تَجِبُ الدِّيَةُ؛ لِأَنَّ الْهَلَاكَ مِنْ غَيْرِ الْوَجْهِ الَّذِي قُصِدَ فَانْتَهَضَ شُبْهَةً فِي نَفْيِ الْقِصَاصِ، وَلَوْ اُقْتُصَّ مِنْ الْمُلْقِي فَقَذَفَ الْحُوتُ مَنْ ابْتَلَعَهُ سَالِمًا وَجَبَتْ دِيَةُ الْمَقْتُولِ عَلَى الْمُقْتَصِّ دِيَةُ عَمْدٍ فِي مَالِهِ، وَلَا قِصَاصَ لِلشُّبْهَةِ كَمَا أَفْتَى بِهِ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، كَمَا لَوْ شَهِدَتْ بَيِّنَةٌ بِمُوجِبِ قَوَدٍ فَقُتِلَ ثُمَّ بَانَ الْمَشْهُودُ بِقَتْلِهِ حَيًّا بِجَامِعِ أَنَّهُ فِي كُلٍّ قَتْلٌ بِحُجَّةٍ شَرْعِيَّةٍ ثُمَّ بَانَ خِلَافُهَا (أَوْ غَيْرَ مُغْرَقٍ) فَإِنْ أَمْكَنَهُ الْخَلَاصُ مِنْهُ وَلَوْ بِسِبَاحَةٍ فَالْتَقَمَهُ (فَلَا) قَوَدَ بَلْ دِيَةُ شِبْهِ عَمْدٍ مَا لَمْ يَعْلَمْ أَنَّ بِهِ حُوتًا يَلْتَقِمُ وَإِلَّا فَالْقَوَدُ كَمَا لَوْ أَلْقَمَهُ إيَّاهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْوَسِيطِ
(وَلَوْ) (أَكْرَهَهُ عَلَى) قَطْعٍ أَوْ (قَتْلٍ) لِشَخْصٍ بِغَيْرِ حَقٍّ كَاقْتُلْ هَذَا وَإِلَّا قَتَلْتُك فَقَتَلَهُ (فَعَلَيْهِ) أَيْ الْمُكْرِهِ بِالْكَسْرِ وَلَوْ إمَامًا أَوْ مُتَغَلِّبًا، وَمِنْهُ آمِرٌ خِيفَ مِنْ سَطْوَتِهِ لِاعْتِيَادِهِ فِعْلَ مَا يَحْصُلُ بِهِ الْإِكْرَاهُ لَوْ خُولِفَ فَأَمْرُهُ كَالْإِكْرَاهِ (الْقِصَاصُ) وَإِنْ كَانَ الْمُكْرَهُ نَحْوَ مُخْطِئٍ، وَلَا نَظَرَ إلَى أَنَّ الْمُكْرِهَ مُتَسَبِّبٌ وَالْمُكْرَهَ مُبَاشِرٌ، وَلَا إلَى أَنَّ شَرِيكَ الْمُخْطِئِ لَا قَوَدَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مَعَهُ كَالْآلَةِ، إذْ الْإِكْرَاهُ يُوَلِّدُ دَاعِيَةَ الْقَتْلِ فِي الْمُكْرَهِ فَيَدْفَعُ عَنْ نَفْسِهِ وَيَقْصِدُ بِهِ الْإِهْلَاكَ غَالِبًا، وَلَا يَحْصُلُ الْإِكْرَاهُ هُنَا إلَّا بِضَرْبٍ شَدِيدٍ فَمَا فَوْقَهُ لَهُ إلَّا لِنَحْوِ وَلَدِهِ، وَكَذَا عَلَى الْمُكْرَهِ بِالْفَتْحِ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ أَعْجَمِيًّا يَعْتَقِدُ وُجُوبَ طَاعَةِ آمِرِهِ أَوْ مَأْمُورِ الْإِمَامِ أَوْ زَعِيمِ بُغَاةٍ لَمْ يَعْلَمْ ظُلْمَهُ بِأَمْرِهِ بِالْقَتْلِ (فِي الْأَظْهَرِ) لِإِيثَارِهِ نَفْسَهُ بِالْبَقَاءِ وَإِنْ كَانَ كَالْآلَةِ فَهُوَ كَمُضْطَرٍّ قَتَلَ غَيْرَهُ لِيَأْكُلَهُ وَلِعَدَمِ تَقْصِيرِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ.
وَالثَّانِي لَا قِصَاصَ عَلَيْهِ لِخَبَرِ «رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ» وَلِأَنَّهُ آلَةٌ لِلْمُكْرِهِ فَصَارَ كَمَا لَوْ ضَرَبَهُ بِهِ، وَقِيلَ لَا قِصَاصَ عَلَى الْمُكْرِهِ بِكَسْرِ الرَّاءِ؛ لِأَنَّهُ مُتَسَبِّبٌ، بَلْ عَلَى الْمُكْرَهِ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
(قَوْلُهُ: مِنْ غَيْرِ الْوَجْهِ الَّذِي قَصَدَ) وَهُوَ الْإِغْرَاقُ
(قَوْلُهُ: ثُمَّ بَانَ الْمَشْهُودُ بِقَتْلِهِ حَيًّا) أَيْ فَإِنَّهُ لَا قِصَاصَ عَلَى الشَّاهِدِ وَعَلَى الْمُقْتَصِّ دِيَةُ عَمْدٍ فِي مَالِهِ (قَوْلُهُ: مَا لَمْ يَعْلَمْ أَنَّ بِهِ حُوتًا) أَيْ فَلَوْ ادَّعَى الْوَلِيُّ عِلْمَ الْمُلْقِي بِالْحُوتِ وَأَنْكَرَهُ صُدِّقَ الْمُلْقِي بِيَمِينِهِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْعِلْمِ وَعَدَمُ الضَّمَانِ
(قَوْلُهُ: فَأَمْرُهُ كَالْإِكْرَاهِ) نَعَمْ لَا أَثَرَ لِأَمْرِ إمَامِ وَزَعِيمِ بُغَاةٍ حَيْثُ لَمْ يَعْلَمْ الْمَأْمُورُ ظُلْمَهُ بِهِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ وَلَا كَفَّارَةَ، وَإِنْ بَانَ ظُلْمُهُ انْتَهَى، كَذَا فِي نُسْخَةٍ، وَلَعَلَّ صُورَتَهَا أَنَّ الْقَاتِلَ لَمْ يَخْشَ سَطْوَةَ الْآمِرِ لِئَلَّا يُخَالِفَ مَا قَدَّمَهُ
(قَوْلُهُ: إلَّا بِضَرْبٍ شَدِيدٍ) أَيْ بِحَيْثُ يُخَافُ مِنْهُ الْهَلَاكُ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ سم عَلَى مَنْهَجٍ ثُمَّ الْإِكْرَاهُ هُنَا إنَّمَا يَحْصُلُ بِالتَّهْدِيدِ بِالْقَتْلِ أَوْ غَيْرِهِ مِمَّا يُخْشَى مِنْهُ الْهَلَاكُ، وَيُوَافِقُ ذَلِكَ مَا نَقَلَهُ الدَّمِيرِيِّ عَنْ الرَّافِعِيِّ عَنْ الْمُعْتَبَرِينَ أَنَّ الْإِكْرَاهَ لَا يَحْصُلُ إلَّا بِالتَّخْوِيفِ بِالْقَتْلِ أَوْ بِمَا يُخَافُ مِنْهُ التَّلَفُ كَالْقَطْعِ وَالْجُرْحِ وَالضَّرْبِ الشَّدِيدِ، بِخِلَافِ الطَّلَاقِ فَإِنَّ الْإِكْرَاهَ فِيهِ لَا يَنْحَصِرُ فِي ذَلِكَ عَلَى الْأَظْهَرِ
(قَوْلُهُ: فَمَا فَوْقَهُ) أَيْ كَالْقَتْلِ وَالْقَطْعِ
(قَوْلُهُ: أَوْ زَعِيمِ) أَيْ مَأْمُورِ
(قَوْلُهُ: وَلِعَدَمِ تَقْصِيرِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ إلَخْ) وَلَا خِلَافَ فِي إثْمِهِ كَالْمُكْرِهِ عَلَى الزِّنَا وَإِنْ سَقَطَ الْحَدُّ عَنْهُ؛ لِأَنَّ حَقَّ اللَّهِ يَسْقُطُ بِالشُّبْهَةِ وَيُبَاحُ بِهِ بَقِيَّةُ الْمَعَاصِي.
قَالَ حَجّ: وَبِالْأَوَّلَيْنِ يُخَصُّ عُمُومُ «وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ» وَكَتَبَ عَلَيْهِ سم قَوْلُهُ وَلَا خِلَافَ إلَخْ، وَالْكَلَامُ فِي الْقَتْلِ الْمُحَرَّمِ لِذَاتِهِ، وَأَمَّا الْمُحَرَّمُ لِغَيْرِهِ كَقَتْلِ صِبْيَانِ الْكُفَّارِ وَنِسَائِهِمْ فَيُبَاحُ بِالْإِكْرَاهِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ انْتَهَى شَرْحُ الرَّوْضِ.
وَقَوْلُهُ: وَيُبَاحُ بِهِ بَقِيَّةُ الْمَعَاصِي دَخَلَ فِيهَا الْقَذْفُ، وَالْإِبَاحَةُ لَا تُنَافِي الْوُجُوبَ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ، فَفِي الرَّوْضِ وَشَرْحِهِ وَيُبَاحُ بَلْ يَجِبُ كَمَا قَالَهُ الْغَزَالِيُّ فِي وَسِيطِهِ، وَنَقَلَ ابْنُ الرِّفْعَةِ الِاتِّفَاقَ عَلَى إتْلَافِ مَالِ الْغَيْرِ وَصَيْدِ الْحَرَمِ وَيَضْمَنُهُمَا: أَيْ كُلٌّ مِنْ الْمُكْرِهِ وَالْمُكْرَهِ الْمَالَ وَالصَّيْدَ
ــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: إلَّا بِضَرْبٍ شَدِيدٍ) أَيْ يُؤَدِّي إلَى الْقَتْلِ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ حَوَاشِي سم عَلَى الْمَنْهَجِ فَلْتُرَاجَعْ (قَوْلُهُ: أَوْ مَأْمُورِ الْإِمَامِ) قَالَ فِي الْأَنْوَارِ: وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالْإِمَامِ هُنَا الْمُتَوَلِّينَ عَلَى الرِّقَابِ وَالْأَمْوَالِ الْمُمَزِّقِينَ لَهُمْ كَالسِّبَاعِ وَالْمُنْتَهَبِينَ لِأَمْوَالِهِمْ كَأَهْلِ الْحَرْبِ إذَا ظَفِرُوا بِالْمُسْلِمِينَ، بَلْ الْمُرَادُ بِهِ الْعَادِلُ الَّذِي لَا يُعْرَفُ مِنْهُ الظُّلْمُ وَالْقَتْلُ بِغَيْرِ حَقٍّ (قَوْلُهُ: وَلِعَدَمِ تَقْصِيرِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ) أَيْ، فَيَخْرُجُ الصَّائِلُ