وَجْهِهِ وَيَدَيْهِ وَجَبَ عَلَيْهِ لِأَجْلِ تَيَمُّمِهِ وَإِلَّا لَمْ يَجِبْ التَّيَمُّمُ وَيُصَلِّي كَفَاقِدِ الطَّهُورَيْنِ ثُمَّ يَقْضِي لَكِنَّهُ يُسَنُّ خُرُوجًا مِنْ خِلَافِ مَنْ أَوْجَبَهُ وَالْيَدَانِ وَالرِّجْلَانِ كُلٌّ مِنْهُمَا كَعُضْوٍ.
نَعَمْ يُسَنُّ جَعْلُ كُلِّ وَاحِدَةٍ كَعُضْوِ فِي التَّيَمُّمِ مِنْ أَجْلِهَا.
وَيُؤْخَذُ مِمَّا تَقَدَّمَ أَنَّهُ لَوْ عَمَّتْ الْعِلَّةُ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ كَفَاهُ تَيَمُّمٌ وَاحِدٌ عَنْ ذَلِكَ لِسُقُوطِ التَّرْتِيبِ بَيْنَهُمَا حِينَئِذٍ، وَبِهِ أَفْتَى الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَمِثْلُ ذَلِكَ مَا لَوْ عَمَّتْ الرَّأْسَ وَالرِّجْلَيْنِ.
قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: فَإِنْ قِيلَ إذَا كَانَتْ الْجِرَاحَةُ فِي وَجْهِهِ وَيَدِهِ وَغَسَلَ صَحِيحَ الْوَجْهِ أَوَّلًا جَازَ تَوَالِي تَيَمُّمَيْهِمَا فَلِمَ لَا يَكْفِيه تَيَمُّمٌ وَاحِدٌ كَمَنْ عَمَّتْ الْجِرَاحَةُ أَعْضَاءَهُ؟ فَالْجَوَابُ أَنَّ التَّيَمُّمَ هُنَا فِي طُهْرٍ تَحَتَّمَ فِيهِ التَّرْتِيبُ، فَلَوْ كَفَاهُ تَيَمُّمٌ وَاحِدٌ حَصَلَ تَطْهِيرُ الْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ وَهُوَ مُمْتَنِعٌ، بِخِلَافِ التَّيَمُّمِ عَنْ الْأَعْضَاءِ كُلِّهَا لِسُقُوطِ التَّرْتِيبِ بِسُقُوطِ الْغُسْلِ اهـ.
قَالَ الشَّيْخُ: وَمَا قِيلَ مِنْ أَنَّ هَذَا الْجَوَابَ لَا يُفِيدُ لِأَنَّ حُكْمَ التَّرْتِيبِ بَاقٍ فِيمَا يُمْكِنُ غَسْلُهُ سَاقِطٌ فِي غَيْرِهِ فَيَكْفِيه تَيَمُّمٌ وَاحِدٌ مَرْدُودٌ بِأَنَّ الطُّهْرَ فِي الْعُضْوِ الْوَاحِدِ لَا يَتَجَزَّأُ تَرْتِيبًا وَعَدَمَهُ.
(وَإِنْ) (كَانَ) عَلَى عُضْوِهِ الَّذِي امْتَنَعَ اسْتِعْمَالُهُ الْمَاءَ فِيهِ سَاتِرٌ (كَجَبِيرَةٍ وَلُصُوقٍ لَا يُمْكِنُ نَزْعُهَا) لِخَوْفِهِ مَحْذُورًا مِمَّا مَرَّ، وَعِبَارَةُ أَصْلِهِ وَلَا يُمْكِنُ.
قِيلَ: وَهِيَ أَوْلَى لِإِيهَامِ تِلْكَ أَنَّ مَا يُمْكِنُ نَزْعُهُ لَا يُسَمَّى سَاتِرًا اهـ.
وَيُرَدُّ بِفَرْضِ صِحَّتِهِ بِأَنَّ مِنْ الْوَاضِحِ أَنَّ هَذَا قَيْدٌ لِلْحُكْمِ لَا لِتَسْمِيَتِهَا سَاتِرًا فَلَمْ يَحْتَجْ لِلْوَاوِ.
وَالْجَبِيرَةُ بِفَتْحِ الْجِيمِ: خَشَبٌ أَوْ قَصَبٌ يُسَوَّى وَيُشَدُّ عَلَى مَحَلِّ الْكَسْرِ أَوْ الْخَلْعِ لِيَنْجَبِرَ.
وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: الْجَبِيرَةُ مَا كَانَ عَلَى كَسْرٍ وَاللُّصُوقُ مَا كَانَ عَلَى جُرْحٍ، وَمِنْهُ عِصَابَةُ الْفَصْدِ وَنَحْوُهَا، وَتَعْبِيرُ الْمُصَنِّفِ بِالسَّاتِرِ شَامِلٌ لِمَا تَقَدَّمَ، وَحَيْثُ عَسُرَ عَلَيْهِ نَزْعُ مَا ذُكِرَ (غَسَلَ الصَّحِيحَ) لِكَوْنِهَا طَهَارَةً ضَرُورَةً فَلَزِمَهُ أَقْصَى مَا يُمْكِنُهُ مِنْهَا (وَتَيَمَّمَ) لِحَدِيثِ جَابِرٍ فِي «الْمَشْجُوجِ الَّذِي احْتَلَمَ وَاغْتَسَلَ فَدَخَلَ الْمَاءُ شَجَّتَهُ فَمَاتَ فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّمَا كَانَ يَكْفِيه أَنْ يَتَيَمَّمَ وَيَعْصِبَ عَلَى رَأْسِهِ خِرْقَةً ثُمَّ يَمْسَحَ عَلَيْهَا وَيَغْسِلَ سَائِرَ جَسَدِهِ» (كَمَا سَبَقَ) حُكْمُهُ مِنْ مُرَاعَاةِ التَّرْتِيبِ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
لَزِمَ وُقُوعُ مَا عَدَا نِيَّةَ التَّيَمُّمِ الْأَوَّلِ فِي غَيْرِ مَحَلِّهَا، إذْ مَحَلُّهَا بِالنِّسْبَةِ لِكُلِّ تَيَمُّمٍ عِنْدَ نَقْلِ التُّرَابِ وَمُقَارَنَتِهَا لِلْمَسْحِ بِهِ، فَالِاكْتِفَاءُ بِالنِّيَّةِ الْأُولَى عَنْ بَقِيَّةِ التَّيَمُّمَاتِ يُشْبِهُ مَا لَوْ نَوَى عِنْدَ غَسْلِ الْكَفَّيْنِ الْوُضُوءَ وَلَمْ يَسْتَحْضِرْ النِّيَّةَ عِنْدَ غَسْلِ الْوَجْهِ وَهُوَ بَاطِلٌ فَكَذَا هُنَا، عَلَى أَنَّ التَّيَمُّمَ الثَّانِيَ حَيْثُ خَلَا عَنْ النِّيَّةِ كَانَ الْحَاصِلُ بِهِ مُجَرَّدَ تَكْرَارِ الْمَسْحِ (قَوْلُهُ: وَجَبَ عَلَيْهِ) أَيْ رَفْعُ السِّتْرِ (قَوْلُهُ لَكِنَّهُ يُسَنُّ) أَيْ التَّيَمُّمُ فَوْقَ السَّاتِرِ (قَوْلُهُ كُلٌّ مِنْهُمَا) أَيْ الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ فَالْيَدَانِ كَعُضْوٍ وَالرِّجْلَانِ كَعُضْوِ (قَوْلُهُ: وَيُؤْخَذُ مِمَّا تَقَدَّمَ) أَيْ فِي قَوْلِهِ وَلَوْ عَمَّتْ الْعِلَّةُ أَعْضَاءَهُ الْأَرْبَعَةَ كَفَاهُ تَيَمُّمٌ وَاحِدٌ إلَخْ (قَوْلُهُ: تَحَتَّمَ فِيهِ التَّرْتِيبُ) أَيْ نَظَرًا لِغَسْلِ الصَّحِيحِ مِنْ كُلٍّ مِنْ الْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ (قَوْلُهُ: وَهُوَ مُمْتَنِعٌ) أَيْ لِوُجُوبِ التَّرْتِيبِ فِيهِ (قَوْلُهُ: فِيمَا يُمْكِنُ غَسْلُهُ) وَهُوَ صَحِيحُ الْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ (قَوْلُهُ: سَاقِطٌ فِي غَيْرِهِ) وَهُوَ عَلِيلُهُمَا.
(قَوْلُهُ: فَلَمْ يَحْتَجْ لِلْوَاوِ) أَيْ وَمَعَ ذَلِكَ هِيَ أَوْضَحُ لِاسْتِغْنَائِهَا عَنْ الْجَوَابِ (قَوْلُهُ: مَا كَانَ عَلَى جُرْحٍ) ظَاهِرُهُ وَلَوْ مِنْ خَشَبٍ (قَوْلُهُ: لِمَا تَقَدَّمَ) أَيْ مِنْ الْجَبِيرَةِ وَاللُّصُوقِ (قَوْلُهُ: وَحَيْثُ عُثِرَ عَلَيْهِ) أَيْ بِأَنْ خَافَ مِنْ نَزْعِ الْجَبِيرَةِ شَيْئًا مِمَّا تَقَدَّمَ (قَوْلُهُ: «وَيَعْصِبُ عَلَى رَأْسِهِ» ) بَابُهُ ضَرَبَ اهـ مُخْتَارٌ.
وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا الرَّجُلَ: أَيْ الْمُعَبَّرُ عَنْهُ بِالْمَشْجُوجِ فِي قِصَّةِ جَابِرٍ وَالْمُعَبَّرُ عَنْهُ بِلَفْظِ رَجُلٍ فِي سُؤَالِ ابْنِ عَبَّاسٍ هُوَ الْمُتَقَدِّمُ فِي قَوْلِهِ لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ أَنَّ رَجُلًا أَصَابَهُ جُرْحٌ عَلَى عَهْدِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَيَكُونُ قَوْلُهُ هُنَا إنَّمَا يَكْفِيه مَذْكُورًا مَعَ قَوْلِهِ السَّابِقِ «أَوَ لَمْ يَكُنْ شِفَاءُ الْعَيِّ السُّؤَالَ» لَكِنَّ جَابِرَ رَوَى كَيْفِيَّةَ تَعْلِيمِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - التَّيَمُّمَ وَابْنَ عَبَّاسٍ لَمْ يَتَعَرَّضْ لِذَلِكَ وَإِنَّمَا اقْتَصَرَ عَلَى اعْتِرَاضِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الْآمِرِ
ــ
[حاشية الرشيدي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .