للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْأَنْوَارِ تَوْجِيهُهُ وَاسْتَوْجَهَهُ الشَّيْخُ وَإِنْ جَزَمَ ابْنُ الْمُقْرِي بِخِلَافِهِ (أَوْ) أُكْرِهَ (عَلَى رَمْيِ صَيْدٍ) فِي ظَنِّهِمَا (فَأَصَابَ رَجُلًا فَمَاتَ) (فَلَا قِصَاصَ عَلَى أَحَدٍ) مِنْهُمَا لِخَطَئِهِمَا فَعَلَى عَاقِلَتِهِمَا الدِّيَةُ بِالسَّوِيَّةِ (أَوْ) أُكْرِهَ (عَلَى صُعُودِ شَجَرَةٍ) أَوْ نُزُولِ بِئْرٍ (فَزَلَقَ وَمَاتَ) (فَشِبْهُ عَمْدٍ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقْصِدُ بِهِ الْقَتْلَ غَالِبًا، وَقَضِيَّتُهُ وُجُوبُ الدِّيَةِ عَلَى عَاقِلَةِ الْمُكْرِهِ بِكَسْرِ الرَّاءِ، وَهُوَ مَا جَزَمَ بِهِ فِي التَّهْذِيبِ وَهُوَ الظَّاهِرُ وَإِنْ حَكَى ابْنُ الْقَطَّانِ فِي فُرُوعِهِ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ أَنَّهَا فِي مَالِهِ (وَقِيلَ) هُوَ (عَمْدٌ) وَأَصْلُهُ رَأْيٌ لِلْغَزَالِيِّ، وَعَلَيْهِ فَيَجِبُ الْقِصَاصُ لِتَسَبُّبِهِ فِي قَتْلِهِ فَأَشْبَهَ مَا لَوْ رَمَاهُ بِسَهْمٍ، وَمَحَلُّ هَذَا الْقَوْلِ إذَا كَانَتْ الشَّجَرَةُ مِمَّا يُزْلَقُ عَلَى مِثْلِهَا غَالِبًا كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي نُكَتِ الْوَسِيطِ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ مِمَّا يُزْلَقُ عَلَى مِثْلِهَا غَالِبًا لَمْ يَأْتِ الْقَوْلُ الْمَذْكُورُ، وَحِينَئِذٍ فَالتَّقْيِيدُ ذَلِكَ لِمَحَلِّ الْخِلَافِ خِلَافًا لِمَا فَهِمَهُ أَكْثَرُ الشُّرَّاحِ أَنَّهُ قَيْدٌ لِشِبْهِ الْعَمْدِ فَيَكُونُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ خَطَأٍ فَافْهَمْ هَذَا الْمَقَامَ (أَوْ) أَكْرَهَ مُمَيِّزًا وَلَوْ أَعْجَمِيًّا (عَلَى قَتْلِ نَفْسِهِ) كَاقْتُلْ نَفْسَك وَإِلَّا قَتَلْتُك فَقَتَلَهَا (فَلَا قِصَاصَ فِي الْأَظْهَرِ) لِانْتِفَاءِ كَوْنِهِ إكْرَاهًا حَقِيقَةً لِاتِّحَادِ الْمَأْمُورِ بِهِ وَالْمَخُوفِ بِهِ فَكَأَنَّهُ اخْتَارَ الْقَتْلَ.

وَالثَّانِي يَجِبُ كَمَا لَوْ أَكْرَهَهُ عَلَى قَتْلِ غَيْرِهِ، وَيَجِبُ عَلَى الْأَوَّلِ عَلَى الْأَمْرِ نِصْفُ الدِّيَةِ كَمَا جَزَمَ بِهِ ابْنُ الْمُقْرِي تَبَعًا لِأَصْلِهِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُكْرِهَ شَرِيكٌ وَإِنْ سَقَطَ عَنْهُ الْقِصَاصُ لِلشُّبْهَةِ بِسَبَبِ مُبَاشَرَةِ الْمُكْرَهِ قَتْلَ نَفْسِهِ.

نَعَمْ لَوْ أَكْرَهَهُ عَلَى قَتْلِ نَفْسِهِ بِمَا يَتَضَمَّنُ تَعْذِيبًا شَدِيدًا كَإِحْرَاقٍ أَوْ تَمْثِيلٍ إنْ لَمْ يَقْتُلْ نَفْسَهُ كَانَ إكْرَاهًا كَمَا جَرَى عَلَيْهِ الزَّازُ وَمَالَ إلَيْهِ الرَّافِعِيُّ وَإِنْ نَازَعَ فِيهِ الْبُلْقِينِيُّ، أَمَّا غَيْرُ الْمُمَيِّزِ فَعَلَى مُكْرِهِهِ الْقَوَدُ لِانْتِفَاءِ اخْتِيَارِهِ، وَبِهِ فَارَقَ الْأَعْجَمِيَّ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ وُجُوبُ الِامْتِثَالِ فِي حَقِّ نَفْسِهِ، وَأَمَّا غَيْرُ النَّفْسِ كَاقْطَعْ يَدَك وَإِلَّا قَتَلْتُك فَهُوَ إكْرَاهٌ؛ لِأَنَّ قَطْعَهَا تُرْجَى مَعَهُ الْحَيَاةُ

(وَلَوْ) (قَالَ) حُرٌّ لِحُرٍّ أَوْ قِنٍّ اُقْتُلْنِي أَوْ (اُقْتُلْنِي وَإِلَّا قَتَلْتُك فَقَتَلَهُ) الْمَقُولُ لَهُ (فَالْمَذْهَبُ) أَنَّهُ (لَا قِصَاصَ) عَلَيْهِ لِلْإِذْنِ لَهُ فِي الْقَتْلِ وَإِنْ فَسَقَ بِامْتِثَالِهِ، وَالْقَوَدُ يَثْبُتُ لِلْمُوَرَّثِ ابْتِدَاءً كَالدِّيَةِ وَلِهَذَا أُخْرِجَتْ مِنْهَا دُيُونُهُ وَوَصَايَاهُ.

وَالطَّرِيقُ الثَّانِي ذَاتُ قَوْلَيْنِ: ثَانِيهِمَا يَجِبُ الْقِصَاصُ؛ لِأَنَّ الْقَتْلَ لَا يُبَاحُ بِالْإِذْنِ فَأَشْبَهَ مَا لَوْ أَذِنَ

ــ

[حاشية الشبراملسي]

فَالْأَفْضَلُ أَنْ يَنْطِقَ بِهَا لِمَصْلَحَةِ بَقَائِهِ وَإِلَّا فَالْأَفْضَلُ الثَّبَاتُ، وَيُبَاحُ بِهِ إتْلَافُ مَالِ الْغَيْرِ.

وَقَالَ فِي الْوَسِيطِ: بَلْ يَجِبُ وَتَبِعَهُ الْحَاوِي الصَّغِيرُ فَجَزَمَ بِالْوُجُوبِ وَالْمُكْرَهُ عَلَى شَهَادَةِ الزُّورِ،

قَالَ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ: يَنْبَغِي أَنْ يُنْتَظَرَ فِيمَا تَقْتَضِيهِ فَإِنْ اقْتَضَتْ قَتْلًا أُلْحِقَتْ بِهِ اهـ دَمِيرِيٌّ

(قَوْلُهُ: أَوْ أُكْرِهَ) مِنْهُ يُعْلَمُ أَنَّهُ لَوْ عَلِمَ مِنْ حَالِ الْمُكْرَهِ أَنَّهُ لَا يُحَقِّقُ مَا هُدِّدَ بِهِ لَا يَكُونُ ذَلِكَ إكْرَاهًا، وَعَلَيْهِ فَلَوْ قُيِّدَ الْمُكْرَهُ بِالْفَتْحِ وَعَلِمَ مِنْ حَالِ الْمُكْرِهِ بِالْكَسْرِ أَنَّهُ لَا يُرِيدُ قَتْلَ نَفْسِهِ، وَإِنَّمَا أَرَادَ مُجَرَّدَ التَّهَكُّمِ وَالِاسْتِهْزَاءِ بِالْمُكْرَهِ لَمْ يَكُنْ إذْنًا كَمَا أَنَّهُ لَيْسَ بِإِكْرَاهٍ فَيُقْتَلُ الْمُكْرِهُ

(قَوْلُهُ: نِصْفُ الدِّيَةِ) أَيْ دِيَةِ عَمْدٍ أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُكْرَهَ شَرِيكٌ إلَخْ (قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّ قَطْعَهَا تُرْجَى مَعَهُ الْحَيَاةُ) بَقِيَ مَا لَوْ قَالَ: اُقْتُلْ نَفْسَك وَإِلَّا قَطَعْت يَدَك، وَالْقِيَاسُ أَنَّهُ لَيْسَ بِإِكْرَاهٍ أَخْذًا مِمَّا مَرَّ فِي ضَابِطِ الْإِكْرَاهِ مِنْ أَنَّهُ لَا بُدَّ فِي الْمُكْرَهِ بِهِ أَنْ يَتَوَلَّدَ مِنْهُ الْهَلَاكُ عَادَةً عَلَى أَنَّ الْمَخُوفَ بِهِ هُنَا دُونَ الْمَأْمُورِ بِهِ، وَقَضِيَّةُ تَعْلِيلِ الشَّارِحِ أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِإِكْرَاهٍ

(قَوْلُهُ: فَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا قِصَاصَ) أَيْ وَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ، وَبَقِيَ مَا يَقَعُ كَثِيرًا أَنَّ الْحَاكِمَ يَكْسِرُ شَخْصًا أَوْ يُكَلِّبُهُ مَثَلًا، ثُمَّ إنَّهُ يَطْلُبُ مِنْ الْمُتَفَرِّجِينَ عَلَيْهِ قَتْلَهُ لِلتَّهْوِينِ عَلَيْهِ، فَهَلْ إذَا أَجَابَهُ إنْسَانٌ وَهَوَّنَ عَلَيْهِ بِإِزْهَاقِ رُوحِهِ يَأْثَمُ أَمْ لَا؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَقْرَبُ عَدَمُ الْحُرْمَةِ؛ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ تَخْفِيفًا عَلَيْهِ بِإِسْرَاعِ الْإِزْهَاقِ وَعَدَمِ تَطْوِيلِ الْأَلَمِ عَلَى أَنَّ مَوْتَهُ بَعْدَ مَقْطُوعٍ بِهِ عَادَةً

(قَوْلُهُ: بِالْإِذْنِ) هَذَا مِنْ تَمَامِ التَّعْلِيلِ، وَالْمُرَادُ بِهِ دَفْعُ مَا قَدْ يَتَمَسَّكُ بِهِ الثَّانِي مِنْ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ فِيهِ

ــ

[حاشية الرشيدي]

قَوْلُهُ: وَأَصْلُهُ رَأْيٌ لِلْغَزَالِيِّ) عِبَارَةُ الدَّمِيرِيِّ: وَهُوَ قَوْلُ الْغَزَالِيِّ (قَوْلُهُ: فِي هَذِهِ الْحَالَةِ) يَعْنِي: إذَا لَمْ يَزْلَقْ عَلَى مِثْلِهَا غَالِبًا (قَوْلُهُ: وَإِلَّا قَتَلْتُك) لَيْسَ بِقَيْدٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>