هُوَ بِقَرَائِنِ الْأَحْوَالِ وَهِيَ مُلْغَاةٌ لِاحْتِمَالِهَا وَتَعَارُضِهَا، وَمِنْ ثَمَّ لَمْ يُلْحِقُوا التَّعْرِيضَ بِالْخِطْبَةِ بِصَرِيحِهَا وَإِنْ تَوَفَّرَتْ الْقَرَائِنُ عَلَى ذَلِكَ، وَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ جَمْعٌ مِنْ أَنَّهُ كِنَايَةٌ مَرْدُودٌ، وَبِمَا تَقَرَّرَ عُلِمَ الْفَرْقُ بَيْنَ الثَّلَاثَةِ وَهُوَ أَنَّ كُلَّ لَفْظٍ يُقْصَدُ بِهِ الْقَذْفُ إنْ لَمْ يَحْتَمِلْ غَيْرَهُ فَصَرِيحٌ، وَإِلَّا فَإِنْ فُهِمَ مِنْ وَضْعِهِ احْتِمَالُ الْقَذْفِ فَكِنَايَةٌ وَإِلَّا فَتَعْرِيضٌ، وَلَيْسَ الرَّمْيُ بِإِتْيَانِ الْبَهَائِمِ قَذْفًا وَالنِّسْبَةُ إلَى غَيْرِ الزِّنَا مِنْ الْكَبَائِرِ وَغَيْرِهَا مِمَّا فِيهِ إيذَاءٌ كَقَوْلِهِ لَهَا زَنَيْت بِفُلَانَةَ أَوْ أَصَابَتْك فُلَانَةُ يَقْتَضِي التَّعْزِيرَ لِلْإِيذَاءِ لَا الْحَدَّ لِعَدَمِ ثُبُوتِهِ.
(وَقَوْلُهُ) لِرَجُلٍ أَوْ امْرَأَةٍ زَوْجَةٍ أَوْ أَجْنَبِيَّةٍ وَقَوْلُهَا لِرَجُلٍ زَوْجٍ أَوْ أَجْنَبِيٍّ (زَنَيْت بِك) وَلَمْ يُعْهَدْ بَيْنَهُمَا زَوْجِيَّةٌ مُسْتَمِرَّةٌ مِنْ حِينِ صِغَرِهَا إلَى حِينِ قَوْلِهِ ذَلِكَ (إقْرَارٌ بِزِنًا) عَلَى نَفْسِهِ لِإِسْنَادِهِ الْفِعْلَ لَهُ، وَمَحَلُّهُ إنْ قَالَ أَرَدْت الزِّنَا الشَّرْعِيَّ لِمَا يَأْتِي مِنْ كَوْنِ الْأَصَحِّ اشْتِرَاطَ التَّفْصِيلِ فِي الْإِقْرَارِ (وَقَذْفٌ) لِلْمَقُولِ لَهُ لِقَوْلِهِ بِك، وَقَوْلُ الْإِمَامِ بِعَدَمِهِ لِاحْتِمَالِ كَوْنِ الْمُخَاطَبِ نَائِمًا أَوْ مُكْرَهًا مَرْدُودٌ بِأَنَّ الْمُتَبَادَرَ مِنْ لَفْظِهِ مُشَارَكَتُهُ فِي الزِّنَا وَهُوَ يَنْفِي ذَلِكَ الِاحْتِمَالَ، وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا أَيَّدَ بِهِ الرَّافِعِيُّ الْبَحْثَ بَعْدَ أَنْ قَوَّاهُ وَتَبِعَهُ الزَّرْكَشِيُّ مِنْ قَوْلِهِمْ إنَّ زَنَيْت مَعَ فُلَانٍ قَذْفٌ لَهَا دُونَهُ بِأَنَّ الْبَاءَ فِي بِك تَقْتَضِي الْآلِيَّةَ الْمُشْعِرَةَ بِأَنَّ لِمَدْخُولِهَا تَأْثِيرًا مَعَ الْفَاعِلِ فِي إيجَادِ الْفِعْلِ كَكَتَبْتُ بِالْقَلَمِ، بِخِلَافِ الْمَعِيَّةِ فَإِنَّهَا تَقْتَضِي مُجَرَّدَ الْمُصَاحَبَةِ وَهِيَ لَا تُشْعِرُ بِذَلِكَ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا أَجَابَ بِهِ الْغَزَالِيُّ عَنْ الْبَحْثِ، وَتَبِعَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ بِأَنَّ إطْلَاقَ هَذَا اللَّفْظِ يَحْصُلُ بِهِ الْإِيذَاءُ التَّامُّ لِتُبَادِرْ الْفَهْمِ مِنْهُ إلَى صُدُورِهِ عَنْ طَوَاعِيَةٍ وَإِنْ احْتَمَلَ غَيْرَهُ، وَلِذَا حُدَّ بِلَفْظِ الزِّنَا مَعَ احْتِمَالِهِ زِنَا نَحْوِ الْعَيْنِ.
(وَلَوْ) (قَالَ لِزَوْجَتِهِ يَا زَانِيَةُ) أَوْ أَنْتِ زَانِيَةٌ (فَقَالَتْ) فِي جَوَابِهِ (زَنَيْت بِك أَوْ أَنْتِ أَزَنَى مِنِّي) (فَقَاذِفٌ) لِصَرَاحَةِ لَفْظِهِ فِيهِ (وَكِنَايَةٌ) لِاحْتِمَالِ قَوْلِهَا الْأَوَّلِ لَمْ أَفْعَلْ كَمَا تَفْعَلُ وَهَذَا مُسْتَعْمَلٌ فِي الْعُرْفِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ تُرِيدَ إثْبَاتَ زِنَاهَا فَتَكُونُ مُقِرَّةً بِهِ وَقَاذِفَةً لَهُ فَيَسْقُطُ حَدُّ الْقَذْفِ بِإِقْرَارِهَا وَيُعَزَّرُ. وَالثَّانِي مَا وَطِئَنِي غَيْرُك وَوَطْؤُك مُبَاحٌ، فَإِنْ كُنْت زَانِيَةً فَأَنْتَ أَزَنَى مِنِّي لِأَنِّي مُمَكِّنَةٌ: وَأَنْتَ فَاعِلٌ، وَلِكَوْنِ هَذَا الْمَعْنَى مُحْتَمَلًا مِنْهُ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ إقْرَارًا مِنْهَا بِالزِّنَا وَإِنْ اسْتَشْكَلَهُ الْبُلْقِينِيُّ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ تُرِيدَ إثْبَاتَ الزِّنَا فَتَكُونَ قَاذِفَةً فَقَطْ. وَالْمَعْنَى: أَنْتَ زَانٍ وَزِنَاك أَكْثَرُ مِمَّا نَسَبَتْنِي إلَيْهِ، وَتُصَدَّقُ فِي إرَادَةِ شَيْءٍ مِمَّا ذُكِرَ بِيَمِينِهَا (فَلَوْ قَالَتْ) فِي جَوَابِهِ وَكَذَا ابْتِدَاءٌ (زَنَيْت بِك وَأَنْتَ أَزَنَى مِنِّي فَمُقِرَّةٌ)
ــ
[حاشية الشبراملسي]
قَوْلُهُ: عُلِمَ الْفَرْقُ بَيْنَ الثَّلَاثَةِ) أَيْ صَرِيحٍ وَكِنَايَةٍ وَتَعْرِيضٍ (قَوْلُهُ: وَإِلَّا فَتَعْرِيضٌ) كَذَا قَالَهُ شَيْخُنَا فِي شَرْحِ مَنْهَجِهِ، وَفِي جَعْلِهِ قَصْدَ الْقَذْفِ بِهِ مُقَسَّمًا لِلثَّلَاثَةِ إيهَامٌ اشْتَرَطَ ذَلِكَ فِي الصَّرِيحِ وَأَنَّ الْكِنَايَةَ يُفْهَمُ مِنْ وَضْعِهَا الْقَذْفُ دَائِمًا وَأَنَّهَا وَالتَّعْرِيضُ يُقْصَدُ بِهِمَا ذَلِكَ دَائِمًا، وَلَيْسَ كَذَلِكَ فِي الْكُلِّ فَالْأَحْسَنُ الْفَرْقُ بِأَنَّ مَا لَمْ يَحْتَمِلْ غَيْرَ مَا وُضِعَ لَهُ مِنْ الْقَذْفِ وَحْدَهُ صَرِيحٌ، وَمَا احْتَمَلَ وَضْعًا الْقَذْفَ وَغَيْرَهُ كِنَايَةٌ، وَمَا اُسْتُعْمِلَ فِي غَيْرِ مَوْضُوعٍ لَهُ مِنْ الْقَذْفِ بِالْكُلِّيَّةِ وَإِنَّمَا يُفْهَمُ الْمَقْصُودُ مِنْهُ بِالْقَرَائِنِ تَعْرِيضٌ اهـ حَجّ وَمَا قَالَهُ ظَاهِرٌ حَيْثُ حُمِلَ قَوْلُ الْمَنْهَجِ وَاللَّفْظِ الَّذِي يُقْصَدُ لَهُ الْقَذْفُ عَلَى الْقَصْدِ بِالْفِعْلِ، فَإِنْ حَلَّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ الْأَلْفَاظُ الَّتِي مِنْ شَأْنِهَا الْقَذْفُ كَانَ مُسَاوِيًا لِمَا قَالَهُ حَجّ (قَوْلُهُ: وَلَيْسَ الرَّمْيُ بِإِتْيَانِ الْبَهَائِمِ قَذْفًا) أَيْ وَلَكِنْ يُعَزَّرُ بِهِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْهَازِلِيِّ وَغَيْرِهِ.
(قَوْلُهُ وَمَحَلُّهُ لِمَنْ قَالَ أَرَدْت الزِّنَا الشَّرْعِيَّ) وَيَنْبَغِي أَنَّ مِثْلَهُ الْإِطْلَاقُ (قَوْلُهُ وَقَوْلُ الْإِمَامِ بِعَدَمِهِ) أَيْ عَدَمِ الْعُرْفِ (قَوْلُهُ: وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُ) أَيْ بَيْنَ قَوْلِهِ زَنَيْت بِك (قَوْلُهُ: الْبَحْثَ) أَيْ بَحْثَ الْإِمَامِ (قَوْلُهُ وَيُؤَيِّدُهُ) أَيْ قَوْلَهُ وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُ (قَوْلُهُ: عَنْ الْبَحْثِ) أَيْ بَحْثَ الْإِمَامِ.
(قَوْلُهُ لِاحْتِمَالِ قَوْلِهَا الْأَوَّلِ) هُوَ قَوْلُهُ زَنَيْت بِك (قَوْلُهُ: وَالثَّانِي) هُوَ قَوْلُهَا أَوْ أَنْتَ أَزَنَى مِنِّي أَيْ وَلِاحْتِمَالِ قَوْلِهَا الثَّانِي إلَخْ (قَوْلُهُ: وَكَذَا ابْتِدَاءُ زَنَيْتُ بِك) لَمْ يَذْكُرْ فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ فِي هَذِهِ لَفْظَ قَوْلِهِ بِك وَهِيَ ظَاهِرَةٌ، وَأَمَّا عَلَى مَا ذَكَرَهُ
[حاشية الرشيدي]
تَلَفَّظَ بِالْكِنَايَةِ وَاعْتَرَفَ بِإِرَادَةِ الْمَعْنَى الَّذِي هُوَ قَذْفٌ وَإِنْ لَمْ يَعْتَرِفْ بِأَنَّهُ قَصَدَ بِذَلِكَ الْقَذْفَ بِمَعْنَى التَّعْيِيرِ فَتَأَمَّلْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute