَلَمْ يُعَوِّلُوا عَلَى خِلَافِهِ، وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ بَذْلٍ زَائِدٍ عَلَى الثَّمَنِ بِأَنَّ هَذَا يُعَدُّ غَبْنًا فِي الْمُعَامَلَةِ وَلَا يَسْمَحُ بِهَا أَهْلُ الْعَقْلِ، كَمَا جَاءَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّهُ كَانَ يَشِحُّ فِيهَا بِالتَّافِهِ وَيَتَصَدَّقُ بِالْكَثِيرِ، فَقِيلَ لَهُ فَقَالَ: ذَاكَ عَقْلِي وَهَذَا جُودِي.

وَالثَّانِي لَا يَتَيَمَّمُ لِذَلِكَ لِانْتِفَاءِ التَّلَفِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ إنَّمَا يَتَيَمَّمُ إنْ أَخْبَرَهُ بِكَوْنِهِ يَحْصُلُ مِنْهُ ذَلِكَ وَبِكَوْنِهِ مَخُوفًا طَبِيبٌ مَقْبُولُ الرِّوَايَةِ وَلَوْ عَبْدًا أَوْ امْرَأَةً أَوْ عَرَفَ هُوَ ذَلِكَ مِنْ نَفْسِهِ، وَإِلَّا فَلَيْسَ لَهُ التَّيَمُّمُ كَمَا جَزَمَ بِهِ فِي التَّحْقِيقِ وَنَقَلَهُ فِي الرَّوْضَةِ عَنْ السِّنْجِيِّ وَأَقَرَّهُ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ وَإِنْ جَزَمَ الْبَغَوِيّ بِأَنَّهُ يَتَيَمَّمُ.

وَقَالَ الْإِسْنَوِيُّ: إنَّهُ يَدُلُّ لَهُ مَا فِي الْمَجْمُوعِ فِي الْأَطْعِمَةِ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْمُضْطَرَّ إذَا خَافَ مِنْ الطَّعَامِ الْمُحْضَرِ إلَيْهِ أَنَّهُ مَسْمُومٌ جَازَ لَهُ تَرْكُهُ وَالِانْتِقَالُ إلَى الْمَيْتَةِ اهـ.

فَقَدْ فَرَّقَ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بَيْنَهُمَا بِأَنَّ ذِمَّتَهُ هُنَا اشْتَغَلَتْ بِالطَّهَارَةِ بِالْمَاءِ فَلَا تَبْرَأُ مِنْ ذَلِكَ إلَّا بِدَلِيلٍ وَلَا كَذَلِكَ أَكْلُ الْمَيْتَةِ، وَفِي كَلَامِ ابْنِ الْعِمَادِ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ (وَشِدَّةُ الْبَرْدِ كَمَرَضٍ) أَيْ فِي أَنَّهُ يَتَيَمَّمُ إنْ خَافَ شَيْئًا مِمَّا مَرَّ وَلَمْ يَجِدْ مَا يُسَخِّنُ بِهِ الْمَاءَ

ــ

[حاشية الشبراملسي]

فِي الْيَسِيرِ وَلَا فِي الْفَاحِشِ بِالْبَاطِلِ الْمَذْكُورِ فِي قَوْلِهِ فِيمَا مَرَّ فَلَا أَثَرَ لِخَوْفِ ذَلِكَ فِيهِمَا.

(قَوْلُهُ: أَهْلُ الْعَقْلِ) أَيْ حَيْثُ فَعَلُوا ذَلِكَ جَهْلًا بِالْقِيمَةِ، أَمَّا لَوْ فَعَلُوا ذَلِكَ مَعَ فَقِيرٍ مُحَابَاةً فَهُوَ مِنْ الصَّدَقَةِ الْخَفِيَّةِ وَفَاعِلُهَا مَحْمُودٌ لَا مَذْمُومٌ (قَوْلُهُ: يَشِحُّ فِيهَا) أَيْ الْمُعَامَلَةَ (قَوْلُهُ: لِانْتِفَاءِ التَّلَفِ) أَيْ لِشَيْءٍ مِنْ مَنْفَعَةِ الْوُضُوءِ فَلَا يُنَافِي مَا مَرَّ مِنْ أَنَّهُ يَتَيَمَّمُ لِنُقْصَانِ الْمَنْفَعَةِ قَطْعًا (قَوْلُهُ: طَبِيبٌ) فَلَوْ امْتَنَعَ مِنْ الْإِخْبَارِ إلَّا بِأُجْرَةٍ وَجَبَ دَفْعُهَا لَهُ إنْ كَانَ فِي الْإِخْبَارِ كُلْفَةٌ كَأَنْ احْتَاجَ فِي إخْبَارِهِ إلَى سَعْيٍ حَتَّى يَصِلَ لِلْمَرِيضِ، أَوْ لِتَفْتِيشِ كُتُبٍ لِيُخْبِرَهُ بِمَا يَلِيقُ بِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ كُلْفَةٌ كَأَنْ حَصَلَ مِنْهُ الْجَوَابُ بِكَلِمَةٍ لَا تُتْعِبُ لَمْ تَجِبْ لِعَدَمِ اسْتِحْقَاقِ الْأُجْرَةِ عَلَى ذَلِكَ، فَإِنْ دَفَعَ إلَيْهِ شَيْئًا بِلَا عَقْدٍ تَبَرُّعًا جَازَ، وَقَوْلُهُ مَقْبُولُ الرِّوَايَةِ ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَوْ أَخْبَرَهُ فَاسِقٌ أَوْ كَافِرٌ لَا يَأْخُذُ بِخَبَرِهِ وَإِنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ صِدْقُهُ وَيَنْبَغِي خِلَافُهُ، فَمَتَى غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ صِدْقُهُ عَمِلَ بِهِ وَبَقِيَ مَا لَوْ تَعَارَضَ عَلَيْهِ إخْبَارُ عُدُولٍ، وَيَنْبَغِي تَقْدِيمُ الْأَوْثَقِ فَالْأَكْثَرِ عَدَدًا أَخْذًا مِمَّا قَالَهُ الشَّارِحُ فِي الْمِيَاهِ، فَلَوْ اسْتَوَوْا وُثُوقًا وَعَدَالَةً وَعَدَدًا تَسَاقَطُوا وَكَانَ كَمَا لَوْ لَمْ يُوجَدْ مُخْبِرٌ فَيَأْتِي فِيهِ كَلَامُ السِّنْجِيِّ وَغَيْرِهِ، وَلَوْ قِيلَ بِتَقَدُّمِ خَبَرِ مَنْ أَخْبَرَ بِالضَّرَرِ لَمْ يَكُنْ بَعِيدًا لِأَنَّ مَعَهُ زِيَادَةً، ثُمَّ عُلِمَ إنْ كَانَ الْمَرَضُ مَضْبُوطًا لَا يَحْتَاجُ إلَى مُرَاجَعَةِ الطَّبِيبِ فِي كُلِّ صَلَاةٍ فَذَاكَ وَإِلَّا وَجَبَ عَلَيْهِ ذَلِكَ، وَمِنْ التَّعَارُضِ أَيْضًا مَا لَوْ كَانَ يَعْرِفُ الطِّبَّ مِنْ نَفْسِهِ ثُمَّ أَخْبَرَهُ آخَرُ، بِخِلَافِ مَا يَعْرِفُهُ فَيَأْتِي فِيهِ مَا تَقَدَّمَ (قَوْلُهُ: أَوْ عَرَفَ هُوَ ذَلِكَ) أَيْ الْمَخُوفَ (قَوْلُهُ: مِنْ نَفْسِهِ) وَلَوْ فَاسِقًا، وَالْمُرَادُ الْمَعْرِفَةُ بِسَبَبِ الطِّبِّ.

وَفِي حَجّ: وَلَوْ بِالتَّجْرِبَةِ، وَقَدْ يَتَوَقَّفُ فِيهِ بِأَنَّ التَّجْرِبَةَ قَدْ لَا تَحْصُلُ بِهَا مَعْرِفَةٌ لِجَوَازِ أَنَّ حُصُولَ الضَّرَرِ كَانَ لِأَسْبَابٍ لَمْ تُوجَدْ فِي هَذَا الْمَرَضِ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ سَلَامَتُهُ مِنْ خَارِمِ الْمُرُوءَةِ وَلَا مِنْ مُفَسِّقٍ هُنَا وَهُوَ ظَاهِرٌ (قَوْلُهُ وَإِلَّا) أَيْ بِأَنْ فَقَدَهُ فِي مَحَلٍّ يَجِبُ طَلَبُ الْمَاءِ مِنْهُ فِيمَا يَظْهَرُ (قَوْلُهُ: السِّنْجِيُّ) هُوَ بِالْكَسْرِ وَالسُّكُونِ وَجِيمٍ نِسْبَةً إلَى سِنْجَ قَرْيَةٍ بِمَرْوٍ وَالضَّمِّ وَمُهْمَلَةٍ آخِرُهُ إلَى السُّنْجِ مَوْضِعٌ بِالْمَدِينَةِ أَنْسَابٌ لِلسُّيُوطِيِّ مِنْ حَرْفِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ (قَوْلُهُ: يَدُلُّ لَهُ) أَيْ لِمَا جَزَمَ بِهِ الْبَغَوِيّ (قَوْلُهُ: إلَّا بِدَلِيلِ) أَيْ يَسْتَنِدُ إلَيْهِ (قَوْلُهُ: وَلَا كَذَلِكَ أَكْلُ الْمَيْتَةِ) لَك أَنْ تُعَارِضَ بِأَنَّهُ ثَمَّ أَيْضًا اشْتَغَلَتْ ذِمَّتُهُ بِطَلَبِ وِقَايَةِ رُوحِهِ بِأَكْلِ الطَّاهِرِ وَضَرَرُهُ غَيْرُ مُحَقَّقٍ فَلَا يَعْدِلُ عَنْهُ إلَّا بِدَلِيلٍ (قَوْلُهُ: وَلَمْ يَجِدْ مَا يُسَخِّنُ بِهِ الْمَاءَ) قَالَ سم عَلَى حَجّ فِي آخِرِ الْبَابِ مَا نَصُّهُ: أَمَّا لَوْ وَجَدَ مَا يُسَخِّنُ بِهِ الْمَاءَ لَكِنْ ضَاقَ الْوَقْتُ بِحَيْثُ لَوْ اشْتَغَلَ بِالتَّسْخِينِ خَرَجَ الْوَقْتُ وَجَبَ عَلَيْهِ الِاشْتِغَالُ بِهِ، وَإِنْ خَرَجَ الْوَقْتُ

ــ

[حاشية الرشيدي]

هَذَا يُشْبِهُ الْمُصَادَرَةَ، فَإِنَّ الْمُسْتَشْكِلَ لَا يُسَلِّمُ تَعَلُّقَ حَقِّهِ تَعَالَى بِالطَّهَارَةِ بِالْمَاءِ حِينَئِذٍ (قَوْلُهُ: أَوْ عَرَفَ هُوَ ذَلِكَ مِنْ نَفْسِهِ) أَيْ طِبًّا لَا تَجْرِبَةً.

<<  <  ج: ص:  >  >>