عَلَيْهِ فَسَقَطَ وُجُوبُ الْحُضُورِ. وَأَمَّا الْإِنْكَارُ فَفِيهِ إضْرَارٌ بِالْفَاعِلِ، وَلَا يَجُوزُ إضْرَارُهُ إلَّا إنْ اعْتَقَدَ تَحْرِيمَهُ، بِخِلَافِ مَا إذَا اعْتَقَدَهُ الْمُنْكِرُ فَقَطْ لِأَنَّ أَحَدًا لَا يُعَامَلُ بِمُقْتَضَى اعْتِقَادِ غَيْرِهِ فَتَأَمَّلْ، وَإِذَا سَقَطَ الْوُجُوبُ وَأَرَادَ الْحُضُورَ اُعْتُبِرَ حِينَئِذٍ اعْتِقَادُ الْفَاعِلِ، فَإِنْ ارْتَكَبَ أَحَدٌ مُحَرَّمًا فِي اعْتِقَادِهِ لَزِمَ هَذَا الْمُتَبَرِّعَ بِالْحُضُورِ الْإِنْكَارُ، فَإِنْ عَجَزَ لَزِمَهُ الْخُرُوجُ إنْ أَمْكَنَهُ عَمَلًا بِكَلَامِهِمْ فِي السِّيَرِ حِينَئِذٍ، فَقَدْ قَالُوا: الْمَنْقُولُ أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ الْحُضُورُ إلَّا إنْ اعْتَقَدَ الْفَاعِلُ التَّحْرِيمَ وَهُوَ صَرِيحٌ فِيمَا تَقَرَّرَ، وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ النَّبِيذُ وَغَيْرُهُ خِلَافًا لِمَنْ فَرَّقَ، وَلَا يُنَافِيهِ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي شَارِبِهِ الْحَنَفِيِّ: أَحُدُّهُ وَأَقْبَلُ شَهَادَتَهُ. لِأَنَّ الْمُعَوَّلَ عَلَيْهِ فِي تَعْلِيلِهِ أَنَّ الْحَاكِمَ يَجِبُ عَلَيْهِ رِعَايَةُ اعْتِقَادِهِ دُونَ اعْتِقَادِ الْمَرْفُوعِ إلَيْهِ، وَقَوْلُ الشَّارِحِ هُنَا وَلَوْ كَانَ الْمُنْكَرُ مُخْتَلَفًا فِيهِ كَشُرْبِ النَّبِيذِ وَالْجُلُوسِ عَلَى الْحَرِيرِ حَرُمَ الْحُضُورُ عَلَى مُعْتَقَدِ تَحْرِيمِهِ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا كَانَ الْمُتَعَاطِي لَهُ يَعْتَقِدُ تَحْرِيمَهُ أَيْضًا، وَكَفُرُشِ الْحَرِيرِ سَتْرُ الْجِدَارَ بِهِ بَلْ أَوْلَى لِحُرْمَةِ هَذَا حَتَّى عَلَى النِّسَاءِ، وَفُرُشِ جُلُودِ نُمُورٍ بَقِيَ وَبَرُهَا كَمَا قَالَهُ الْحَلِيمِيُّ وَغَيْرُهُ، وَأَلْحَقَ بِهِ فِي الْعُبَابِ جِلْدَ فَهْدٍ فِي حُرْمَةِ اسْتِعْمَالِهِ، وَكَذَا مَغْصُوبٌ وَمَسْرُوقٌ وَكَلْبٌ لَا يَحِلُّ اقْتِنَاؤُهُ وَلَوْ كَانَ الدَّاخِلُ أَعْمَى.
وَالْقَوْلُ بِأَنَّ الْأَوْلَى التَّعْبِيرُ بِفُرُشِ الْحَرِيرِ لِأَنَّهُ الْمُحَرَّمُ دُونَ الْفِرَاشِ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ مَطْوِيًّا مَرْدُودٌ إذْ فُرُشُ الْحَرِيرِ لَا يَحْرُمُ مُطْلَقًا، بَلْ لِمَنْ عُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ يَجْلِسُ عَلَيْهِ جُلُوسًا مُحَرَّمًا عَلَى أَنَّ كَلَامَهُ فِي مُنْكَرٍ حَاضِرٍ بِمَحَلِّ الدَّعْوَةِ وَالْفُرُشُ لَا يُوصَفُ بِذَلِكَ فَتَعَيَّنَ التَّعْبِيرُ بِالْفِرَاشِ وَاحْتِمَالُ طَيِّهِ يَرُدُّهُ قَرِينَةُ السِّيَاقِ أَنَّهُ جَلَسَ عَلَيْهِ (وَصُورَةِ حَيَوَانٍ) مُشْتَمِلَةٍ عَلَى مَا لَمْ يُمْكِنْ بَقَاؤُهُ بِدُونِهِ دُونَ غَيْرِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا نَظِيرٌ كَفَرَسٍ بِأَجْنِحَةٍ، هَذَا إنْ كَانَتْ بِمَحَلِّ حُضُورِهِ لَا نَحْوَ بَابٍ وَمَمَرٍّ كَمَا قَالَاهُ قَدِرَ عَلَى إزَالَتِهَا أَمْ لَا. وَلُزُومُ الْإِجَابَةِ مَعَ الْقُدْرَةِ مَعْلُومٌ فَلَا يُرَدُّ هُنَا، أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ بِطَرِيقِهِ مُحَرَّمٌ تَلْزَمُهُ الْإِجَابَةُ، ثُمَّ إنْ قَدِرَ عَلَى إزَالَتِهِ لَزِمَتْهُ وَإِلَّا فَلَا. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُحَرَّمَ إنْ كَانَ بِمَحَلِّ الْحُضُورِ لَمْ تَجِبْ الْإِجَابَةُ وَحَرُمَ الْحُضُورُ أَوْ بِنَحْوِ مَمَرِّهِ وَجَبَتْ إذْ لَا يُكْرَهُ الدُّخُولُ إلَى مَحَلٍّ هِيَ بِمَمَرِّهِ. أَمَّا مُجَرَّدُ الدُّخُولِ لِمَحَلٍّ فِيهِ ذَلِكَ فَلَا يَحْرُمُ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الرَّوْضَةِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَبِذَلِكَ عُلِمَ أَنَّ مَسْأَلَةَ الْحُضُورِ غَيْرُ مَسْأَلَةِ الدُّخُولِ خِلَافًا لِمَا فَهِمَهُ الْإِسْنَوِيُّ، وَسَوَاءٌ فِي الصُّورَةِ الْمُحَرَّمَةِ أَكَانَتْ (عَلَى سَقْفٍ أَوْ جِدَارٍ أَوْ وِسَادَةٍ) مَنْصُوبَةً لِمَا نَذْكُرُهُ فِي الْمِخَدَّةِ لِتَرَادُفِهِمَا (أَوْ سِتْرٍ) عُلِّقَ لِزِينَةٍ أَوْ مَنْفَعَةٍ (أَوْ ثَوْبٍ مَلْبُوسٍ) وَلَوْ بِالْقُوَّةِ فَيَدْخُلُ الْمَوْضُوعُ بِالْأَرْضِ كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ
(وَيَجُوزُ)
ــ
[حاشية الشبراملسي]
قَوْلُهُ: وَفُرُشِ جُلُودِ نُمُورٍ) أَيْ لِمَا فِيهِ مِنْ الْخُيَلَاءِ وَالْكِبْرِ (قَوْلُهُ: وَصُورَةِ حَيَوَانٍ) الَّذِي أَفْتَى بِهِ الشِّهَابُ الرَّمْلِيُّ أَنَّ مَلَائِكَةَ الرَّحْمَةِ لَا تَمْتَنِعُ مِنْ دُخُولِ بَيْتٍ فِيهِ صُورَةٌ وَلَوْ عَلَى نَقْدٍ، وَخَالَفَهُ حَجّ فِي الزَّوَاجِرِ، وَالْأَقْرَبُ مَا فِي الزَّوَاجِرِ، وَوَجْهُهُ أَنَّ حَمْلَ النَّقْدِ وَالتَّعَامُلِ بِهِ وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ صُورَةُ إنَّمَا هُوَ لِلْعُذْرِ فِي الِاحْتِيَاجِ إلَيْهِ وَعَدَمِ إرَادَةِ تَعْظِيمِهِ وَالْعُذْرُ فِي الِاحْتِيَاجِ وَالضَّرُورَةِ لَا تَزِيدُ عَلَى مُلَازَمَةِ الْحَيْضِ لِلْحَائِضِ، وَمَعَ ذَلِكَ وَرَدَ النَّصُّ بِأَنَّ الْمَلَائِكَةَ لَا تَدْخُلُ بَيْتًا فِيهِ حَائِضٌ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: وَأَلْحَقَ بِهِ صَاحِبُ الْعُبَابِ جِلْدَ فَهْدٍ) صَرِيحُ هَذَا الصَّنِيعِ أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ مِنْ جُلُودِ السِّبَاعِ إلَّا جِلْدُ النَّمِرِ: أَيْ لِوُرُودِ النَّهْيِ عَنْهُ كَمَا قَالَهُ الْحَلِيمِيُّ، وَأَنَّ الْفَهْدَ مُلْحَقٌ بِهِ عَلَى مَا قَالَهُ صَاحِبُ الْعُبَابِ، وَلَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّهُمَا هُمَا اللَّذَانِ تُوجَدُ فِيهِمَا الْعِلَّةُ، وَهِيَ أَنَّ اسْتِعْمَالَ ذَلِكَ شَأْنُ الْمُتَكَبِّرِينَ لِظُهُورِ وَبَرِهِمَا وَتَمْيِيزِهِ، لَكِنَّ عِبَارَةَ ابْنِ حَجَرٍ: وَفُرُشُ جُلُودِ السِّبَاعِ وَعَلَيْهَا الْوَبَرُ؛ لِأَنَّهُ شَأْنُ الْمُتَكَبِّرِينَ انْتَهَتْ فَلْيُحَرَّرْ (قَوْلُهُ: إذْ فُرُشُ الْحَرِيرِ لَا يَحْرُمُ مُطْلَقًا) أَيْ خِلَافًا لِقَوْلِ الْمُعْتَرِضِ؛ لِأَنَّهُ الْمُحَرَّمُ (قَوْلُهُ دُونَ غَيْرِهِ) الضَّمِيرُ يَرْجِعُ إلَى مَا وَفِي الْعِبَارَةِ مُشَاحَّةٌ لَا تَخْفَى (قَوْلُهُ: وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُحَرَّمَ) أَيْ الْمُجْمَعَ عَلَى تَحْرِيمِهِ بِقَرِينَةِ مَا مَرَّ آنِفًا (قَوْلُهُ: وَحَرُمَ الْحُضُورُ) أَيْ إذَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى إزَالَتِهِ كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute