لَا تُخْبِرَ بِنَا أَحَدًا كَانَ إكْرَاهًا عَلَى الْحَلِفِ فَلَا وُقُوعَ بِالْإِخْبَارِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ حَلَفَ لَهُمْ وَإِنْ عَلِمَ عَدَمَ إطْلَاقِهِ إلَّا بِالْحَلِفِ لِعَدَمِ إكْرَاهِهِ عَلَى الْحَلِفِ.
(وَمَنْ أَثِمَ بِمُزِيلِ عَقْلِهِ مِنْ) نَحْوِ (شَرَابٍ أَوْ دَوَاءٍ نَفَذَ طَلَاقُهُ) (وَتَصَرُّفُهُ لَهُ وَعَلَيْهِ قَوْلًا وَفِعْلًا عَلَى الْمَذْهَبِ) كَمَا مَرَّ فِي السَّكْرَانِ بِمَا فِيهِ وَاحْتَاجَ لِهَذَا لِمَا فِيهِ مِنْ الْعُمُومِ لِبَيَانِ مَا فِيهِ مِنْ الْخِلَافِ، بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَأْثَمْ بِهِ كَمُكْرَهٍ عَلَى شُرْبِ خَمْرٍ وَجَاهِلٍ بِهَا وَيُصَدَّقُ بِيَمِينِهِ فِيهِ لَا فِي جَهْلِ التَّحْرِيمِ إذَا لَمْ يُعْذَرْ فِيمَا يَظْهَرُ، وَكَمُتَنَاوِلِ دَوَاءٍ يُزِيلُ الْعَقْلَ لِلتَّدَاوِي فَلَا يَقَعُ طَلَاقُهُ وَلَا يَنْفُذُ تَصَرُّفُهُ مَا دَامَ غَيْرُ مُمَيِّزٍ لِمَا يَصْدُرُ مِنْهُ لِرَفْعِ الْقَلَمِ عَنْهُ (وَفِي قَوْلٍ لَا) يَنْفُذُ مِنْهُ ذَلِكَ لِمَا فِي خَبَرِ مَاعِزٍ «أَبِكَ جُنُونٌ؟ فَقَالَ لَا، فَقَالَ أَشَرِبْت الْخَمْرَ؟ فَقَالَ لَا، فَقَامَ رَجُلٌ فَاسْتَنْكَهَهُ فَلَمْ يَجِدْ فِيهِ رِيحَ خَمْرٍ إنَّ الْإِسْكَارَ يُسْقِطُ الْإِقْرَارَ» وَأُجِيبَ بِأَنَّ هَذَا فِي حُدُودِ اللَّهِ الَّتِي تُدْرَأُ بِالشُّبُهَاتِ، وَفِيهِ نَظَرٌ، إذْ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ نُفُوذُ تَصَرُّفَاتِهِ حَتَّى إقْرَارِهِ بِالزِّنَا، فَالْأَوْلَى أَنْ يُجَابَ بِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْخَبَرِ أَشَرِبْت الْخَمْرَ مُتَعَدِّيًا بَلْ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَوَّزَ أَنَّ ذَلِكَ لِسُكْرٍ بِهِ لَمْ يَتَعَدَّ بِهِ فَسَأَلَهُ عَنْهُ (وَقِيلَ) يَنْفُذُ تَصَرُّفُهُ فِيمَا (عَلَيْهِ) فَقَطْ كَالطَّلَاقِ دُونَ مَالِهِ كَالنِّكَاحِ.
(وَلَوْ قَالَ رُبْعُكِ أَوْ بَعْضُك أَوْ جُزْؤُك) الشَّائِعُ أَوْ الْمُعَيَّنُ.
قَالَ الْمُتَوَلِّي: حَتَّى لَوْ أَشَارَ لِشَعْرَةٍ مِنْهَا بِالطَّلَاقِ طَلُقَتْ (أَوْ كَبِدُك أَوْ شَعْرُك أَوْ ظُفْرُك) أَوْ سِنُّك أَوْ يَدُك وَلَوْ زَائِدًا (طَالِقٌ وَقَعَ) إجْمَاعًا فِي الْبَعْضِ وَكَالْعِتْقِ فِي الْبَاقِي وَإِنْ فَرَّقَ، نَعَمْ لَوْ انْفَصَلَ نَحْوُ أُذُنِهَا أَوْ شَعْرَةٍ مِنْهَا ثُمَّ أَعَادَتْهُ فَنَبَتَتْ ثُمَّ قَالَ أُذُنُك فَمَثَلًا طَالِقٌ لَمْ يَقَعْ نَظَرًا إلَى أَنَّ الزَّائِلَ الْعَائِدَ كَاَلَّذِي لَمْ يَعُدْ، وَلِأَنَّ نَحْوَ الْأُذُنِ يَجِبُ قَطْعُهَا كَمَا يَأْتِي فِي الْجِرَاحِ، ثُمَّ الطَّلَاقُ فِي ذَلِكَ يَقَعُ عَلَى الْمَذْكُورِ أَوَّلًا ثُمَّ يَسْرِي لِلْبَاقِي، وَقِيلَ هُوَ مِنْ بَابِ التَّعْبِيرِ بِالْبَعْضِ عَنْ الْكُلِّ، فَفِي إنْ دَخَلْت فَيَمِينُك طَالِقٌ فَقُطِعَتْ ثُمَّ دَخَلَتْ يَقَعُ عَلَى الثَّانِي فَقَطْ (وَكَذَا دَمُك) طَالِقٌ يَقَعُ بِهِ الطَّلَاقُ (عَلَى الْمَذْهَبِ) لِأَنَّ بِهِ قِوَامَ الْبَدَنِ كَالرُّوحِ وَالنَّفْسِ بِسُكُونِ الْفَاءِ بِخِلَافِهِ بِفَتْحِهَا (لَا فَضْلَةَ كَرِيقٍ وَعَرَقٍ) عَلَى الْأَصَحِّ لِأَنَّ الْبَدَنَ ظَرْفٌ لَهَا فَلَا يَتَعَلَّقُ بِهَا حِلٌّ يُتَصَوَّرُ قَطْعُهُ بِالطَّلَاقِ.
قِيلَ الدَّمُ مِنْ الْفَضَلَاتِ فَلَمْ يُوجَدْ شَرْطُ الْعَطْفِ بِلَا، وَيُرَدُّ بِمَنْعِ أَنَّهُ فَضْلَةٌ مُطْلَقًا لِمَا مَرَّ فِي تَعْلِيلِهِ، وَلَوْ أَضَافَهُ لِلشَّحْمِ طَلُقَتْ بِخِلَافِ السِّمَنِ عَلَى مَا فِي الرَّوْضَةِ تَبَعًا لِبَعْضِ نُسَخِ الشَّرْحِ الْكَبِيرِ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
أَوْ إنْسَانٍ يُرِيدُ قَتْلَهُ أَوْ أَخْذَ أَمْوَالِهِ فَأَخْبَرَ كَاذِبًا يَلْزَمُهُ التَّوْرِيَةُ أَمْ لَا، وَيُفَرَّقُ بِغِلَظِ أَمْرِ الْكُفْرِ فِيهِ نَظَرٌ (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ مَا لَوْ حَلَفَ) أَيْ مِنْ غَيْرِ سُؤَالٍ مِنْهُمْ.
(قَوْلُهُ: مِنْ نَحْوِ شَرَابٍ أَوْ دَوَاءٍ) قَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَوْ أَلْقَى مِنْ شَاهِقٍ فَزَالَ عَقْلُهُ لَا يَكُونُ كَذَلِكَ وَفِيهِ نَظَرٌ بَرَّ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ إنْ عَلِمَ أَنَّ ذَلِكَ يُزِيلُ عَقْلَهُ اهـ سم عَلَى مَنْهَجٍ (قَوْلُهُ: وَيُصَدَّقُ بِيَمِينِهِ فِيهِ) أَيْ فِي الْجَهْلِ بِهَا (قَوْلُهُ: لِلتَّدَاوِي) أَيْ وَلَوْ اسْتَعْمَلَهُ ظَانًّا أَنَّهُ يَنْفَعُهُ فَلَا يُشْتَرَطُ لِعَدَمِ وُقُوعِ الطَّلَاقِ تَحَقُّقُ النَّفْعِ (قَوْلُهُ: فَاسْتَنْكَهَهُ) أَيْ شَمَّ رَائِحَةَ فَمِهِ (قَوْلُهُ: إنَّ الْإِسْكَارَ) بَيَانٌ لِمَا (قَوْلُهُ: الَّتِي تُدْرَأُ) أَيْ تَدْفَعُ (قَوْلُهُ: إذْ الظَّاهِرُ كَلَامُهُمْ إلَخْ) مُعْتَمَدٌ
(قَوْلُهُ أَوْ سِنُّك) أَيْ الْمُتَّصِلُ بِهَا فِي الْجَمِيعِ أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِ نَعَمْ لَوْ انْفَصَلَ إلَخْ (قَوْلُهُ: يَجِبُ قَطْعُهَا)
ــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: ثُمَّ أَعَادَتْهُ فَثَبَتَتْ) هُوَ فِي نُسَخِ الشَّارِحِ بِالنُّونِ، وَعِبَارَةُ التُّحْفَةِ ثَبَتَتْ بِالْمُثَلَّثَةِ وَهِيَ الصَّوَابُ، إذْ النَّابِتَةُ بِالنُّونِ لَا يَجِبُ قَطْعُهَا بَلْ يَحْرُمُ (قَوْلُهُ: وَيُرَدُّ بِمَنْعِ أَنَّهُ فَضْلَةٌ مُطْلَقًا إلَخْ) لَك أَنْ تَقُولَ مَا الْمَانِعُ مِنْ جَعْلِ كَرِيقٍ وَعَرَقٍ وَصْفًا لِفَضْلَةٍ فَيَكُونُ قَيْدًا مُخْرِجًا لِلْفَضْلَةِ الَّتِي لَيْسَتْ كَالرِّيقِ وَالْعَرَقِ مِثْلِ الدَّمِ؟ وَالْمَعْنَى: لَا كَفَضْلَةٍ مُتَّصِفَةٍ بِأَنَّهَا كَرِيقٍ وَعَرَقٍ مِنْ كُلِّ مَا لَيْسَ بِهِ قِوَامُ الْبَدَنِ كَالْبَوْلِ وَنَحْوِهِ فَتَأَمَّلْ وَلَعَلَّ هَذَا أَوْلَى مِمَّا أَجَابَ بِهِ الشَّارِحُ وَمِمَّا أَجَابَ بِهِ الشِّهَابُ سم (قَوْلُهُ: عَلَى مَا فِي الرَّوْضَةِ إلَخْ) فِي هَذِهِ السَّوَادَةِ مُؤَاخَذَاتٌ: مِنْهَا أَنَّ قَوْلَهُ عَلَى مَا فِي الرَّوْضَةِ صِيغَةُ تَبَرٍّ فَلَا يُنَاسِبُهُ التَّبَرُّؤُ مِنْ ضِدِّهِ بِقَوْلِهِ وَإِنْ سَوَّى إلَخْ مَعَ أَنَّهُ سَيَتَوَجَّهُ هَذَا الَّذِي تَبَرَّأَ مِنْهُ ثَانِيًا.
وَمِنْهَا أَنَّ مَا اسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى مَا اسْتَوْجَهَهُ مِنْ إيجَابِ ضَمَانِهِ فِي الْغَصْبِ لَا يَدُلُّ لَهُ.
أَلَا تَرَى أَنَّ الصِّفَةَ تُضْمَنُ بِهِ وَهِيَ مَعْنًى قَطْعًا، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ وَأَنَّ السِّمَنَ الْعَائِدَ