أَوْ كَانَ بِهِ بِئْرٌ لَمْ يَتَعَدَّ حَافِرُهَا (وَدَعَا رَجُلًا) أَوْ صَبِيًّا مُمَيِّزًا أَوْ امْرَأَةً إلَى دَارِهِ فَدَخَلَ بِاخْتِيَارِهِ وَكَانَ الْغَالِبُ أَنَّهُ يَمُرُّ عَلَيْهَا (فَسَقَطَ) فِيهَا جَاهِلًا بِهَا لِنَحْوِ ظُلْمَةٍ أَوْ تَغْطِيَةٍ لَهَا فَهَلَكَ (فَالْأَظْهَرُ ضَمَانُهُ) إيَّاهُ بِدِيَةِ شِبْهِ الْعَمْدِ لِكَوْنِهِ غَرَّهُ وَلَمْ يَقْصِدْ هُوَ إهْلَاكَ نَفْسِهِ فَلَمْ يَكُنْ فِعْلُهُ قَاطِعًا، وَقَوْلُ الْبُلْقِينِيِّ إنَّهُ يَضْمَنُ غَيْرُ الْمُمَيِّزِ بِالْقَوَدِ كَالْمُكْرَهِ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا كَانَ الْوُقُوعُ بِهَا يُهْلِكُ غَالِبًا وَعُلِمَ بِنَحْوِ الظُّلْمَةِ وَأَنَّ الْمَارَّ حِينَئِذٍ يَقَعُ فِيهَا غَالِبًا، فَإِنْ لَمْ يَدْعُهُ هُدِرَ مُطْلَقًا، وَكَذَا إنْ دَعَاهُ وَأَعْلَمَهُ بِهَا، وَإِنْ كَانَتْ مُغَطَّاةً، وَخَرَجَ بِالْبِئْرِ نَحْوُ كَلْبٍ عَقُورٍ بِدِهْلِيزِهِ فَلَا يَضْمَنُ مَنْ دَعَاهُ فَأَتْلَفَهُ؛ لِأَنَّ افْتِرَاسَهُ عَنْ اخْتِيَارِ وَلِإِمْكَانِ اجْتِنَابِهِ بِظُهُورِهِ، وَالثَّانِي لَا ضَمَانَ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْمَدْعُوَّ غَيْرُ مُلْجَأٍ (أَوْ) حَفَرَ بِئْرًا (بِمِلْكِ غَيْرِهِ أَوْ) فِي (مُشْتَرَكٍ) بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ (بِلَا إذْنٍ) مِنْ الْمَالِكِ فِي الْحَفْرِ (فَمَضْمُونٌ) ذَلِكَ الْحَفْرُ، فَعَلَيْهِ أَوْ عَلَى عَاقِلَتِهِ بَدَلُ مَا تَلِفَ مِنْ قِيمَةٍ أَوْ دِيَةُ شِبْهِ عَمْدٍ؛ وَهَذَا وَإِنْ عُلِمَ مِمَّا قَبْلَهُ فَقَدْ ذَكَرَهُ لِلْإِيضَاحِ عَلَى أَنَّ التَّفْصِيلَ بَيْنَ الْإِذْنِ وَعَدَمِهِ لَمْ يُعْلَمْ صَرِيحًا إلَّا مِنْ هَذِهِ فَانْدَفَعَ الْقَوْلُ بِأَنَّهُ لَا حَاجَةَ لِذِكْرِ هَذِهِ أَصْلًا، وَقَوْلُهُ مُشْتَرَكٌ أَيْ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْفِعْلَ إذَا كَانَ لَازِمًا لَا يَكُونُ اسْمُ مَفْعُولِهِ إلَّا مَوْصُولًا بِحَرْفِ جَرٍّ أَوْ ظَرْفٍ أَوْ مَصْدَرٍ، ثُمَّ يُتَوَسَّعُ بِحَذْفِ الْجَارِّ فَيَصِيرُ الضَّمِيرُ مُتَّصِلًا فَيَسْتَتِرُ
(أَوْ) حَفَرَ (بِطَرِيقٍ ضَيِّقٍ يَضُرُّ الْمَارَّةَ) (فَكَذَا) هُوَ مَضْمُونٌ، وَإِنْ أَذِنَ فِيهِ الْإِمَامُ لِتَعَدِّيهِمَا (أَوْ) حَفَرَ بِطَرِيقٍ (لَا يَضُمُّ) الْمَارَّةَ لِسَعَتِهَا أَوْ لِانْحِرَافِ الْبِئْرِ عَنْ الْجَادَّةِ (وَأَذِنَ) لَهُ (الْإِمَامُ) فِي الْحَفْرِ (فَلَا ضَمَانَ) عَلَيْهِ وَلَا عَلَى عَاقِلَتِهِ لِلتَّالِفِ بِهَا وَإِنْ كَانَ الْحَفْرُ لِمَصْلَحَةِ نَفْسِهِ (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ الْإِمَامُ، وَهِيَ غَيْرُ ضَارَّةٍ (فَإِنْ حَفَرَ لِمَصْلَحَتِهِ فَالضَّمَانُ) عَلَيْهِ أَوْ عَلَى عَاقِلَتِهِ لِافْتِيَاتِهِ عَلَى الْإِمَامِ (أَوْ مَصْلَحَةٍ عَامَّةٍ) عَطْفٌ عَلَى لِمَصْلَحَتِهِ فَالْقَوْلُ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
(قَوْلُهُ: أَوْ كَانَ بِهِ بِئْرٌ لَمْ يَتَعَدَّ إلَخْ) أَيْ فَإِنْ تَعَدَّى فَالضَّمَانُ عَلَيْهِ دُونَ الْمَالِكِ كَمَا تَقَدَّمَ
(قَوْلُهُ: وَكَذَا إنْ دَعَاهُ وَأَعْلَمَهُ) وَلَوْ اخْتَلَفَ مَالِكُ الدَّارِ وَالْمُسْتَحِقُّ فَقَالَ الْمُسْتَحِقُّ لَمْ تُعْلِمْهُ وَقَالَ الْمَالِكُ: أَعْلَمْته، فَاَلَّذِي يَظْهَرُ تَصْدِيقُ الْمُسْتَحِقِّ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْإِعْلَامِ، وَلَا يُقَالُ.
وَالْأَصْلُ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ: أَمَّا أَوَّلًا فَالْأَصْلُ فِي الْبِئْرِ الْمَحْفُورَةِ فِي مِثْلِ هَذَا الْمَحَلِّ الضَّمَانُ وَالْأَصْلُ عَدَمُ الْمُسْقِطِ.
وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّ الْغَالِبَ أَنَّ أَحَدًا لَا يَقْصِدُ إهْلَاكَ نَفْسِهِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَوْ أَعْلَمَهُ لَاحْتَرَزَ مِنْ الْوُقُوعِ فِيهَا
(قَوْلُهُ: فَلَا يَضْمَنُ مَنْ دَعَاهُ) وَكَذَا مَنْ لَمْ يَدْعُهُ بِالطَّرِيقِ الْأَوْلَى
(قَوْلُهُ: وَهَذَا وَإِنْ عُلِمَ إلَخْ) هَذَا الِاعْتِرَاضُ يُتَوَجَّهُ أَيْضًا عَلَى قَوْلِهِ أَوْ بِطَرِيقٍ ضَيِّقٍ إلَخْ.
وَيُجَابُ أَيْضًا بِأَنَّهُ مَبْدَأٌ لِلتَّقْسِيمِ اهـ سم عَلَى حَجّ
(قَوْلُهُ يَضُرُّ الْمَارَّةَ) وَلَيْسَ مِمَّا يَضُرُّ مَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ مِنْ حَفْرِ الشَّوَارِعِ لِلْإِصْلَاحِ؛ لِأَنَّ مِثْلَ هَذَا لَا تَعَدِّيَ فِيهِ لِكَوْنِهِ مِنْ
الْمَصَالِحِ الْعَامَّةِ
(قَوْلُهُ: لِتَعَدِّيهِمَا) الْحَافِرِ وَالْإِمَامِ (قَوْلُهُ فَالضَّمَانُ عَلَيْهِ) أَيْ حَيْثُ كَانَ السَّابِقُ غَيْرَ نَفْسٍ وَعَلَى عَاقِلَتِهِ حَيْثُ كَانَ نَفْسًا، وَلَوْ رَقِيقًا لِمَا يَأْتِي مِنْ أَنَّ قِيمَةَ الرَّقِيقِ عَلَى الْعَاقِلَةِ
(قَوْلُهُ: أَوْ مَصْلَحَةٍ عَامَّةٍ) يُؤْخَذُ مِمَّا ذُكِرَ مِنْ التَّفْصِيلِ أَنَّ مَا يَقَعُ لِأَهْلِ الْقُرَى مِنْ حَفْرِ آبَارٍ فِي زَمَنِ الصَّيْفِ لِلِاسْتِقَاءِ مِنْهَا فِي الْمَوَاضِعِ الَّتِي جَرَتْ عَادَتُهُمْ بِالْمُرُورِ فِيهَا وَالِانْتِفَاعِ بِهَا أَنَّهُ إنْ كَانَ فِي مَحَلٍّ ضَيِّقٍ يَضُرُّ الْمَارَّةَ ضَمِنَتْ عَاقِلَةُ الْحَافِرِ، وَلَوْ بِإِذْنِ الْإِمَامِ، وَإِنْ كَانَ بِمَحَلٍّ وَاسِعٍ لَا يَضُرُّ بِهِمْ، فَإِنْ فَعَلَ لِمَصْلَحَةِ نَفْسِهِ كَسَقْيِ دَوَابِّهِ مِنْهَا وَأَذِنَ لَهُ الْإِمَامُ فَلَا ضَمَانَ، وَإِنْ كَانَ لِمَصْلَحَةِ نَفْسِهِ وَلَمْ يَأْذَنْ لَهُ الْإِمَامُ ضَمِنَ وَإِنْ انْتَفَعَ غَيْرُهُ تَبَعًا، وَالْمُرَادُ بِالْإِمَامِ مَنْ لَهُ وِلَايَةٌ عَلَى ذَلِكَ الْمَحَلِّ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ مِنْهُ مُلْتَزِمَ الْبَلَدِ
ــ
[حاشية الرشيدي]
وَالْمُسْتَأْجَرِ نَصُّهَا وَخَالَفَهُ غَيْرُهُ فِي الْأَوَّلِ إذَا نَقَصَ الْحَفْرُ قِيمَتَهُ وَيُرَدُّ بِأَنَّ التَّعَدِّيَ هُنَا إلَخْ.
(قَوْلُهُ: مِنْ الْمَالِكِ) أَيْ وَلَوْ لِلْبَعْضِ لِيَشْمَلَ الشَّرِيكَ (قَوْلُهُ: إلَّا مَوْصُولًا بِحَرْفِ جَرٍّ) بِأَنْ يَكُونَ مَعَ مَجْرُورِهِ مَرْفُوعًا بِهِ، وَقَوْلُهُ: أَوْ ظَرْفٌ أَوْ مَصْدَرٌ بِأَنْ يَكُونَا مَرْفُوعَيْنِ بِهِ، وَشَرْطُ الْمَصْدَرِ أَنْ يَكُونَ مُتَصَرِّفًا غَيْرَ مُؤَكِّدٍ، وَشَرْطُ الظَّرْفِ أَنْ يَكُونَ مُتَصَرِّفًا خَاصًّا
(قَوْلُهُ: عَلَى لِمَصْلَحَتِهِ) صَوَابُهُ عَلَى مَصْلَحَتِهِ