حُضُورِهِ (مُنْكَرٌ)
أَيْ مُحَرَّمٌ وَلَوْ صَغِيرَةً كَآنِيَةِ نَقْدٍ كَمَا فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ: أَيْ يُبَاشِرُ الْأَكْلَ مِنْهَا بِلَا حِيلَةٍ تُجَوِّزُهُ بِخِلَافِ مُجَرَّدِ حُضُورِهَا بِنَاءً عَلَى مَا يَأْتِي فِي صُوَرٍ غَيْرِ مُمْتَهَنَةٍ أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ دُخُولُ مَحَلِّهَا، وَكَنَظَرِ رَجُلٍ لِامْرَأَةٍ أَوْ عَكْسِهِ وَبِهِ يُعْلَمُ أَنَّ إشْرَافَ النِّسَاءِ عَلَى الرِّجَالِ عُذْرٌ، وَكَآلَةٍ مُطْرِبَةٍ مُحَرَّمَةٍ كَذِي وَتَرٍ وَزَمْرٍ وَلَوْ شَبَّابَةً وَطَبْلِ كُوبَةٍ، وَكَمَنْ يَضْحَكُ بِفُحْشٍ وَكَذِبٍ كَمَا فِي الْإِحْيَاءِ، أَمَّا مُحَرَّمٌ وَنَحْوُهُ مِمَّا مَرَّ بِغَيْرِ مَحَلِّ حُضُورِهِ كَبَيْتٍ آخَرَ مِنْ الدَّارِ فَلَا يَمْنَعُ الْوُجُوبَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ بَعْضُهُمْ، وَيُوَافِقُهُ قَوْلُ الْحَاوِي إذَا لَمْ يُشَاهِدْ الْمَلَاهِيَ لَمْ يَضُرَّ سَمَاعُهَا كَاَلَّتِي بِجِوَارِهِ، وَنَقَلَهُ الْأَذْرَعِيُّ عَنْ قَضِيَّةِ كَلَامِ كَثِيرِينَ مِنْهُمْ الشَّيْخَانِ، ثُمَّ نَقَلَ عَنْ قَضِيَّةِ كَلَامِ آخَرِينَ عَدَمَ الْفَرْقِ بَيْنَ مَحَلِّ الْحُضُورِ وَسَائِرِ بُيُوتِ الدَّارِ وَاعْتَمَدَهُ فَقَالَ الْمُخْتَارُ أَنَّهُ لَا تَجِبُ الْإِجَابَةُ بَلْ لَا تَجُوزُ لِمَا فِي الْحُضُورِ مِنْ سُوءِ الظَّنِّ بِالْمَدْعُوِّ وَبِهِ يُفَارِقُ الْجَارُ، وَفَرَّقَ السُّبْكِيُّ أَيْضًا بِأَنَّ فِي مُفَارَقَةِ دَارِهِ ضَرَرًا عَلَيْهِ وَلَا فِعْلَ مِنْهُ، بِخِلَافِ هَذَا فَإِنَّهُ تَعَمَّدَ الْحُضُورَ لِمَحَلِّ الْمَعْصِيَةِ بِلَا ضَرُورَةٍ، وَمِمَّا قَالَاهُ هُوَ الْوَجْهُ، وَبِتَسْلِيمٍ أَنَّ قَضِيَّةَ كَلَامِ الْأَوَّلِينَ الْحِلُّ فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا كَانَ ثَمَّ عُذْرٌ يَمْنَعُ مِنْ كَوْنِهِ مُقِرًّا عَلَى الْمَعْصِيَةِ بِلَا ضَرُورَةٍ (فَإِنْ كَانَ) الْمُنْكَرُ (يَزُولُ بِحُضُورِهِ) لِنَحْوِ عِلْمٍ أَوْ جَاهٍ (فَلْيَحْضُرْ) وُجُوبًا إجَابَةً لِلدَّعْوَةِ وَإِزَالَةً لِلْمُنْكَرِ، وَلَا يَمْنَعُ الْوُجُوبُ وُجُودَ مَنْ يُزِيلُهُ غَيْرُهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِلْإِزَالَةِ فَقَطْ كَمَا تَقَرَّرَ، وَلَوْ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ إلَّا بَعْدَ حُضُورِهِ نَهَاهُمْ، فَإِنْ عَجَزَ خَرَجَ، فَإِنْ عَجَزَ لِنَحْوِ خَوْفٍ قَعَدَ كَارِهًا، وَلَا يَجْلِسُ مَعَهُمْ إنْ أَمْكَنَ، وَيُفَرَّقُ بَيْنَ وُجُوبِ الْإِجَابَةِ وَإِزَالَةِ الْمُنْكَرِ بِشَرْطِهِ الْآتِي فِي السِّيَرِ وَعَدَمِ وُجُوبِ إزَالَةِ الرَّصَدِيِّ فِي الْحَجِّ وَإِنْ قَدِرَ عَلَيْهَا بِأَنَّ مِنْ شَأْنِ الْحَجِيجِ أَنْ لَا تَجْتَمِعَ كَلِمَتُهُمْ وَمَانِعِيهِمْ أَنْ تَشْتَدَّ شَوْكَتُهُمْ مَعَ أَنَّ الْأَصْلَ فِي الْوُجُوبِ ثَمَّ التَّرَاخِي وَهُنَا الْفَوْرُ فَاحْتِيطَ لِلْوُجُوبِ هُنَا أَكْثَرَ (وَمِنْ الْمُنْكَرِ فِرَاشُ حَرِيرٍ) فِي دَعْوَةٍ اُتُّخِذَتْ لِرِجَالٍ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ هُنَا أَنَّ الْعِبْرَةَ فِي الَّذِي يُنْكِرُ بِاعْتِقَادِ الْمَدْعُوِّ، وَلَا يُنَافِيهِ مَا يَأْتِي فِي السِّيَرِ أَنَّ الْعِبْرَةَ فِي الَّذِي يُنْكِرُ بِاعْتِقَادِ الْفَاعِلِ تَحْرِيمَهُ لِأَنَّ مَا هُنَا فَبِوُجُوبِ الْحُضُورِ وَوُجُوبُهُ مَعَ وُجُودِ مُحَرَّمٍ فِي اعْتِقَادِهِ فِيهِ مَشَقَّةٌ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
وَبَيْنَ غَيْرِ الدَّاعِي. أَمَّا إذَا كَانَ الْعَدُوُّ هُوَ الدَّاعِي فَقَضِيَّةُ مَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ وَلَا أَثَرَ لِعَدَاوَةٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الدَّاعِي أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ لِلْوُجُوبِ حِينَئِذٍ وَيُمْكِنُ تَقْيِيدُ مَا مَرَّ بِمَا ذُكِرَ هُنَا (قَوْلُهُ: إنَّ إشْرَافَ النِّسَاءِ عَلَى الرِّجَالِ عُذْرٌ) أَيْ وَلَوْ أَمْكَنَهُ التَّحَرُّزُ عَنْ رُؤْيَتِهِنَّ لَهُ كَتَغْطِيَةِ رَأْسِهِ وَوَجْهِهِ بِحَيْثُ لَا يُرَى شَيْءٌ مِنْ بَدَنِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ الْمَشَقَّةِ (قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ تَعَمَّدَ الْحُضُورَ إلَخْ) قَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَوْ حَضَرَ عَلَى ظَنِّ أَنْ لَا مَعْصِيَةَ بِالْمَكَانِ ثُمَّ تَبَيَّنَ خِلَافُهُ كَأَنْ حَضَرَ مَعَ الْمُجْتَمَعِينَ فِي مَحَلِّ الدَّعْوَةِ ثُمَّ سَمِعَ الْآلَاتِ فِي غَيْرِ الْمَحَلِّ الَّذِي هُوَ فِيهِ أَوْ حَضَرَ أَصْحَابُ الْآلَاتِ بَعْدَ حُضُورِهِ لِمَحَلِّ الدَّعْوَةِ عَدَمُ وُجُوبِ الْخُرُوجِ عَلَيْهِ، وَالظَّاهِرُ خِلَافُهُ أَخْذًا بِقَوْلِهِ مِنْ سُوءِ الظَّنِّ بِالْمَدْعُوِّ إلَخْ (قَوْلُهُ وَمَا قَالَاهُ) أَيْ الْأَذْرَعِيُّ وَالسُّبْكِيُّ مِنْ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ آلَاتِ اللَّهْوِ فِي مَحَلِّ الْحُضُورِ أَوْ غَيْرِهِ (قَوْلُهُ: ثَمَّ عُذْرٌ) اُنْظُرْ مَا الْعُذْرُ؟ وَيُمْكِنُ تَصْوِيرُهُ بِمَا لَوْ خَافَ عَلَى نَفْسِهِ ضَرَرًا يَلْحَقُهُ إنْ لَمْ يَحْضُرْ (قَوْلُهُ: مَنْ يُزِيلُهُ غَيْرُهُ) غَيْرُهُ نَعْتٌ لِمَنْ أَوْ حَالٌ
[حاشية الرشيدي]
مِنْ الْأَعْذَارِ انْخِرَامُ الْعِرْضِ؛ لِأَنَّ الضَّرَرَ فِي ذَلِكَ لَيْسَ رَاجِعًا إلَّا لِلْعِرْضِ (قَوْلُهُ: بِنَاءً عَلَى مَا يَأْتِي إلَخْ) قَالَ الشِّهَابُ سم: اُنْظُرْ مَا وَجْهُ الْبِنَاءِ مَعَ أَنَّ الْآتِيَ أَنَّهُ يَحْرُمُ حُضُورُ الْمَحَلِّ الَّذِي فِيهِ الْمُحَرَّمُ، بِخِلَافِ مُجَرَّدِ دُخُولِهِ. نَعَمْ الْفَرْقُ لَائِحٌ بَيْنَ حُضُورِ الْآنِيَةِ وَحُضُورِ الصُّوَرِ، وَهُوَ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الصُّوَرِ نَصُّهَا فِي الْمَحَلِّ وَهُوَ حَاصِلٌ فَحَرُمَ مُجَرَّدُ الْحُضُورِ بِمَحَلٍّ هِيَ فِيهِ وَأَمَّا الْآنِيَةُ فَإِنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهَا الِاسْتِعْمَالُ وَهُوَ غَيْرُ حَاصِلٍ بِمُجَرَّدِ حُضُورِهَا. اهـ. (قَوْلُهُ: وَبِهِ يُفَارِقُ الْجَارُ) قَالَ الشِّهَابُ سم: هَذَا الْكَلَامُ قَدْ يُفِيدُ وُجُوبَ الْإِجَابَةِ لِدَارٍ بِجِوَارِهَا مُنْكَرٌ. نَعَمْ فَرْقُ السُّبْكِيّ قَدْ يُفِيدُ الْمَنْعَ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَمَا قَالَاهُ) أَيْ الْأَذْرَعِيُّ وَالسُّبْكِيُّ (قَوْلُهُ: وَمَانِعِيهِمْ) أَيْ مِنْ شَأْنِ مَانِعِيهِمْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute