للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَلَوْ اسْتَدَامَ الْوَطْءَ وَلَوْ عَالِمًا بِالتَّحْرِيمِ فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ لِإِبَاحَةِ الْوَطْءِ ابْتِدَاءً، وَلَا مَهْرَ عَلَيْهِ أَيْضًا لِأَنَّ وَطْأَهُ وَقَعَ فِي النِّكَاحِ وَإِنْ نَزَعَ ثُمَّ أَوْلَجَ، فَإِنْ كَانَ تَعْلِيقُ الطَّلَاقِ بِطَلَاقٍ بَائِنٍ نُظِرَ، فَإِنْ جَهِلَا التَّحْرِيمَ فَوَطْءُ شُبْهَةٍ كَمَا لَوْ كَانَتْ رَجْعِيَّةً فَلَهَا الْمَهْرُ وَلَا حَدَّ عَلَيْهِمَا وَإِنْ عَلِمَاهُ فَزِنًا، وَإِنْ أَكْرَهَهَا عَلَى الْوَطْءِ أَوْ عَلِمَ التَّحْرِيمَ دُونَهَا فَعَلَيْهِ الْحَدُّ وَالْمَهْرُ وَلَا حَدَّ عَلَيْهَا، أَوْ هِيَ دُونَهُ وَقَدَرَتْ عَلَى الدَّفْعِ فَعَلَيْهَا الْحَدُّ وَلَا مَهْرَ لَهَا.

(وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ لَوْ قَالَ لِأَرْبَعٍ وَاَللَّهِ لَا أُجَامِعُكُنَّ فَلَيْسَ بِمُولٍ فِي الْحَالِ) لِأَنَّهُ يَحْنَثُ إلَّا بِوَطْءِ الْجَمِيعِ، إذْ الْمَعْنَى لَا أَطَأُ جَمِيعَكُنَّ كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ هَؤُلَاءِ وَفَارَقَتْ مَا بَعْدَهَا بِأَنَّ هَذِهِ مِنْ بَابِ سَلْبِ الْعُمُومِ وَتِلْكَ مِنْ بَابِ عُمُومِ السَّلْبِ كَمَا يَأْتِي (فَإِنْ جَامَعَ ثَلَاثًا) مِنْهُنَّ وَلَوْ بَعْدَ الْبَيْنُونَةِ أَوْ فِي الدُّبُرِ لِأَنَّ الْيَمِينَ تَشْمَلُ الْحَلَالَ وَالْحَرَامَ (فَمُولٍ مِنْ الرَّابِعَةِ) لِحِنْثِهِ حِينَئِذٍ بِوَطْئِهَا (فَلَوْ مَاتَ بَعْضُهُنَّ قَبْلَ وَطْءٍ زَالَ الْإِيلَاءُ) لِتَحَقُّقِ امْتِنَاعِ الْحِنْثِ، إذْ الْوَطْءُ إنَّمَا يَقَعُ عَلَى مَا فِي الْحَيَاةِ. أَمَّا بَعْدَ وَطْئِهَا وَقَبْلَ وَطْءِ الْأُخْرَيَاتِ فَلَا يَزُولُ، وَمُقَابِلُ الْأَظْهَرِ أَنَّهُ مُولٍ مِنْ الْأَرْبَعِ فِي الْحَالِ لِأَنَّهُ بِوَطْءِ وَاحِدَةٍ يَقْرُبُ مِنْ الْحِنْثِ الْمَحْذُورِ وَالْقُرْبُ مِنْ الْمَحْذُورِ مَحْذُورٌ.

(وَلَوْ) (قَالَ) لَهُنَّ وَاَللَّهِ (لَا أُجَامِعُ) وَاحِدَةً مِنْكُنَّ وَلَمْ يُرِدْ وَاحِدَةً مُعَيَّنَةً أَوْ مُبْهَمَةً بِأَنْ أَرَادَ الْكُلَّ أَوْ أَطْلَقَ كَانَ مُولِيًا مِنْ كُلٍّ مِنْهُنَّ حَمْلًا لَهُ عَلَى عُمُومِ السَّلْبِ، فَإِنَّ النَّكِرَةَ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ لِلْعُمُومِ فَيَحْنَثُ بِوَطْءِ وَاحِدَةٍ وَيَرْتَفِعُ الْإِيلَاءُ. أَمَّا إذَا أَرَادَ وَاحِدَةً بِالنِّيَّةِ فَيَخْتَصُّ بِهَا أَوْ لَا أُجَامِعُ (كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْكُنَّ) (فَمُولٍ مِنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ) مِنْهُنَّ عَلَى حِدَتِهَا لِعُمُومِ السَّلْبِ لِوَطْئِهِنَّ، بِخِلَافِ لَا أَطَؤُكُنَّ فَإِنَّهُ لِسَلْبِ الْعُمُومِ: أَيْ لَا يَعُمُّ وَطْءٌ لَكُنَّ، فَإِذَا وَطِئَ وَاحِدَةً حَنِثَ وَزَالَ الْإِيلَاءُ فِي حَقِّ الْبَاقِيَاتِ كَمَا نَقَلَاهُ عَنْ تَصْحِيحِ الْأَكْثَرِينَ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَقَالَ الْإِمَامُ: لَا يَزُولُ كَمَا هُوَ قَضِيَّةُ الْحُكْمِ بِتَخْصِيصِ كُلٍّ بِالْإِيلَاءِ وَهُوَ ظَاهِرُ الْمَعْنَى، وَلِذَا بَحَثَ الرَّافِعِيُّ أَنَّهُ إنْ أَرَادَ تَخْصِيصَ كُلٍّ بِالْإِيلَاءِ لَمْ يَنْحَلَّ وَإِلَّا كَانَ كَلَا أُجَامِعُكُنَّ فَلَا يَحْنَثُ إلَّا بِوَطْءِ جَمِيعِهِنَّ. وَأَجَابَ عَنْهُ الْبُلْقِينِيُّ بِمَا لَا يَدْفَعُهُ، وَمِنْ ثَمَّ أَيَّدَهُ غَيْرُهُ بِقَوْلِ الْمُحَقِّقِينَ تَأَخُّرُ الْمُسَوَّرِ بِكُلٍّ عَنْ النَّفْيِ يُفِيدُ سَلْبَ الْعُمُومِ لَا عُمُومَ السَّلْبِ، وَمِنْ ثَمَّ كَانَتْ تَسْوِيَةُ الْأَصْحَابِ بَيْنَ صُورَةِ الْكِتَابِ وَلَا أَطَأُ وَاحِدَةً مُشْكِلَةٌ. وَأُجِيبُ بِأَنَّ مَا قَالَهُ الْمُحَقِّقُونَ أَكْثَرِيٌّ لَا كُلِّيٌّ بِدَلِيلِ قَوْله تَعَالَى {إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ} [لقمان: ١٨] وَقَدْ يُوَجَّهُ تَصْحِيحُ الْأَكْثَرِينَ

ــ

[حاشية الشبراملسي]

لِلْوَطْءِ إلَى تَمَامِ الصِّيغَةِ وَهِيَ مُحَرَّمَةٌ، فَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُهُمْ مِنْ وُجُوبِ النَّزْعِ عَيْنًا، سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الطَّلَاقِ الْبَائِنِ وَالرَّجْعِيِّ ظَاهِرٌ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّهُ لِقِصَرِ زَمَنِهِ لَمْ يُعَدَّ اسْتِدَامَةً فِي الطَّلَاقِ.

(قَوْلُهُ: كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ هَؤُلَاءِ) أَيْ فَإِنَّهُ لَا يَحْنَثُ إلَّا بِتَكْلِيمِ الْجَمِيعِ، وَالْكَلَامُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ، فَلَوْ أَرَادَ أَنَّهُ لَا يُكَلِّمُ وَاحِدًا مِنْهُمْ حَنِثَ بِتَكْلِيمِ كُلِّ وَاحِدٍ عَلَى انْفِرَادِهِ (قَوْلُهُ أَوْ فِي الدُّبْرِ إلَخْ) يُشْكِلُ عَلَيْهِ مَا لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ لَحْمًا فَأَكَلَ لَحْمَ مَيْتَةٍ فَإِنَّهُ لَا يَحْنَثُ لِانْصِرَافِ اللَّحْمِ إلَى الْحَلَالِ فَقِيَاسُهُ هُنَا أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ بِالْوَطْءِ فِي الدُّبْرِ حَمْلًا لِلْوَطْءِ عَلَى الْوَطْءِ فِي الْقُبُلِ إذْ هُوَ الْجَائِزُ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ: عَدَمُ الْحِنْثِ بِأَكْلِ الْمَيْتَةِ لَيْسَ لِمُجَرَّدِ كَوْنِهِ حَرَامًا بَلْ لِعَدَمِ إرَادَتِهِ فِي الْعُرْفِ، بِخِلَافِ الْوَطْءِ فَإِنَّهُ صَادِقٌ بِالْأَعَمِّ مِنْ الْوَطْءِ فِي الْقُبُلِ وَالدُّبْرِ عُرْفًا فَحُمِلَ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ وَالْقُرْبُ مِنْ الْمَحْذُورِ مَحْذُورٌ) هَذَا مَمْنُوعٌ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ الْقُرْبِ مِنْ الْحَرَامِ وُقُوعُهُ فِيهِ، نَعَمْ الْأَوْلَى تَرْكُهُ خَوْفًا مِنْ ذَلِكَ فَإِنَّ مَنْ حَامَ حَوْلَ الْحِمَى يُوشِكُ أَنْ يَقَعَ فِيهِ.

(قَوْلُهُ فَيَخْتَصُّ بِهَا) ظَاهِرُهُ قَبُولُهُ ظَاهِرًا وَقِيَاسُ مَا مَرَّ أَنَّهُ يُدَيَّنُ (قَوْلُهُ: فَإِذَا وَطِئَ وَاحِدَةً) تَفْرِيعٌ عَلَى قَوْلِ الْمَتْنِ فَمُولٍ مِنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ (قَوْلُهُ: وَلِذَا) أَيْ لِمَا قَالَهُ الْإِمَامُ (قَوْلُهُ: وَمِنْ ثَمَّ أَيَّدَهُ) أَيْ كَلَامَ الْإِمَامِ، وَقَوْلُهُ غَيْرُهُ: أَيْ غَيْرَ الْبُلْقِينِيِّ (قَوْلُهُ: بَيْنَ صُورَةِ الْكِتَابِ) أَيْ لَا أُجَامِعُ كُلَّ وَاحِدَةٍ إلَخْ (قَوْلُهُ: تَصْحِيحِ الْأَكْثَرِينَ)

ــ

[حاشية الرشيدي]

قَوْلُهُ: وَأَجَابَ عَنْهُ) أَيْ عَنْ بَحْثِ الرَّافِعِيِّ وَقَوْلُهُ: وَمِنْ ثَمَّ أَيَّدَهُ أَيْ بَحْثَ الرَّافِعِيِّ كَمَا تُصَرِّحُ بِهِ عِبَارَةُ شَرْحِ الْبَهْجَةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>