للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَوْ يَدَّثِرُ أَعْضَاءَهُ لِمَا رُوِيَ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ «احْتَلَمْت فِي لَيْلَةٍ بَارِدَةٍ فِي غَزْوَةِ ذَاتِ السَّلَاسِلِ، فَأَشْفَقْت أَنْ أَغْتَسِلَ فَأَهْلَكَ، فَتَيَمَّمْت ثُمَّ صَلَّيْت بِأَصْحَابِي الصُّبْحَ فَذَكَرُوا ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: يَا عَمْرُو، صَلَّيْت بِأَصْحَابِك وَأَنْتَ جُنُبٌ فَأَخْبَرْته بِاَلَّذِي مَنَعَنِي مِنْ الِاغْتِسَالِ وَقُلْت: إنِّي سَمِعْت اللَّهَ يَقُول {وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} [النساء: ٢٩] فَضَحِكَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَمْ يَقُلْ شَيْئًا» .

(وَإِذَا امْتَنَعَ اسْتِعْمَالُهُ) أَيْ الْمَاءِ (فِي عُضْوٍ) مِنْ مَحَلِّ طَهَارَتِهِ لِجُرْحٍ أَوْ كَسْرٍ أَوْ مَرَضٍ فَلَمْ يُرِدْ بِامْتِنَاعِهِ تَحْرِيمَهُ بَلْ امْتِنَاعُ وُجُوبِ اسْتِعْمَالِهِ، وَيَصِحُّ أَنْ يُرِيدَ بِهِ تَحْرِيمَهُ أَيْضًا عِنْدَ غَلَبَةِ ظَنِّهِ حُصُولُ الْمَحْذُورِ بِالطَّرِيقِ الْمُتَقَدِّمِ، فَالِامْتِنَاعُ عَلَى بَابِهِ وَمُرَادُهُ بِالْعُضْوِ الْجِنْسُ، وَخَرَجَ بِهِ امْتِنَاعُ اسْتِعْمَالِهِ فِي جَمِيعِ أَعْضَاءِ طَهَارَتِهِ فَإِنَّهُ يَكْفِيه التَّيَمُّمُ (إنْ لَمْ يَكُنْ) عَلَيْهِ (سَاتِرٌ وَجَبَ التَّيَمُّمُ) لِئَلَّا يَبْقَى مَحَلُّ الْعِلَّةِ بِلَا طَهَارَةٍ وَيَلْزَمُهُ إمْرَارُ التُّرَابِ مَا أَمْكَنَ عَلَى مَحَلِّ الْعِلَّةِ إنْ كَانَ بِمَحَلِّ التَّيَمُّمِ وَلَمْ يَخْشَ مَحْذُورًا مِمَّا مَرَّ وَعَرَّفَ التَّيَمُّمَ بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ إشَارَةً لِلرَّدِّ عَلَى مَنْ ذَهَبَ إلَى أَنَّهُ يُمِرُّ التُّرَابَ عَلَى الْمَحَلِّ الْمَعْجُوزِ عَنْهُ

ــ

[حاشية الشبراملسي]

وَلَيْسَ لَهُ التَّيَمُّمُ لِيُصَلِّيَ بِهِ فِي الْوَقْتِ أَفْتَى بِهِ شَيْخُنَا الشِّهَابُ الرَّمْلِيُّ وَهُوَ ظَاهِرٌ لِأَنَّهُ وَاجِدٌ لِلْمَاءِ قَادِرٌ عَلَى الطَّهَارَةِ اهـ.

وَقَوْلُهُ لِأَنَّهُ وَاجِدٌ إلَخْ: أَيْ وَبِهِ يُفَارِقُ مَسْأَلَةَ الزَّحْمَةِ الْمَارَّةِ وَخَرَجَ بِالتَّسْخِينِ التَّبْرِيدُ، فَإِذَا كَانَ الْمَاءُ سَاخِنًا بِحَيْثُ لَوْ اشْتَغَلَ بِتَبْرِيدِهِ خَرَجَ الْوَقْتُ فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ، وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ التَّبْرِيدَ لَيْسَ مِنْ فِعْلِهِ وَلَا بِاخْتِيَارِهِ، بِخِلَافِ التَّسْخِينِ، وَيُحْتَمَلُ إلْحَاقُ التَّبْرِيدِ بِالتَّسْخِينِ لِجَرَيَانِ الْعَادَةِ بِهِ بَلْ قَدْ يَكُونُ زَوَالُ الْحَرَارَةِ فِي زَمَنٍ دُونَ مَا يَصْرِفُ فِي التَّسْخِينِ (قَوْلُهُ: احْتَلَمَتْ إلَخْ) يُشْكِلُ هَذَا الدَّلِيلُ بِأَنَّ مَنْ تَيَمَّمَ لِلْبَرْدِ تَلْزَمُهُ الْإِعَادَةُ فَلَا تَصِحُّ إمَامَتُهُ.

وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ عَنْهُ بِأَنَّهُ أَخَّرَ الْبَيَانَ لِوَقْتِ الْحَاجَةِ، فَسُكُوتُهُ لَا يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ إمَامَتِهِ لِجَوَازِ أَنَّهُ أَخَّرَ الْبَيَانَ لِوَقْتِ الْحَاجَةِ وَهُوَ وَقْتُ الْقَضَاءِ، أَوْ أَنَّ الْقَوْمَ لَمْ يَعْلَمُوا تَيَمُّمَهُ (قَوْلُهُ: ذَاتُ السَّلَاسِلِ) هِيَ بِالْفَتْحِ وَالضَّمِّ، وَعِبَارَةُ الدَّمِيرِيِّ: وَذَاتُ السَّلَاسِلِ، بِسِينَيْنِ مُهْمَلَتَيْنِ الْأُولَى مَفْتُوحَةٌ وَالثَّانِيَةُ مَكْسُورَةٌ وَاللَّامُ مُخَفَّفَةٌ: مَوْضِعٌ مَعْرُوفٌ بِنَاحِيَةِ الشَّامِ فِي أَرْضِ بَنِي عُذْرَةَ كَذَا قَالَهُ الْبَكْرِيُّ فِي مُعْجَمِهِ وَالْمُصَنِّفُ فِي التَّهْذِيبِ هَذَا هُوَ الْمَعْرُوفُ، وَكَانَتْ فِي جُمَادَى الْآخِرَةَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَكَانَ عَمْرٌو أَمِيرَهَا.

وَوَقَعَ فِي نِهَايَةِ ابْنِ الْأَثِيرِ أَنَّهَا بِضَمِّ السِّينِ الْأُولَى وَكَسْرِ الثَّانِيَةِ وَأَنَّهَا بِأَرْضِ جُذَامَ.

وَفِي الصَّحَاحِ قَرِيبٌ مِنْهُ.

وَقَالَ السُّهَيْلِيُّ كَمَا قَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ اهـ وَضَبَطَهُ ابْنُ سَيِّدَهُ فِي الْمُحْكَمِ بِالْوَجْهَيْنِ.

(قَوْلُهُ: عِنْدَ غَلَبَةِ ظَنِّهِ) أَفْهَمَ أَنَّهُ حَيْثُ لَمْ يَغْلِبْ عَلَى ظَنِّهِ مَا ذُكِرَ جَازَ لَهُ التَّيَمُّمُ وَهُوَ مُوَافِقٌ لِمَا اقْتَضَاهُ تَعْبِيرُ الْمُصَنِّفِ بِالْخَوْفِ، وَحِينَئِذٍ فَحَيْثُ أَخْبَرَهُ الطَّبِيبُ بِأَنَّ الْغَالِبَ حُصُولُ الْمَرَضِ حَرُمَ اسْتِعْمَالُ الْمَاءِ، وَإِنْ أَخْبَرَ بِمُجَرَّدِ حُصُولِ الْخَوْفِ لَمْ يَجِبْ وَيَجُوزُ التَّيَمُّمُ (قَوْلُهُ: وَمُرَادُهُ بِالْعُضْوِ الْجِنْسُ) أَيْ فَيُصَدَّقُ بِمَا إذَا كَانَتْ الْجِرَاحَةُ فِي أَكْثَرِ مِنْ عُضْوٍ لَكِنْ يُرَدُّ عَلَيْهِ أَنَّ تَعَدُّدَ الْعُضْوِ يَأْتِي فِي كَلَامِهِ.

وَقَدْ يُقَالُ إتْيَانُهُ فِي كَلَامِهِ لَا يَمْنَعُ حَمْلُهُ عَلَى الْجِنْسِ لِأَنَّ الْجِنْسَ عِنْدَ الْحَمْلِ عَلَيْهِ مُجْمَلٌ فَمَا يَأْتِي بَيَانٌ لَهُ أَوْ أَنَّ مَا يَأْتِي بَيَانٌ لِتَعَدُّدِ التَّيَمُّمِ (قَوْلُهُ: مَا أَمْكَنَ عَلَى مَحَلِّ الْعِلَّةِ) إنْ أَمْكَنَ وَلَوْ عَلَى أَفْوَاهِ الْجُرْحِ إذْ لَا ضَرَرَ فِيهِ مَتْنُ الرَّوْضِ وَشَرْحُهُ (قَوْلُهُ: مِمَّا مَرَّ) أَيْ مِنْ الْخَوْفِ عَلَى مَنْفَعَةِ الْعُضْوِ إلَخْ (قَوْلُهُ: إشَارَةٌ لِلرَّدِّ إلَخْ) وَوَجْهُ الرَّدِّ أَنَّ ذَلِكَ: أَيْ مَسْحُ الْمَحَلِّ الْمَعْجُوزِ عَنْهُ وَحْدَهُ لَا يُسَمَّى تَيَمُّمًا شَرْعِيًّا، وَالْأَلْفَاظُ الْمُطْلَقَةُ تُحْمَلُ

ــ

[حاشية الرشيدي]

قَوْلُهُ: فَلَمْ يَرِدْ) لَوْ عَبَّرَ بِالْوَاوِ بَدَلَ الْفَاءِ كَمَا عَبَّرَ الدَّمِيرِيُّ لَكَانَ وَاضِحًا (قَوْلُهُ: عِنْدَ غَلَبَةِ ظَنِّهِ إلَخْ) لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا الْقَيْدَ لَا بُدَّ مِنْهُ لِامْتِنَاعِ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ عَلَى كُلٍّ مِنْ الْمَعْنَيَيْنِ خِلَافًا لِمَا يُوهِمُهُ كَلَامُهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>