للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بَيْنَهُمَا تَغَايُرًا، فَفَسَّرَ الْهَزْلَ بِأَنْ يَقْصِدَ اللَّفْظَ دُونَ الْمَعْنَى وَاللَّعِبَ بِأَنْ لَا يَقْصِدَ شَيْئًا، وَفِيهِ نَظَرٌ إذْ قَصْدُ اللَّفْظِ لَا بُدَّ مِنْهُ مُطْلَقًا بِالنِّسْبَةِ لِلْوُقُوعِ بَاطِنًا، وَمِنْ ثَمَّ قَالُوا لَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ وَقَدْ قَصَدَ لَفْظَ الطَّلَاقِ دُونَ مَعْنَاهُ كَمَا فِي حَالِ الْهَزْلِ وَقَعَ وَلَمْ يُدَيَّنْ فِي قَوْلِهِ لَمْ أَقْصِدْ الْمَعْنَى (أَوْ وَهُوَ يَظُنُّهَا أَجْنَبِيَّةً بِأَنْ كَانَتْ فِي ظُلْمَةٍ أَوْ نَكَحَهَا لَهُ وَلِيُّهُ أَوْ وَكِيلُهُ وَلَمْ يَعْلَمْ) أَوْ نَاسِيًا أَنَّ لَهُ زَوْجَةٌ كَمَا نَقَلَاهُ عَنْ النَّصِّ وَأَقَرَّاهُ وَإِنْ بَحَثَ الزَّرْكَشِيُّ تَخْرِيجَهُ عَلَى حِنْثِ النَّاسِي (وَقَعَ) ظَاهِرًا وَبَاطِنًا كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الرُّويَانِيِّ وَغَيْرُهُ وَأَنَّهُ الْمَذْهَبُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْأَنْوَارِ وَاعْتَمَدَهُ الْأَذْرَعِيُّ لِأَنَّهُ خَاطَبَ مَنْ هِيَ مَحَلُ الطَّلَاقِ. وَالْعِبْرَةُ فِي الْعُقُودِ وَنَحْوِهَا بِمَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ.

نَعَمْ فِي الْكَافِي لَوْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً فِي الرُّسْتَاقِ فَذَهَبَتْ إلَى الْبَلَدِ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ فَقِيلَ لَهُ: أَلَكَ فِي الْبَلَدِ زَوْجَةٌ؟ فَقَالَ: إنْ كَانَ لِي فِي الْبَلَدِ زَوْجَةٌ فَهِيَ طَالِقٌ. وَكَانَتْ هِيَ فِي الْبَلَدِ فَعَلَى قَوْلِي حَنِثَ النَّاسِي. قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: وَأَكْثَرُ مَا يُلْمَحُ فِي الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا صُورَةُ التَّعْلِيقِ. قِيلَ وَيُؤَيِّدُهُ مَا يَأْتِي أَنَّ مَنْ حَلَفَ عَلَى إثْبَاتٍ أَوْ نَفْيٍ مُعْتَمِدًا عَلَى غَلَبَةِ ظَنِّهِ لَا حِنْثَ عَلَيْهِ وَإِنْ تَبَيَّنَ أَنَّ الْأَمْرَ بِخِلَافِهِ اهـ.

فَسَقَطَ الْقَوْلُ بِأَنَّهُ مَرْدُودٌ مُخَالِفٌ لِكَلَامِهِمْ إذْ هُوَ قَائِلٌ بِحِنْثِ النَّاسِي إذَا حَلَفَ عَلَى أَمْرٍ مَاضٍ، وَلَوْ كَانَ وَاعِظًا مَثَلًا وَطَلَبَ مِنْ الْحَاضِرِينَ شَيْئًا فَلَمْ يُعْطُوهُ فَقَالَ مُتَضَجِّرًا مِنْهُمْ طَلَّقْتُكُمْ وَفِيهِمْ زَوْجَتُهُ وَلَمْ يَعْلَمْ بِهَا: أَيْ وَمِثْلُهُ مَا لَوْ عَلِمَ بِهَا لَمْ تَطْلُقْ كَمَا بَحَثَهُ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ بَعْدَ نَقْلِهِ عَنْ الْإِمَامِ أَنَّهُ أَفْتَى بِخِلَافِهِ، قَالَ الْمُصَنِّفُ: لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ مَعْنَى الطَّلَاقِ الشَّرْعِيِّ بَلْ

ــ

[حاشية الشبراملسي]

عَلَيْهِ: أَيْ الْهَزْلِ (قَوْلُهُ: وَفِيهِ) أَيْ فِيمَا جَعَلَهُ الْغَيْرُ (قَوْلُهُ: لَا بُدَّ مِنْهُ مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الْهَزْلُ وَاللَّعِبُ وَغَيْرُهُمَا (قَوْلُهُ: وَمِنْ ثَمَّ) أَيْ مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ قَصْدِ اللَّفْظِ (قَوْلُهُ حِنْثِ النَّاسِي) أَيْ فِيمَا لَوْ حَلَفَ لَا يَفْعَلُ كَذَا فَنَسِيَ الْحَلِفَ فَفَعَلَهُ حَيْثُ قِيلَ فِيهِ بِالْحِنْثِ وَإِنْ كَانَ الرَّاجِحُ عَدَمَ الْحِنْثِ (قَوْلُهُ: وَقَعَ) أَيْ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا (قَوْلُهُ: فَعَلَى قَوْلِي إلَخْ) أَيْ وَالرَّاجِحُ مِنْهُمَا عَدَمُ الْوُقُوعِ لَكِنَّ صَاحِبَ الْكَافِي يَقُولُ بِالْحِنْثِ وَقَدْ قَالَ عَلَى قَوْلِي حَنِثَ النَّاسِي فَيَكُونُ قَائِلًا بِالْوُقُوعِ، وَعَلَيْهِ فَلَا يَحْتَاجُ لِلْفَرْقِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، وَمَعَ ذَلِكَ فَالْمُعْتَمَدُ فِي مَسْأَلَةِ الرُّسْتَاقِ أَنَّهُ إنْ قَالَهُ عَلَى غَلَبَةِ الظَّنِّ دُونَ مُجَرَّدِ التَّعْلِيقِ لَمْ يَقَعْ وَإِلَّا وَقَعَ هَذَا، وَفِي حَاشِيَةِ شَيْخِنَا الزِّيَادِيِّ مَا نَصُّهُ: حَتَّى لَوْ قِيلَ هَذِهِ زَوْجَتُك فَقَالَ إنْ كَانَتْ زَوْجَتِي فَهِيَ طَالِقٌ وَتَبَيَّنَ الْحَالُ وَقَعَ الطَّلَاقُ، ثُمَّ قَالَ: وَأَفْتَى بِهِ شَيْخُنَا الرَّمْلِيُّ وَهُوَ يَقْتَضِي أَنَّ الْمُعْتَمَدَ الْوُقُوعُ فِي مَسْأَلَةِ الرُّسْتَاقِ فَلْيُرَاجَعْ، وَالرُّسْتَاقُ اسْمٌ لِلْقَرْيَةِ الصَّغِيرَةِ (قَوْلُهُ: فِي الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا) أَيْ بَيْنَ مَا نُقِلَ عَنْ الْكَافِي وَبَيْنَ خِطَابِ الْأَجْنَبِيَّةِ بِالطَّلَاقِ (قَوْلُهُ: صُورَةُ التَّعْلِيقِ) أَيْ فَلَا يَقَعُ فِي مَسْأَلَةِ الْكَافِي لِوُجُودِ التَّعْلِيقِ، بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الْمَتْنِ فَإِنَّهُ لَا تَعْلِيقَ فِيهَا إلَّا أَنَّ هَذَا لَا يُلَائِمُ قَوْلَ الشَّارِحِ أَوَّلًا مُنَجَّزٌ أَوْ مُعَلَّقٌ بَعْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَلَوْ خَاطَبَهَا إلَخْ (قَوْلُهُ بِأَنَّهُ) أَيْ التَّأْيِيدُ (قَوْلُهُ: مُخَالِفٌ لِكَلَامِهِمْ) أَيْ فَإِنَّ صَاحِبَ الْكَافِي يَقُولُ بِحِنْثِ النَّاسِي فَمَا ذَكَرَهُ لَا يُعَارِضُ كَلَامَ غَيْرِهِ إذْ هُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى عَدَمِ حِنْثِ النَّاسِي (قَوْلُهُ: إذْ هُوَ) أَيْ صَاحِبُ الْكَافِي (قَوْلُهُ: شَيْئًا) أَيْ دَرَاهِمَ أَوْ غَيْرَهَا (قَوْلُهُ: وَمِثْلُهُ مَا لَوْ عَلِمَ بِهَا) أَيْ وَكَانَتْ مِنْ جُمْلَةِ مَنْ تَضَجَّرَ بِهِمْ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ) يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ يَقُولَ مَا ذُكِرَ لِلتَّضَجُّرِ أَوْ عَدَمِهِ حَيْثُ أَرَادَ بِ طَلَّقْتُكُمْ فَارَقْت مَكَانَكُمْ أَوْ أَطْلَقَ وَحُكْمهَا النَّصْب فَلَمْ حَمَلَ عَلَى الْمُعِين حَتَّى كَانَ لَحِنَّا

ــ

[حاشية الرشيدي]

وَحُكْمُهَا النَّصْبُ فَلِمَ حَمَلَ عَلَى الْمُعَيَّنِ حَتَّى كَانَ لَحْنًا.

(قَوْلُهُ: كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الرُّويَانِيِّ إلَخْ) عِبَارَةُ شَرْحِ الرَّوْضِ: وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الرُّويَانِيِّ وَغَيْرِهِ أَنَّ الْمَذْهَبَ الْوُقُوعُ انْتَهَتْ (قَوْلُهُ: بِأَنَّهُ مَرْدُودٌ) يَعْنِي هَذَا الْقِيلَ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ فَهِمَ كَالْبُلْقِينِيِّ عَنْ صَاحِبِ الْكَافِي أَنَّهُ قَائِلٌ بِعَدَمِ الْوُقُوعِ حَتَّى أَيَّدَهُ بِمَا ذَكَرَهُ، وَصَاحِبُ الْكَافِي إنَّمَا يَقُولُ بِالْوُقُوعِ؛ لِأَنَّهُ يَقُولُ فِي الْمَبْنِيِّ عَلَيْهِ بِالْحِنْثِ فَكَذَا إلَخْ الْمَبْنِيِّ، وَحِينَئِذٍ فَالشَّارِحُ إنَّمَا أَتَى بِكَلَامِهِ بِصُورَةِ الِاسْتِدْرَاكِ لِمَلْحَظِ

<<  <  ج: ص:  >  >>