للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَعْنَاهُ اللُّغَوِيَّ وَقَامَتْ الْقَرِينَةُ عَلَى ذَلِكَ فَمِنْ ثَمَّ لَمْ يُوقِعُوا عَلَيْهِ شَيْئًا.

(وَلَوْ) (لَفَظَ عَجَمِيٌّ بِهِ) أَيْ الطَّلَاقِ (بِالْعَرَبِيَّةِ) مَثَلًا إذْ الْحُكْمُ يَعُمُّ كُلَّ مَنْ تَلَفَّظَ بِهِ بِغَيْرِ لُغَتِهِ (وَلَمْ يَعْرِفْ مَعْنَاهُ لَمْ يَقَعْ) كَتَلَفُّظِهِ بِكَلِمَةِ كُفْرٍ لَا يَعْرِفُ مَعْنَاهَا وَيُصَدَّقَ فِي جَهْلِهِ مَعْنَاهُ لِلْقَرِينَةِ، وَمِنْ ثَمَّ لَوْ كَانَ مُخَالِطًا لِأَهْلِ تِلْكَ اللُّغَةِ بِحَيْثُ تَقْضِي الْعَادَةُ بِعِلْمِهِ بِهِ لَمْ يُصَدَّقْ ظَاهِرًا وَيَقَعُ كَمَا قَالَهُ الْمُتَوَلِّي (وَقِيلَ إنْ نَوَى) بِهِ (مَعْنَاهَا) أَيْ الْعَرَبِيَّةَ عِنْدَ أَهْلِهَا (وَقَعَ) لِقَصْدِهِ لَفْظَ الطَّلَاقِ لِمَعْنَاهُ، وَرُدَّ بِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ قَصْدُ مَا لَمْ يَعْرِفْ مَعْنَاهُ.

(وَلَا يَقَعُ طَلَاقُ مُكْرَهٍ) بِغَيْرِ حَقٍّ كَمَا لَا يَصِحُّ إسْلَامُهُ لِخَبَرِ «لَا طَلَاقَ فِي إغْلَاقٍ» أَيْ إكْرَاهٍ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَ إسْنَادَهُ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، وَلِأَنَّهُ قَوْلٌ لَوْ صَدَرَ مِنْهُ بِاخْتِيَارِهِ لَحَنِثَ بِهِ، وَصَحَّ إسْلَامُهُ، فَإِذَا أُكْرِهَ عَلَيْهِ بِبَاطِلٍ لَغَا كَالرِّدَّةِ، وَحِينَئِذٍ فَلَوْ كَانَ الطَّلَاقُ مُعَلَّقًا عَلَى صِفَةٍ وَوُجِدْت بِإِكْرَاهٍ بِغَيْرِ حَقٍّ لَمْ تَنْحَلَّ بِهَا كَمَا لَمْ يَقَعْ بِهَا أَوْ بِحَقٍّ حَنِثَ وَانْحَلَّتْ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِهِمْ، وَأَفْتَى بِهِ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، نَعَمْ تَقَدَّمَ فِي شُرُوطِ الصَّلَاةِ أَنَّهُ لَوْ تَكَلَّمَ فِيهَا مُكْرَهًا بَطَلَتْ لِنُدْرَةِ الْإِكْرَاهِ فِيهَا، وَلَوْ أَكْرَهَهُ عَلَى طَلَاقِ زَوْجَةِ نَفْسِهِ لِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي الْإِذْنِ، وَكَذَا لَوْ نَوَى الْمُكْرَهُ الْإِيقَاعَ لَكِنَّهُ الْآنَ غَيْرُ مُكْرَهٍ، وَمِنْ الْإِكْرَاهِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ مَا لَوْ حَلَفَ لَيَطَأَنَّهَا قَبْلَ نَوْمِهِ فَغَلَبَهُ النَّوْمُ بِحَيْثُ لَمْ يَسْتَطِعْ رَدَّهُ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَتَمَكَّنَ مِنْهُ قَبْلَ غَلَبَتِهِ بِوَجْهٍ (فَإِنْ ظَهَرَ قَرِينَةُ اخْتِيَارٍ بِأَنْ)

ــ

[حاشية الشبراملسي]

قَوْلُهُ: لَمْ يَقَعْ) أَيْ وَإِنْ قَصَدَ بِهِ مَعْنَاهُ عِنْدَ أَهْلِهِ، وَيُؤْخَذُ مِنْهُ جَوَابُ حَادِثَةٍ وَقَعَ السُّؤَالُ عَنْهَا وَهِيَ أَنَّ شَخْصًا أَرَادَ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِبِنْتِ أُخْتِ زَوْجَتِهِ عَلَيْهَا فَأَفْتَى بِأَنَّهُ يَحْرُمُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا، ثُمَّ إنَّ آخَرَ قَالَ لَهُ يُخَلِّصُك فِي ذَلِكَ الْخُلْعُ وَخَالَعَ لَهُ زَوْجَتَهُ ثُمَّ تَزَوَّجَ بِبِنْتِ أُخْتِهَا وَهُوَ أَنَّهُ إنْ كَانَ عَالِمًا بِأَنَّ الْخُلْعَ طَلَاقٌ نَفَذَ الْخُلْعُ وَصَحَّ الْعَقْدُ الثَّانِي، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ لِلْخُلْعِ مَعْنًى أَصْلًا بَلْ ظَنَّ أَنَّ ذَلِكَ أَمْرٌ مُجَوِّزٌ لِلْعَقْدِ الثَّانِي مَعَ كَوْنِ الْأُولَى بَاقِيَةً عَلَى زَوْجِيَّتِهِ لَمْ يَصِحَّ (قَوْلُهُ وَيُصَدَّقُ فِي جَهْلِهِ مَعْنَاهُ) أَيْ وَلَا يَقَعُ بَاطِنًا إنْ كَانَ صَادِقًا، وَقَوْلُهُ وَيَقَعُ: أَيْ ظَاهِرًا.

(قَوْلُهُ: بِغَيْرِ حَقٍّ) مِنْهُ يُؤْخَذُ جَوَابُ حَادِثَةٍ وَقَعَ السُّؤَالُ عَنْهَا، وَهِيَ أَنَّ شَخْصًا يَعْتَادُ الْحِرَاثَةَ لِشَخْصٍ فَتَشَاجَرَ مَعَهُ فَحَلَفَ بِالطَّلَاقِ الثَّلَاثِ لَا يَحْرُثُ لَهُ فِي هَذِهِ السَّنَةِ فَشَكَاهُ لِشَادِّ الْبَلَدِ فَأَكْرَهَهُ عَلَى الْحِرَاثَةِ لَهُ تِلْكَ السَّنَةَ وَهَدَّدَهُ إنْ لَمْ يَحْرُثْ لَهُ بِالضَّرْبِ وَنَحْوِهِ وَهُوَ أَنَّهُ لَا حِنْثَ لِأَنَّ هَذَا إكْرَاهٌ بِغَيْرِ حَقٍّ وَلَا يُشْتَرَطُ تَجْدِيدُ الْإِكْرَاهِ مِنْ الشَّادِّ الْمَذْكُورِ بَلْ يَكْفِي مَا وُجِدَ مِنْهُ أَوَّلًا حَيْثُ أَكْرَهَهُ عَلَى الْفِعْلِ جَمِيعَ السَّنَةِ عَلَى الْعَادَةِ، بَلْ لَوْ قَالَ لَهُ اُحْرُثْ لَهُ جَمِيعَ السِّنِينَ وَكَانَ حَلَفَ أَنَّهُ لَا يَحْرُثُ لَهُ أَصْلًا لَا فِي تِلْكَ السَّنَةِ وَلَا فِي غَيْرِهَا لَمْ يَحْنَثْ مَا دَامَ الشَّادُّ مُتَوَلِّيًا تِلْكَ الْبَلْدَةِ وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ إنْ لَمْ يَحْرُثْ عَاقَبَهُ، بِخِلَافِ مَا لَوْ اسْتَأْجَرَهُ لِعَمَلٍ فَحَلَفَ أَنَّهُ لَا يَفْعَلُهُ فَأُكْرِهَ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ لِأَنَّ هَذَا إكْرَاهٌ بِحَقٍّ، وَيَدُلُّ لِذَلِكَ قَوْلُ حَجّ: فَإِنْ عُزِلَ، وَتَوَلَّى غَيْرُهُ وَلَمْ يُكْرِهْهُ عَلَى ذَلِكَ حَنِثَ بِالْحَرْثِ (قَوْلُهُ: كَمَا لَا يَصِحُّ إسْلَامُهُ) أَيْ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ حَرْبِيًّا.

أَمَّا هُوَ فَيَصِحُّ إسْلَامُهُ مَعَ الْإِكْرَاهِ (قَوْلُهُ: وَلِأَنَّهُ) أَيْ الطَّلَاقَ قَوْلٌ: أَيْ وَكُلُّ مَا كَانَ كَذَلِكَ إذَا أُكْرِهَ عَلَيْهِ لَغَا، وَمِنْ هُنَا ظَهَرَ قَوْلُهُ نَعَمْ تَقَدَّمَ إلَخْ (قَوْلُهُ: أَوْ بِحَقٍّ حَنِثَ) خِلَافًا لحج (قَوْلُهُ: زَوْجَةِ نَفْسِهِ) أَيْ الْمُكْرِهُ بِكَسْرِ الرَّاءِ، وَقَوْلُهُ وَكَذَا لَوْ نَوَى الْمُكْرَهُ: أَيْ بِفَتْحِ الرَّاءِ (قَوْلُهُ: فَغَلَبَهُ) أَيْ وَلَوْ قَبْلَ وَقْتِهِ الْمُعْتَادِ (قَوْلُهُ: بِوَجْهٍ) أَيْ فَإِنْ تَمَكَّنَ وَلَمْ يَفْعَلْ حَتَّى غَلَبَهُ النَّوْمُ حَنِثَ، وَظَاهِرُ التَّعْبِيرِ بِالتَّمَكُّنِ أَنَّهُ لَا يَمْنَعُ مِنْ الْحِنْثِ النَّوْمُ لِوُجُودِ مَنْ يَسْتَحِي مِنْ الْوَطْءِ بِحُضُورِهِمْ عَادَةً عِنْدَهُ كَمُحَرَّمَةٍ وَزَوْجَةٍ لَهُ أُخْرَى، وَلَوْ قِيلَ بِعَدَمِ الْحِنْثِ وَجَعَلَ ذَلِكَ عُذْرًا وَيُرَادُ بِالتَّمَكُّنِ التَّمَكُّنُ الْمُعْتَادُ فِي مِثْلِهِ لَمْ يَبْعُدْ

ــ

[حاشية الرشيدي]

الْخِلَافِ الْمُشْعِرِ بِهِ الْبِنَاءُ الْمَذْكُورُ فِي كَلَامِهِ فَلْيُتَأَمَّلْ

(قَوْلُهُ مَا لَمْ يَعْرِفْ مَعْنَاهُ) الْأَوْلَى إسْقَاطُ لَفْظِ مَعْنَاهُ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُحَدَّثُ عَنْهُ. وَعِبَارَةُ التُّحْفَةِ: وَرُدَّ بِأَنَّ الْمَجْهُولَ لَا يَصِحُّ قَصْدُهُ

(قَوْلُهُ: كَمَا لَا يَصِحُّ إسْلَامُهُ) أَيْ بِأَنْ كَانَ مُقِرًّا بِالْجِزْيَةِ إذْ إكْرَاهُ غَيْرِهِ بِحَقٍّ.

<<  <  ج: ص:  >  >>