للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِدُخُولِهِ مِلْكَ غَيْرِهِ فَوَقَعَ فِي بِئْرٍ حُفِرَتْ عُدْوَانًا فَلَا ضَمَانَ عَلَى الْحَافِرِ فِي أَوْجَهِ الْوَجْهَيْنِ كَمَا قَالَهُ الْبُلْقِينِيُّ وَغَيْرُهُ لِتَعَدِّي الْوَاقِعِ فِيهَا بِالدُّخُولِ، فَإِنْ أَذِنَ لَهُ الْمَالِكُ فِي الدُّخُولِ وَعَرَّفَهُ بِالْبِئْرِ فَلَا ضَمَانَ، وَإِلَّا ضَمِنَ الْحَافِرُ فِي أَوْجَهِ الْوَجْهَيْنِ خِلَافًا لِلْبُلْقِينِيِّ.

نَعَمْ لَوْ تَعَمَّدَ الْوُقُوعَ فِيهَا هُدِرَ، وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ قَوْلُ الْأَنْوَارِ: لَوْ كَانَ لَيْلًا أَوْ أَعْمَى وَجَبَ عَلَى عَاقِلَةِ الْحَافِرِ، وَإِنْ كَانَ نَهَارًا أَوْ بَصِيرًا فَلَا ضَمَانَ، وَيَضْمَنُ الْقِنُّ ذَلِكَ فِي رَقَبَتِهِ، فَإِنْ عَتَقَ فَمِنْ حِينِ عِتْقِهِ عَلَى عَاقِلَتِهِ، وَلَوْ عَرَضَ لِلْوَاقِعِ بِهَا مُزْهِقٌ وَلَمْ يُؤَثِّرْ فِيهِ الْوُقُوعُ شَيْئًا فَلَا ضَمَانَ عَلَى الْحَافِرِ لِانْقِطَاعِ سَبَبِهِ (لَا) مَحْفُورَةَ (فِي مِلْكِهِ) وَمَا اُسْتُحِقَّ مَنْفَعَتُهُ بِوَقْفٍ أَوْ وَصِيَّةٍ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مُؤَبَّدَةً فِيمَا يَظْهَرُ كَمَا هُوَ مُقْتَضَى كَلَامِهِمْ لِصِدْقِ اسْتِحْقَاقِهِ لِلْمَنْفَعَةِ وَإِنْ تَعَدَّى بِالْحَفْرِ لِاسْتِعْمَالِهِ مِلْكَ غَيْرِهِ فِيمَا لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ فِيهِ؛ لِأَنَّ الِانْتِفَاعَ لَا يَشْمَلُ الْحَفْرَ وَكَذَا يُقَالُ فِي الْإِجَارَةِ (وَمَوَاتٍ) لِتَمَلُّكٍ وَارْتِفَاقٍ، بَلْ أَوْ عَبَثًا فِيمَا يَظْهَرُ لِانْتِفَاءِ تَعَدِّيهِ؛ لِأَنَّهُ جَائِزٌ كَالْحَفْرِ فِي مِلْكِهِ، وَعَلَيْهِ حَمَلُوا حَدِيثَ مُسْلِمٍ «الْبِئْرُ جُبَارٌ» وَلَوْ تَعَدَّى بِحَفْرِهِ فِي مِلْكِهِ لِكَوْنِهِ وَضَعَهُ بِقُرْبِ جِدَارِ جَارِهِ ضَمِنَ مَا وَقَعَ بِمَحَلِّ التَّعَدِّي كَمَا قَالَهُ الْبُلْقِينِيُّ، وَلَوْ حَفَرَ بِمِلْكِهِ الْمَرْهُونِ الْمَقْبُوضِ أَوْ الْمُسْتَأْجَرِ فَغَيْرُ مُتَعَدٍّ كَمَا أَطْلَقَهُ أَيْضًا؛ إذْ التَّعَدِّي هُنَا لَيْسَ لِذَاتِ الْحَفْرِ بَلْ لِتَنْقِيصِ الْمَرْهُونِ، نَعَمْ لَوْ حَفَرَ بِالْحَرَمِ بِئْرًا فِي مِلْكِهِ أَوْ فِي مَوَاتٍ ضَمِنَ مَا وَقَعَ بِهَا مِنْ الصَّيْدِ، وَلَوْ حَفَرَ بِئْرًا قَرِيبَةَ الْعُمْقِ مُتَعَدِّيًا فَعَمَّقَهَا غَيْرُهُ تَعَلَّقَ الضَّمَانُ بِهِمَا بِالسَّوِيَّةِ كَالْجِرَاحَاتِ

(وَلَوْ) (حَفَرَ بِدِهْلِيزِهِ) بِكَسْرِ الدَّالِ (بِئْرًا)

ــ

[حاشية الشبراملسي]

صَحِيحٍ، وَلَا نَظَرَ إلَى أَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الضَّمَانِ وَبَرَاءَةُ الذِّمَّةِ

(قَوْلُهُ: بِدُخُولِهِ مِلْكَ غَيْرِهِ) إشَارَةٌ إلَى تَقْيِيدِ ضَمَانِ الْحَافِرِ عُدْوَانًا بِمَا إذَا لَمْ يَتَعَدَّ الْوَاقِعَ بِدُخُولِهِ

(قَوْلُهُ: وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ قَوْلُ الْأَنْوَارِ) أَيْ حَيْثُ قَالَ يَضْمَنُ الْمَالِكُ (قَوْلُهُ: فَلَا ضَمَانَ) أَيْ حَيْثُ تَعَمَّدَ الْوُقُوعَ (قَوْلُهُ: فَمِنْ حِينِ عِتْقِهِ) أَيْ ضَمَانُ الْوُقُوعِ بَعْدَ الْعِتْقِ عَلَى عَاقِلَتِهِ سم عَلَى حَجّ وَكُتِبَ فَمِنْ حِينِ عِتْقِهِ إلَخْ هَذَا قَدْ يُشْكِلُ بِمَا يَأْتِي لَهُ فِي الْمِيزَابِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ كَانَتْ عَاقِلَتُهُ يَوْمَ التَّلَفِ غَيْرَهَا يَوْمَ الْوَضْعِ أَوْ الْبِنَاءِ اُخْتُصَّ الضَّمَانُ بِهِ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ تَجَدُّدَ لُزُومِ الضَّمَانِ لِعَاقِلَةِ الْقِنِّ كَحُدُوثِ الْعَاقِلَةِ وَقْتَ التَّلَفِ، وَرَقَبَةُ الْقِنِّ كَالْعَاقِلَةِ الْمَوْجُودَةِ وَقْتَ الْبِنَاءِ أَوْ الْوَضْعِ، ثُمَّ رَأَيْت فِي فَصْلِ الْعَاقِلَةِ مِنْ كَلَامِ الشَّارِحِ مَا يُصَرِّحُ بِأَنَّ الضَّمَانَ لَمَّا تَلِفَ بَعْدَ عِتْقِهِ فِي مَالِهِ لَا عَلَى عَاقِلَتِهِ فَلْيُتَأَمَّلْ الْجَمْعُ بَيْنَ كَلَامَيْهِ (قَوْلُهُ: وَلَوْ عَرَضَ لِلْوَاقِعِ بِهَا مُزْهِقٌ) كَحَيَّةٍ نَهَشَتْهُ أَوْ حَجَرٍ وَقَعَ عَلَيْهِ مَثَلًا أَوْ ضَاقَ نَفَسُهُ مِنْ أَمْرٍ عَرَضَ لَهُ فِيهَا وَلَوْ بِوَاسِطَةِ ضِيقِهَا

(قَوْلُهُ: لَا مَحْفُورَةَ) أَيْ لَا بِئْرَ مَحْفُورَةً إلَخْ

(قَوْلُهُ: وَمَا اُسْتُحِقَّ مَنْفَعَتُهُ) مَفْهُومُهُ أَنَّ الْمُسْتَعِيرَ يَضْمَنُ مَا تَلِفَ بِالْحَفْرِ فِيمَا اسْتَعَارَهُ

(قَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ تَكُنْ) أَيْ الْوَصِيَّةُ

(قَوْلُهُ: كَمَا هُوَ مُقْتَضَى كَلَامِهِمْ) عِلَّةٌ لِعَدَمِ الضَّمَانِ (قَوْلُهُ: لِاسْتِعْمَالِهِ) عِلَّةٌ لِلتَّعَدِّي

(قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّ الِانْتِفَاعَ) عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ لِاسْتِعْمَالِهِ

(قَوْلُهُ: لَا يَشْمَلُ الْحَفْرَ) أَيْ وَإِنْ تَوَقَّفَ تَمَامُ الِانْتِفَاعِ عَلَيْهِ

(قَوْلُهُ: وَكَذَا يُقَالُ فِي الْإِجَارَةِ) أَيْ مِنْ أَنَّهُ لَوْ حَفَرَ بِئْرًا فِيمَا اسْتَأْجَرَهُ لَا يَضْمَنُ مَا تَلِفَ بِهَا، وَإِنْ تَعَدَّى بِالْحَفْرِ

(قَوْلُهُ: «الْبِئْرُ جُبَارٌ» ) وَفِي نُسْخَةٍ «جُرْحُهَا جُبَارٌ» وَالْجُبَارُ بِالضَّمِّ وَالتَّخْفِيفِ: الْهَدَرُ الَّذِي لَا طَلَبَ فِيهِ، وَلَا قَوَدَ وَلَا دِيَةَ، وَأَصْلُهُ أَنَّ الْعَرَبَ تُسَمِّي السَّيْلَ جُبَارًا لِهَذَا الْمَعْنَى، وَفِي الْحَدِيثِ «الْبِئْرُ جُبَارٌ وَالْمَعْدِنُ جُبَارٌ» يَعْنِي أَنَّ نُزُولَ إنْسَانٍ فِي بِئْرٍ أَوْ مَعْدِنٍ يَحْفِرُهُ بِكِرَاءٍ فَهَلَكَ فِيهِ فَيُهْدَرُ اهـ تَرْتِيبُ الْمَطَالِعِ لِلْفَيُّومِيِّ.

وَلَعَلَّ الْحَدِيثَ وَرَدَ عَلَى سَبَبٍ يُفْهِمُ هَذَا الْمَعْنَى وَإِلَّا فَلَا دَلَالَةَ لِلْحَدِيثِ عَلَيْهِ، نَعَمْ رِوَايَةُ «الْبِئْرُ جُرْحُهَا جُبَارٌ» قَدْ يُفْهِمُهُ كَأَنْ يُقَالَ جُرْحُهَا أَيْ مَا يَتَوَلَّدُ مِنْ الضَّرَرِ الْحَاصِلِ بِهَا

(قَوْلُهُ: بِمَحَلِّ التَّعَدِّي) وَهُوَ مَا حَفَرَهُ زِيَادَةً عَلَى قَوْلِ الْمُعْتَادِ (قَوْلُهُ: نَعَمْ لَوْ حَفَرَ) اسْتِدْرَاكٌ عَلَى عُمُومِ قَوْلِهِ لَا فِي مِلْكِهِ، فَإِنَّ نَفْيَ الضَّمَانِ فِيهِ شَامِلٌ لِلْآدَمِيِّ وَغَيْرِهِ

(قَوْلُهُ: فَعَمَّقَهَا) أَيْ تَعْمِيقًا لَهُ دَخْلٌ فِي الْإِهْلَاكِ وَإِنْ قَلَّ بِالنِّسْبَةِ لِلتَّعْمِيقِ الْأَوَّلِ

ــ

[حاشية الرشيدي]

قَوْلُهُ: وَإِلَّا) أَيْ، وَإِنْ لَمْ يَعْرِفْهُ (قَوْلُهُ: إذْ التَّعَدِّي هُنَا إلَخْ.) عِبَارَةُ التُّحْفَةِ عَقِبَ كَلَامِ الْبُلْقِينِيِّ فِي مَسْأَلَةِ الْمَرْهُونِ

<<  <  ج: ص:  >  >>