الْمُمَيِّزُ الَّذِي لَا أَبَ لَهُ (بَيْنَ أُمٍّ) وَإِنْ عَلَتْ (وَجَدٍّ) وَإِنْ عَلَا عِنْدَ فَقْدِ مَنْ هُوَ أَقْرَبُ مِنْهُ أَوْ قِيَامِ مَانِعٍ بِهِ لِوُجُودِ الْوِلَادَةِ فِي الْكُلِّ (وَكَذَا) الْحَوَاشِي فَهُمْ كَالْجَدِّ وَمِنْهُمْ (أَخٌ أَوْ عَمٌّ) أَوْ ابْنُهُ إلَّا ابْنَ عَمٍّ فِي مُشْتَهَاةٍ، وَلَا نَحْوِ ابْنَةٍ ثِقَةٍ لَهُ تُسَلَّمُ إلَيْهَا فَيُخَيَّرُ بَيْنَ أَحَدِهِمْ، وَالْأُمُّ فِي الْأَصَحِّ كَالْأَبِ بِجَامِعِ الْعُصُوبَةِ، «وَلِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَيَّرَ ابْنَ سَبْعٍ أَوْ ثَمَانٍ بَيْنَ أُمِّهِ وَعَمِّهِ» رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ (أَوْ أَبٍ مَعَ أُخْتٍ) شَقِيقَةٍ أَوْ لِأُمٍّ (أَوْ خَالَةٍ) حَيْثُ لَا أُمَّ فَيُخَيَّرُ بَيْنَهُمَا (فِي الْأَصَحِّ) ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا قَائِمٌ مَقَامَ الْأُمِّ، وَالثَّانِي يُقَدَّمُ فِي الْأُولَيَيْنِ الْأُمُّ وَفِي الْأُخْرَيَيْنِ الْأَبُ، فَإِنْ فُقِدَ الْأَبُ أَيْضًا خُيِّرَ بَيْنَ الْأُخْتِ أَوْ الْخَالَةِ وَبَقِيَّةِ الْعَصَبَةِ كَمَا هُوَ الْأَقْرَبُ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي الْأُخْتِ بَيْنَ الَّتِي لِلْأَبِ وَغَيْرِهَا، لَكِنَّ الْمَاوَرْدِيَّ قَيَّدَهَا بِاَلَّتِي لِغَيْرِ الْأَبِ لِإِدْلَائِهَا بِالْأُمِّ وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَمِثْلُ الْأُخْتِ لِلْأَبِ الْعَمَّةُ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ عَدَمُ جَرَيَانِ التَّخْيِيرِ بَيْنَ ذَكَرَيْنِ أَوْ أُنْثَيَيْنِ كَأَخَوَيْنِ أَوْ أُخْتَيْنِ، وَهُوَ مَا نَقَلَهُ الْأَذْرَعِيُّ فِي الْأُنْثَيَيْنِ عَنْ فَتْوَى الْبَغَوِيّ، وَنَقَلَ عَنْ ابْنِ الْقَطَّانِ وَعَنْ مُقْتَضَى كَلَامِ غَيْرِهِ جَرَيَانَهُ بَيْنَهُمَا، وَهُوَ الْأَوْجَهُ؛ لِأَنَّهُ إذَا خُيِّرَ بَيْنَ غَيْرِ الْمُتَسَاوِيَيْنِ فَبَيْنَ الْمُتَسَاوِيَيْنِ أَوْلَى (فَإِنْ) (اخْتَارَ) الْمُمَيِّزُ (أَحَدَهُمَا) أَيْ الْأَبَوَيْنِ أَوْ مَنْ أُلْحِقَ بِهِمَا كَمَا مَرَّ (ثُمَّ) اخْتَارَ (الْآخَرَ) (حُوِّلَ إلَيْهِ) ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَظْهَرُ الْأَمْرُ عَلَى خِلَافِ مَا ظَنَّهُ أَوْ يَتَغَيَّرُ حَالُ مَنْ اخْتَارَهُ أَوَّلًا نَعَمْ إنْ ظُنَّ أَنَّ سَبَبَهُ قِلَّةُ عَقْلِهِ.
فَعِنْدَ الْأُمِّ وَإِنْ بَلَغَ كَمَا قَبْلَ التَّمْيِيزِ (فَإِنْ اخْتَارَ الْأَبَ ذَكَرٌ لَمْ يَمْنَعْهُ زِيَارَةَ أُمِّهِ) أَيْ لَمْ يَجُزْ لَهُ ذَلِكَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَدَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُ الْمَاوَرْدِيِّ، وَتَكْلِيفُهَا الْخُرُوجَ لِزِيَارَتِهِ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي لِلْعُقُوقِ وَقَطْعِ الرَّحِمِ وَهُوَ أَوْلَى مِنْهَا بِالْخُرُوجِ (وَيَمْنَعُ أُنْثَى) وَمِثْلُهَا هُنَا وَفِيمَا يَأْتِي الْخُنْثَى مِنْ زِيَارَةِ أُمِّهَا لِتَأْلَفَ الصِّيَانَةَ وَعَدَمَ الْبُرُوزِ، وَالْأُمُّ أَوْلَى مِنْهَا بِالْخُرُوجِ لِزِيَارَتِهَا لِسِنِّهَا وَخِبْرَتِهَا، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ عَدَمُ الْفَرْقِ فِي الْأُمِّ بَيْنَ الْمُخَدَّرَةِ وَغَيْرِهَا وَهُوَ كَذَلِكَ خِلَافًا لِمَا بَحَثَهُ الْأَذْرَعِيُّ مِنْ الْفَرْقِ، وَظَاهِرُ كَلَامِهَا أَنَّهُ لَوْ مَكَّنَهَا مِنْ زِيَارَتِهَا لَمْ يَحْرُمْ عَلَيْهِ، نَعَمْ لَا يَمْنَعُهَا مِنْ عِيَادَتِهَا لِمَرَضٍ لِشِدَّةِ الْحَاجَةِ إلَيْهَا، وَيَتَّجِهُ أَنَّ مَحَلَّ تَمْكِينِهَا مِنْ الْخُرُوجِ عِنْدَ انْتِفَاءِ رِيبَةٍ قَوِيَّةٍ وَإِلَّا لَمْ يَلْزَمْهُ (وَلَا يَمْنَعُهَا) أَيْ الْأَبُ الْأُمَّ (دُخُولًا عَلَيْهِمَا) أَيْ الِابْنِ وَالْبِنْتِ إلَى بَيْتِهِ (زَائِرَةً) حَيْثُ لَا خَلْوَةَ بِهَا مُحَرَّمَةٌ وَلَا رِيبَةَ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ نَظِيرَ مَا يَأْتِي فِي عَكْسِهِ دَفْعًا لِلْعُقُوقِ لَكِنْ لَا تُطِيلُ الْمُكْثَ (وَالزِّيَارَةُ مَرَّةً فِي أَيَّامٍ) عَلَى الْعَادَةِ لَا فِي كُلِّ يَوْمٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَنْزِلُهَا قَرِيبًا فَلَا بَأْسَ بِدُخُولِهَا كُلَّ يَوْمٍ.
قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ، وَنَصَبَ مَرَّةً عَلَى الْمَصْدَرِ وَعِنْدَ الْفَارِسِيِّ عَلَى الظَّرْفِ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
(قَوْلُهُ: وَلَا نَحْوَ ابْنَةِ ثِقَةٍ) أَيْ وَالْحَالُ
(قَوْلُهُ: وَيَمْنَعُ أُنْثَى) أَيْ نَدْبًا لِمَا يَأْتِي مِنْ قَوْلِهِ: وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ إلَخْ (قَوْلُهُ: خِلَافًا لِمَا بَحَثَهُ الْأَذْرَعِيُّ) جَرَى عَلَيْهِ حَجّ حَيْثُ قَالَ: وَأَفْتَى ابْنُ الصَّلَاحِ بِأَنَّ الْأُمَّ إذَا طَلَبَتْهَا أَرْسَلَتْ إلَيْهَا مَحْمُولٌ عَلَى مَعْذُورَةٍ فِي عَدَمِ الْخُرُوجِ لِلْبِنْتِ لِنَحْوِ تَخَدُّرٍ أَوْ مَرَضٍ أَوْ مَنْعِ نَحْوِ زَوْجٍ اهـ.
وَلَيْسَ فِي كَلَامِ الشَّارِحِ تَعَرُّضٌ لِمَا لَوْ كَانَ امْتِنَاعُهَا لِمَرَضٍ أَوْ مَنْعِ نَحْوِ الزَّوْجِ لَهَا (قَوْلُهُ وَإِلَّا لَمْ يَلْزَمْهُ) أَيْ بَلْ الظَّاهِرُ حُرْمَةُ تَمْكِينِهِ مِنْ ذَلِكَ
(قَوْلُهُ: فَلَا بَأْسَ بِدُخُولِهَا) أَيْ
[حاشية الرشيدي]
(قَوْلُهُ: وَلَا نَحْوُ ابْنَةٍ ثِقَةٍ لَهُ) وَالْمُرَادُ أَنَّهُ لَا يَجِدُ ثِقَةً يُسَلِّمُهَا إلَيْهِ كَمَا قَالَهُ حَجّ (قَوْلُهُ: وَهُوَ ظَاهِرٌ) أَيْ كَمَا قَيَّدَ هُوَ بِهِ الْمَتْنَ فِيمَا مَرَّ (قَوْلُهُ: جَرَيَانُهُ بَيْنَهُمَا) يَجُوزُ رُجُوعُ الضَّمِيرِ لِأَقْرَبِ مَذْكُورٍ وَهُوَ الْأُنْثَيَانِ: أَيْ وَيُقَاسُ بِهِمَا الذَّكَرَانِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ، وَيَجُوزُ رُجُوعُهُ لِأَصْلِ الْمَسْأَلَةِ: أَيْ الذَّكَرَيْنِ أَوْ الْأُنْثَيَيْنِ (قَوْلُهُ: وَتَكْلِيفُهَا) هُوَ بِالرَّفْعِ عَطْفًا عَلَى ذَلِكَ (قَوْلُهُ: وَيُتَّجَهُ أَنَّ مَحَلَّ تَمْكِينِهَا مِنْ الْخُرُوجِ) أَيْ لِلْعِبَادَةِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ، وَإِلَّا لَمْ يَلْزَمْهُ لِأَنَّ الْخُرُوجَ الْمَذْكُورَ هُوَ الَّذِي يَلْزَمُهُ تَمْكِينُهَا مِنْهُ كَمَا عُلِمَ مِنْ السِّيَاقِ وَبِهِ تُصَرِّحُ عِبَارَةُ التُّحْفَةِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ هَذَا الْقَيْدَ يَأْتِي فِيمَا إذَا جَازَ لَهُ خُرُوجُهَا مِنْ غَيْرِ لُزُومٍ بِالْأُولَى (قَوْلُهُ: إلَّا أَنْ يَكُونَ مَنْزِلُهَا قَرِيبًا) حَاصِلُ هَذَا مَعَ مَا قَبْلَهُ أَنَّ مَنْزِلَهَا إنْ كَانَ قَرِيبًا فَجَاءَتْ كُلَّ يَوْمٍ لَزِمَهُ تَمْكِينُهَا مِنْ الدُّخُولِ، وَإِنْ كَانَ بَعِيدًا فَجَاءَتْ كُلَّ يَوْمٍ فَلَهُ مَنْعُهَا، وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute